شهدت شبكة الإنترنت تطوراً سريعاً سهل كثيراً تبادل المعلومات، على الرغم من أنه أسهم في سرعة انتشار الشائعات، لذا لابد أن يتوخى المجتمع الحذر الشديد من النمو الهائل للشائعات عبر الإنترنت لأن الأضرار قد تكون هائلة . وعادة ما تختلق الشائعات عبر الإنترنت لنشر معلومات كاذبة تتعلق بأحداث عامة، ربما تمثل تهديدا للاستقرار الاجتماعي . مثلاً، زعمت إحدى الشائعات على الإنترنت وجود نقص في الملح بعدما عطلت أمواج "تسونامي" محطة فوكوشيما داييتشي اليابانية للطاقة النووية، ما أدى إلى تدافع الناس لشراء وتخزين ملح الطعام في كل أنحاء الصين وسط مخاوف من الإصابة بالإشعاع . أظهرت دراسات أن أكثر من نصف أخبار الصحف الأمريكية يحتوي على خطأ واحد على الأقل، كما توصلت دراسات مسحية عديدة إلى وجود عدد هائل من الأخطاء في مواقع الصحة الشائعة على الشبكة العنكبوتية . ومن هذه المغالطات ما ذكرت أن نابليون بونابرت كان قصير القامة، وأن جميع الخفافيش لاتبصر، وأنه يجب تناول ثمانية أكواب من الماء يومياً . وجميع هذه الشائعات خاطئ، إذ ذكرت كتب التاريخ تميز بونابرت بقامة طويلة، مقارنة بمعدل الطول في عصره، وهناك أنواع من الخفافيش يمكنها الرؤية، والأصحاء يمكنهم شرب الماء فقط إذا شعروا بالظمأ . وانتشار المعلومات الخاطئة قديم، بيد أن تخوف الكثيرين يرجع إلى تفاقم الأمر . وبفضل الإنترنت، وجدت الشائعات والأكاذيب والأخبار التي تفتقد إلى الدقة سبلاً للانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي، والمدونات، والمواقع الإخبارية، وبسرعة لم يسبق لها مثيل، ويؤدى ذلك إلى عواقب وخيمة . واحدة من أكبر الأكاذيب السياسية في الآونة الأخيرة، كانت حول ادعاء السلطات الصحية في الولاياتالمتحدة أن برنامجها الإصلاحي سيتضمن تأسيس "لجنة الموت"،التي ستضم مجموعة من البيروقراطيين سيتولون البت في مصائر المرضى الميؤوس من شفائهم . "لجنة الموت" مصطلح استخدم للمرة الأولى في ،2009 عندما طالبت حاكمة ولاية آلاسكا بوضع تشريع بإنشاء لجنة للبت في أحقية الأمريكيين ممن يعانون من متلازمات مرضية وغير المؤمن عليهم في الرعاية الصحية . انتشر الخبر على الإنترنت انتشار النار في الهشيم، مطيحاً بالنقاش الصادق حول الإصلاحات . عمت الشائعة أرجاء الولاياتالمتحدة ووأدت كل جهود الإصلاح في مجال الرعاية الصحية، وبدأت المشكلة بتعليق لإحدى المدونات تدعى بيتسي مكاوفي، التي أدعت بأن مشروع القانون سيفرض على كبار السن من المرضى حضور جلسات لتعليمهم طرق إنهاء حياتهم بأسرع وقت ممكن . وانتشر الادعاء انتشار النار في الهشيم، وصبت سارا بالين الزيت على النار بتأكيدها هي ومجموعة من ضيوف برنامج حواري، على "الفيس بوك" بأن الحكومة ستشكل لجنة الموت لتحديد مصائر المرضى . وتسعى العديد من المؤسسات للدفاع عن نفسها في مواجهة سيل الأكاذيب والزيف الإعلامي، باحثة عن تقنية جديدة تحول دون انتشار هذه النوعية من الأخبار على الإنترنت . ومن هذه المبادرات نية مجموعات عديدة طرح أدوات صممت بغرض الكشف عن الأخطاء التي قد تحتويها أي مادة خبرية على الإنترنت، وبالتالي ستكون وأدتها قبل ولادتها . وانتقدت واحدة من هذه المجموعات موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وأبدت مجموعات أخرى رغبتها في تعليق العمل على الشبكة بأسرها . بيل أدير، محرر في مؤسسة مستقلة متخصصة في التدقيق في الحقائق تسمى Politifact ، يقول إنه بالتدقيق في محتوى الإنترنت سيحدث تغيير وشيك في مستقبل الشبكة . والسؤال الذي يفرض نفسه: هل لدينا بالفعل الاستعداد الحقيقي لاستقبال جرعات صحيحة من الحقائق؟ وما نتلقاه من معلومات يومية يحتوي على أخطاء يعود تاريخها إلى ظهور الصحافة . فإذا كانت الأخطاء قديمة، فمحاولات التصدي لها لابد أن تكون قديمة هي الأخرى . ويعتقد كثيرون أن الإنترنت تحوي كميات هائلة من الأكاذيب والزيف، ومن جانب آخر أتاحت فرصاً ذهبية لمن يرومون نشر الفوضى والتآمر . وكانت النتيجة منطقية، إذ فقد الناس الثقة خلال العقد الماضي في الأخبار السياسية المنتشرة على الإنترنت، ربما يكون لدى البعض المبررات الحقيقة لذلك . وعلى الجانب الآخر، فإن التقنيات الداعمة للإنترنت تتيح الفرصة لمعالجة المعلومات الزائفة، بل ووقف نشرها . ظهرت أولى هذه الأدوات في المجال السياسي، واستندت في عملها إلى تصميم وضعه "أدير" وزملاؤه . ووظفت المؤسسة التي يعمل فيها صحافيون وكل إليهم التدقيق في 35 ألف تصريح سياسي أسبوعياً، بحسب درجة صحتها، وعلى أن تنشر عمليات التدقيق هذه وكذا روابط مصادر المعلومات . بعد تدقيق 400 تصريح لباراك أوباما، وجدت المؤسسة أن تصريحاً من بين كل أربعة كان زائفاً . وأثارت المؤسسة التي حازت جائزة "بوليتزر" للصحافة في ،2009 جدلاً واسعاً، وشجعت آخرين في أوروبا على اتباع نفس النهج . ويهدف القائمون على الأمر إلى تقصي الحقائق وتغيير معتقدات المستخدم في نفس وقت مطالعته للمعلومة، وهذا هو آلية عمل الأدوات الجديدة . مبادرة أخرى أطلقتها مؤسسة Fact Spreaders هدفت بها إلى دمج نتائج Politifact عن تويتر بنتائج FactCheck وهي مؤسسة أخرى تعمل في نفس المجال . ويرى عالم الحاسب الآلي في جامعة ميتشجان بول ريزنيك، وهو أحد مؤسسي المبادرة، أنها تعتمد على برنامج حاسوبي، سيطرح قريباً، وستكون مهمته فحص تغريدات "تويتر" واكتشاف ما إذا كانت تحتوي على روابط للمعلومات التي صنفها المدققون على أنها مشكوك فيها . وسيطلب إلى متطوعين إرسال ردود في شكل تغريدات تحتوي على رابط FactCheck وأضاف أن فريق المبادرة شرع بالفعل في تجربة الذكاء الاصطناعي في انتقاد محتوى التغريدات، مؤكداً أن الهدف هو نشر الحقائق بنفس قوة انتشار الشائعات . ويستخدم كثيرون قاعدة بيانات Politifact بطرق شتى، ومنهم دان شولتز، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي طور أداة إضافية لمتصفح الإنترنت تحمل اسم "متفحص الحقائق"، مهمتها تحذير المستخدم عند مروره بموقع ما على تصريح مشكوك في صحته . فعند الضغط بالفارة على التصريح تظهر على الفور نافذة تعرض نتيجة فحص Politifact له . كما طور "مات ستيمبيك" وآخرون من زملاء شولتز، إضافة أخرى باسم Lazytruth ، بفحص البريد الالكتروني . وإذا لاقت هذه الأدوات قبولاً ورواجاً، فسوف تساعد في التعامل مع أكاذيب سياسية متقنة . وبحسب مجلة "نيوساينتيست"، سوف يتعامل الخبراء مع الأخطاء الأخرى بتوظيف عدد هائل من المدققين لتطهير الإنترنت مما يحتويه من زيف معلوماتي باستخدام أداة اسمها "هايبوسيسيز . إز" ويتوقع إطلاقها في 2013 . الأداة صممتها مؤسسة غير ربحية في سان فرانسيسكو، أنشأها دان والي، وقررت إطلاقها بعدما نشر من فوضى معلوماتية وجدل حول تشريعات الرعاية الصحية وأزمة البنوك . وتتيح "هايبوسيسيز . إز" إضافة تعليق لكل تصريح صحيح على الإنترنت، في صحيفة أو في صفحة انترنت عادية . ويطلق على التعليق عبارة "الإنترنت المدقق" . وسيتضمن ذلك إضافة أداة للمتصفح تسمح للمستخدم بوضع آلاف التعليقات على الصفحة، لايمكن للناشر حذفها أو إخفاؤها . ولتفادي ازدحام شاشة