أغفل العالم مراقبة ظاهرة الإرهابي المتفرد، رغم أمثلة كثيرة وقديمة، فصار بخطورة المنظمات الإرهابية حسنة التدريب والتمويل. فثمة إجراءات تقي العالم شرور هذا الإرهابي على رأسها مراقبة لصيقة للانترنت. ما زال العالم ينتظر الكشف عمّن نفذ تفجيرات ماراثون بوسطن، لكن المراقبين لا يستبعدون أن يكون المسؤول إرهابيًا يعمل بمفرده. وأصبحت الهجمات التي ينفذها مثل هؤلاء الأفراد أكثر انتشارًا، بعدما اكتسبوه من قدرة على توجيه ضرباتهم من دون الحاجة إلى التدريب أو التمويل، الذي توفره تقليديًا جماعات إرهابية. فكل ما يحتاجونه هو الدخول إلى شبكة الانترنت. ورغم تفاوت الإحصاءات عن عدد الهجمات التي نفذها أفراد إرهابيون بسبب الاختلاف في التعريف وطرق جمع المعلومات، فإن الأجهزة الأمنية والمسؤولين الرسميين في بلدان عديدة يتفقون على أن خطر هؤلاء آخذ في التعاظم. تفكير بلا قيود إتسمت الهجمات التي نفذها إرهابيون منفردون أخيرًا بشمولها كل ألوان الطيف السياسي والديني، بما في ذلك مجزرة أندريس بريفيك المعادي للإسلام، الذي قتل 77 شخصًا في النروج. وفي الولاياتالمتحدة، يواجه الضابط الأميركي المسلم نضال حسن تهمة إطلاق النار على جنود وأشخاص آخرين في ثكنة فورت هود في ولاية تكساس. وشهدت الفترة الماضية مخططات وهجمات أشخاص منفردين من النازيين الجدد والعنصريين البيض والمتطرفين. ما يجعل الإرهابي الذي يعمل بمفرده بهذه الخطورة هو قدرته على التفكير بلا قيود. فلأنه يعمل بمفرده، لا يتعرّض لضغوط من أفراد الجماعة، أو لعملية معقدة في صنع القرار قد تقتل روح المبادرة. ويتمتع الإرهابي المنفرد بحرية العمل وفق أي سيناريو يتفتق عنه ذهنه. ثروة الانترنت أسفرت هذه الحرية عن هجمات تتميز بسعة الخيال في تاريخ العالم. على سبيل المثال، كان أشخاص عملوا بمفردهم مسؤولين عن أول تفجير بسيارة مفخخة في العام 1920، وأول تفجير طائرة في الجو في العام 1955، وأول خطف طائرة في العام 1961، وأول تلاعب لتلويث منتوج أو سلعة في العام 1982، فضلًا عن الهجمات برسائل إنثراكس في الولاياتالمتحدة في العام 2001. كما يصعب التعرف إلى الإرهابي الذي يعمل بمفرده وإلقاء القبض عليه. فلا اتصالات يمكن اعتراضها أو التنصت عليها أو متآمرون معه يمكن اعتقالهم والتحقيق معهم. كانت ثورة الانترنت هي القوة الدافعة وراء موجة الهجمات التي ينفذها إرهابيون يعملون بمفردهم، مانحة هؤلاء فرصًا لا حد لها. فالإرهابي يجد كل ما يريد على الانترنت، من التعليمات التي تشرح له كيف يصنع عبوة ناسفة إلى الخرائط والمخططات التي تحدد مواقع أهدافه. أنماط إرهابية من هم إذًا الإرهابيون الذين يعملون بمفردهم؟، هناك خمسة أنماط من هؤلاء الإرهابيين: العلماني والديني والمتطرف والمجرم والشاذ، رغم أن بعض الإرهابيين الذين يعملون بمفردهم قد يجمعون أكثر من نمط في آن واحد، كما تلاحظ مجلة فورين بولسي. وينفذ الإرهابي العلماني هجماته مدافعًا عن قضايا سياسية أو قومية أو انفصالية، كما فعل تيموثي ماكفي، الذي قتل 168 شخصًا حين فجّر مبنى حكوميًا في مدينة أوكلاهوما في العام 1995، بدافع الانتقام لمقتل 80 شخصًا في غارة نفذتها الحكومة على مجمع طائفة منغلقة في ولاية تكساس قبل عامين على هجومه. ورغم عداء النروجي أندريس بريفيك للإسلام، فإنه ينتمي إلى النمط العلماني أيضًا، لأنه لم يستهدف مسلمين بمجزرته، بل استهدف شبانًا في مخيم كشفي تابع لحزب العمال الحاكم، اتهمه بريفيك بمساعدة المسلمين على أسلمة أوروبا الغربية. دين أو هوس! النمط الثاني من الإرهابي الذي يعمل بمفرده، هو النمط الديني، الذي يمارس الإرهاب باسم الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو أي عقيدة دينية أخرى. ينتمي الرائد نضال حسن إلى هذا النمط، نظرًا إلى تأثره بأفكار رجل الدين الإسلامي المتطرف أنور العولقي، الذي ولد في الولاياتالمتحدة، وقتلته طائرة أميركية من دون طيار في اليمن في العام 2011. النمط الثالث هو الإرهابي المهووس بقضية مفردة، مثل الإجهاض أو حقوق الحيوان أو البيئة. ومن هؤلاء إريك رودولف المناهض للإجهاض، الذي قام بتفجير عبوة ناسفة خلال دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا في العام 1996، وعيادات طبية تجري عمليات إجهاض. والمثال الآخر هو الناشط الهولندي فولكرت فان دير غراف، المتطرف في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، الذي اغتال سياسيًا هولنديًا بسبب تأييده تربية الحيوانات، ثم قتلها من أجل فرائها. شياطين ذاتية النمط الرابع أكثر تميزًا عن الأنماط الثلاثة السابقة هو نمط المجرم الذي يعمل بمفرده من أجل المال والكسب الشخصي، مناقضًا الإرهابي الذي يمارس العنف من أجل أهداف سياسية أو دينية أو قومية. غياب الهدف الأيديولوجي هو السبب في أن غالبية المحللين لا تدرج هذا المجرم في عداد الإرهابيين. أما النمط الخامس فهو هو الإرهابي الشاذ، المدفوع بشياطينه الذاتية. وهذا النمط من الإرهابي الذي يعمل بمفرده فريد، لأنه قد يرتكب اعتداءات من أجل قضية كثيرًا ما تكون غير عقلانية، مدفوعًا إلى العنف بسبب مشاكل عقلية ونفسية حادة، كالأميركي ثيودور كاتشينسكي، الذي يدعو إلى الثورة على المجتمع الصناعي التكنولوجي. الوساطة اللازمة أثبت الانترنت أنه وساطة لا غنى عنها لجميع هذه الأنماط. فالهولندي فان دير غراف بحث على الانترنت عن معلومات تتعلق بالبرنامج اليومي لضحيته، وحصل على خريطة البلدة الهولندية، التي اغتاله فيها في العام 2002. واستخدمت كولين لاروز، المعروفة باسم "جهاد جين"، خدمات ماي سبيس ويوتيوب والبريد الالكتروني للاتصال بمنظمات متطرفة أخرى وإعلان رغبتها في الشهادة. وسافرت في العام 2009 إلى أوروبا لاغتيال الرسام السويدي لارس فيلكس، الذي أثار غضب المسلمين برسومه المسيئة إلى نبيهم. من الأمثلة المتميزة الأخرى روزانا تشودري، التي كانت طالبة متفوقة في كلية كنغ المعروفة في لندن، ثم انقطعت عن الدراسة قبل أشهر قليلة على تخرجها في العام 2010. وحاولت تشودري اغتيال النائب البريطاني ستيفن تيمز لتأييده الحرب على العراق، ففرغت أكثر من 100 خطبة من خطب العولقي من الانترنت من دون أن يعرف بذلك أحد ولم تلتق ذات يوم بصاحب الخطب، بل تأثرت حصرًا بدعواته على الانترنت إلى استخدام العنف ضد الغرب. مطبات رقمية ورغم أهمية الانترنت للإرهابي، الذي يعمل بمفرده، فإنه يمكن أن يسبب له مشاكل أيضًا. فهو يعرّض نفسه للانكشاف حين يظهر على الانترنت، معلنًا استعداده ورغبته وقدرته على ارتكاب أعمال إرهابية، مثلما فعلت لاروز، أو بنشر بياناته وبرامجه، كما فعل بريفيك. كما إن غرف الدردشة وعمليات البحث، التي يجريها الإرهابي المتفرد، تشكل مطبات توقعه في نهاية المطاف. ومن الدروس الأخرى المستخلصة من تحليل الإرهابي، الذي يعمل بمفرده، أنه ليس مخبولًا كما يفترض كثيرون. وفي حين أن بعضهم مختل عقليًا، مثل كاتشينسكي، لدى الآخر مشاكل نفسية، مثل بريفيك، فإن كثيرين ليسوا شاذين بالمعنى النفسي، مثل رودولف وتشودري، كما تلاحظ فورين بولسي. إجراءات وقائية لكن من الخطأ الاعتقاد بأنه لا يمكن منع الإرهاب الذي يمارسه شخص يعمل بمفرده، إذ يمكن اتخاذ بعض الإجراءات لمراقبة الانترنت وتقليل خطر الهجمات التي يرتكبها إرهابيون يعملون بمفردهم. ومنها تطوير أجهزة تكشف الطرود المفخخة والرسائل التي تحوي مواد سامة أو جرثومية، وتوسيع دائرة استخدام كاميرات الدائرة التلفزيونية المغلقة في الأماكن العامة، وتطوير النظام البيومتري، بما في ذلك تحليل طريقة المشي للتعرف إلى من يحمل عبوة ناسفة، وتحليل تعابير الوجه لتوقع النيات العدوانية. تضاف إلى ذلك مسؤولية المواطنين البديهية التي تُغفل عادة، بالإبلاغ عن الأجسام أو الطرود المريبة في المطارات ومحطات الحافلات والأسواق، وغيرها من الأهداف المحتملة. فلا يُعرف كم ظلت الحقائب التي كانت تحوي العبوات مركونة قرب خط نهاية السباق في بوسطن من دون أن ينتبه إليها أحد. لقد انصب الاهتمام زمنًا طويلًا على منظمات إرهابية، مثل تنظيم القاعدة، فأغفل الإرهابي الذي يعمل بمفرده، رغم أن هذا الطراز أثبت مرارًا أنه لا يقلّ خطرًا عن المنظمات الإرهابية حسنة التمويل والتدريب، بحسب مجلة فورين بولس، مشيرة إلى أن الإرهابي الذي يعمل بمفرده أصبح لاعبًا مهمًا في الإرهاب الدولي، ويتعيّن أن يُحسب حسابه الآن وفي المستقبل المنظور.