حكيم الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله عندما طالب، أمس الأول، مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بتغليظ العقوبة على من يغررون بالشباب والأطفال، وألا تقتصر هذه العقوبة على السجن فقط، كان يبعث برسالة بالغة الأهمية في مضمونها وتوقيتها، ولنتأمل مضمونها أولا، يقول الملك مخاطبا سماحة المفتي:(الأخبار العالمية كلها ولله الحمد شيء زين، والأكثرية لا، ذبح وقلة ربح، وللأسف هذا اللي صار، وهذا اللي بيصير.لكن يا شيخ مع الأسف سمعت إن فيه ناس ما لنا فيهم يا طويل العمر إنهم يشوفون الشباب ويغررون بهم، وهذا الأمر ودك يصير فيه حكم طال عمرك ما هو فقط سجن، الذي يريد أن يغرر بأطفال الناس ويجعلهم يروحون، الله يكفينا شرهم، الله يكفينا شرهم، وإلا ولله الحمد نحن هنا ينبغي علينا الشكر؛ فنحن ولله الحمد بنعمة.أما هذا الذي نشاهده من حولنا فهؤلاء فيهم أول شيء الحقد بين الشعب، والشعب الآن كل واحد يريد حزبا، وكل واحد يرى أنه الأول، وصار بينهم عداء بين الشعب، والذي أدهى وأمر أسمع وأنا أبرأ إلى الله من ذلك أنه تعدت إلى شيء أكبر، إلى المحارم، وهذا الشيء الذي يغضب الله، كفانا الله شرهم.أما الذين يأتون للتغرير بالأطفال فودك أن يحكم عليهم حكما أكبر مما يحكم عليهم الآن؛ فهم غرروا بأطفالنا، فمنهم من قتل، ومنهم من حبس، الله يكفينا شرهم).والرسالة هنا موجهة لكبار العلماء الثقات وللقضاة، بعدم التساهل مع من يثبت تورطهم في التغرير بالشباب والزج بهم في أتون الموت بتفجير أنفسهم وقتل الأبرياء وترويع الآمنين والتسلل إلى البلدان الأخرى بدعوى الجهاد، بعد إخضاعهم لعمليات غسل أدمغة ممنهج واحترافي لتنفيذ أجندة إرهابية لصالح جماعات وأحزاب لا يقرها دين ولا عرف ولا خلق، والإسلام منها براء.والرسالة موجهة إلى كل أستاذ وأستاذة جامعة، وكل معلم ومعلمة، لا بد أن يراقبوا بدقة توجهات وأفكار طلابهم وطالباتهن ومعالجة ما انحرف وتدارك الخطر قبل وقوع الكارثة.وإلى كل أب وأم، بأن يرقبوا أبناءهم وأن يحرصوا بدقة متناهية على معرفة من يخالط أبناءهم وبناتهم، وأن ينظموا مواعيد خروجهم ودخولهم إلى المنزل؛ لأن المتطرفين والإرهابيين يتبعون استراتيجية (العزل) مع الشباب والمراهقين خلال مرحلة غسيل الدماغ، أي أنهم يعزلونهم عن أسرهم ومحيطهم لفترات طويلة حتى وإن كانت متقطعة، إلا أنهم يحرصون على الانفراد بهم أكبر وقت ممكن؛ لترسيخ الفكر الضال والمنحرف في هذه العقول الغضة قليلة الخبرة، وهذا ليس مجرد تحليل لآلية تفكيرهم، ولكنه واقع لمسناه وعايشناه منذ ثمانينات القرن الماضي، واعترف به عدد من الإرهابيين الذين قبض عليهم، وما تزال أفغانستان والشيشان شاهدتين على ما حدث، واليوم في العراق وسورية يتكرر ما حدث، وهنا تكمن أهمية توقيت حديث الملك عبدالله.كانت نتيجة الغياب المتقطع في المخيمات والرحلات والدروس اللا منهجية والاجتماعات السرية غيابا طويلا تعدى حدود الوطن، وأرواحا تذهب ولا تعود، يحرمون أمهاتهم وآباءهم حتى حق النظرة الأخيرة، حتى حق الوداع الأخير، حتى حق تلمس ملامح وجوههم، حتى حق البكاء في حضرتهم قبل الرحيل الأبدي.وكانت النتيجة أمهات ثكالى، وآباء مكلومين، وزوجات ترملن في ريعان الشباب، وأبناء وبنات ولدوا أو عاشوا بلا أب، لماذا كل هذا؟ كلنا شركاء في ما حدث، والسكوت على منظري الإرهاب ومفتيي القتل والموت أو التهاون معهم لم يعد مقبولا الآن والسجن وحده لا يكفيهم كما قال الملك الحكيم العارف ببواطن الأمور، والعالم بأن التساهل في العقوبات مع هؤلاء سيفرز المزيد من الموت والسواد.فهل وصلت الرسالة يا علماءنا، يا أساتذتنا، يا آباءنا وأمهاتنا؟