الكمبيوتر، سيرى مستخدمو "هايبوسيسيز . إز" شريطاً رفيعاً على جانب الشاشة يوجههم إلى التصريحات المشكوك في صحتها، وبمجرد الضغط على هذا الشريط يمكنهم رؤية التعليقات التي يتضمنها حول التصريح بالتفصيل . ويعكف فريق "والي" على تطوير نظام تقييم متقدم يتيح للمستخدم عرض أهم التعليقات حول التصريح، وأيضاً التعليق على مشاركات الآخرين، والتعليقات الأفضل سترفع من رصيد صاحبها من النقاط فيزاد عدد مشاهديه . ومايميز "هايبوسيسيز . إز" مرونتها، إذ يستطيع كاتب التعليق ربط كذبة سياسية بالنص الصحيح لها في قاعدة بيانات Politifact . وربما تثمر مجهودات الاختصاصيين في تصحيح معلومات علمية بالغة الأهمية، أو معلومات تاريخية مثل ما قيل عن قامة بونابرت . روب إينالز، مصمم برامج، أطلق في 2009 إضافة إلى متصفح الإنترنت، خدمة هدفت إلى ربط المستخدمين بما يسمى "الحجة بالحجة"، التي تكشف لهم صحة ما يطالعونه من عدمها . وأغلق إينالز الخدمة بعدما وجد وظيفة في محرك البحث "غوغل" . وسيحاول "والي" وزملاؤه تخصيص "هايبوسيسيز . إز" لموضوعات بعينها في البداية، ربما سيقع اختيارهم على المواد القانونية والمستندات العلمية، التي هي في أشد الحاجة لعمل كهذا . وفي دراسة مسحية في ،2006 ثبت أن 80 في المئة من مستخدمي الإنترنت حاولوا فحص بيانات علمية طالعوها على الشبكة من خلال رابط FactCheck . كما تنوي بعض المواقع إطلاق خدمة "حقيقة أم خيال"، التي تنذر القارئ حال اكتشاف زيف ما يقرؤنه . وترك كل هذه المشروعات معلقة يدعو للتشاؤم، بيد أن السؤال المهم: هل يرغب الناس بالفعل في تلقي الحقيقة؟ بالطبع يدعي الجميع رغبته في ذلك لكن بحثاً اجري مؤخراً أثبت العكس . وفي دراسة أجريت مؤخراً توصل الباحثون إلي إمكانية تغيير فكر الإنسان من خلال تصحيح المعلومات على الإنترنت . ففي إحدى التجارب التي أجراها "بريندان نيهان" في كلية دارتماوث بهانوفر في نيو هامبشاير، بمشاركة جاسون ريفلر من جامعة جورجيا ستيت في أطلنطا، طلب الباحثون إلى الطلبة المشاركين الاطلاع على أخبار أوردت عن طريق الخطأ أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش منع أبحاث الخلايا الجذعية، وشملت بعض الأخبار تصحيحاً للخبر . مجموعة من الطلاب المتعاطفين مع بوش أبدوا دهشتهم من القرار بينما لم يحذو حذوهم الآخرون ممن اتبعوا أفكاراً أكثر تحرراً . وما كان من الممكن لهذه الأكاذيب أن تجد طريقها إلى التصديق والانتشار مسببة تلك النتائج المروعة لو تضمنت متصفحات الإنترنت مثل تلك الإضافات التي توضح صحتها من زيفها . وقام نيهان وريفلر مؤخراً بدراسة العلم الاجتماعي حول التضليل الإعلامي وتوصلا إلى نصيحة مهمة من شأنها تفعيل تصحيح المعلومات الخبرية وجعلها ذات تأثير كبير، فنصحا بتجنب استخدام صيغة النفي، فمثلاً، من الأفضل، بحسب نصيحته، صياغة الخبر كالتالي "ثبتت براءة جون"، بدلاً من "لم يكن جون مجرماً" . كما أشارا إلى أنه من الأفضل تقديم تصحيح بصري أو مرئي . ومع ذلك لم يؤكدا أن هذه الطرق ستدحض الأكاذيب . وبحسب رؤية المسؤولين عن تقنيات تصحيح المعلومات . فإنه من الأنسب اعتبار هذه التقنيات أدوات ستقوم بنزع كل ماهو تافه أو غير حقيقي مما نطالعه من معلومات وأخبار، وحتى إذا كان هناك من يرغب في تزييف وفبركة الأخبار، فسيكون هناك من يرغب أيضاً في إسناد تصريحاتهم إلى أدلة قاطعة، ولن يتوقفوا عن الوقوف في وجه نشر الأكاذيب أينما وجدت، وستمنحهم التقنيات الحديثة فرصة أفضل وأكثر فاعلية في المضي قدماً في حربهم ضد هذه الأكاذيب .