«في أوروبا والدول المتقدمة»..، هناك مختبرات لكل شيء، ورصد كامل لما يحدث فيها من تفاعلات، وما ينتج عنها من آثار ، حتى العلاقات الزوجية والأسرية، والاجتماعية، تدخل مختبرات التجارب الغربية، وتخرج نتائجها إلى الدنيا فيتلقفها خبراء جاهزون لتسويق كل شيء وأي شيء.. السياسة أيضا باتت لها مختبرات، وسيناريوهات، وحسابات، ومعادلات، ورصد للتفاعلات داخل المختبرات، قبل الخروج بالنتائج، وتقديمها لصناع القرار. ما يحدث في سوريا، هو بشكل أو بآخر، أحد تجليات الفوضى البناءة كآلية لإعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، أما نمط التدخل لإحداث التغيير أو لتسريع إيقاعه، فهو في الغالب أحد تجليات أسلوب»الشراكة الأمامية» الذي ابتكره مستشارو الرئيس الأمريكي أوباما، بعدما قطع الأخير عهداً على نفسه ألا يكرر حماقة سلفه جورج دبليو بوش بالتدخل المباشر في أفغانستانوالعراق. ويعتمد منهج الشراكة الأمامية- كما ذكرنا في مقال سابق- على: * «تمكين» جيران الخطر، ممن هم في الصفوف الأمامية بحكم الجوار الجغرافي، من أخذ المبادرة داخل جوارهم. * نشر قوات أمريكية في الصفوف الأمامية بهدف مساعدة الشركاء الدوليين لأمريكا على التعاون مع القوات الأمريكية. وهذا بالضبط ما يحدث الآن في الأردن «جار الخطر السوري».. وحتى تصبح جاراً للخطر لابد من وجود «خطر إلى جوارك» سواء أكان خطراً حقيقيا أم مصطنعا، فالمهم أن «تخاف» وأن تتوافر لديك دوافع الانخراط في مواجهة الخطر الذي لا تستطيع وحدك تقدير حجمه ومستواه وعواقب الاشتباك او عدم الاشتباك معه. الوضع الميداني على الأرض في سوريا،مازال ملتبساً، فالنظام مازال قائماً، وهو مازال يحكم قبضته على مخزونه من أسلحة كيماوية، بات الجدل حول ما إذا كانت قد استخدمت ضد الثوار، هو مصدر الدوافع «الأخلاقية» للتدخل العسكري الخارجي ، سواء أكان مباشراً أو غير مباشر، بل إن هذا المخزون الكيماوي ذاته، بات مبرراً «مشروعاً» لأحاديث في إسرائيل عن خطط لوضعه تحت السيطرة قبل أن يصل إلى أيدي جماعات جهادية متطرفة. قرار التدخل في سوريا فيما يبدو بات شبه محسوم في الغرب، لكنه مازال في مرحلة بناء الذرائع التي يمكنها التغلب على الفيتو الروسي- الصيني في مجلس الأمن الدولي، وها قد جاء الحديث عن استخدام ولو محدوداً للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين أو الثوار، ليتيح من الذرائع الأخلاقية والقانونية، ما لم يكن متاحاً من قبل. الحديث في أمريكا الآن انتقل من بحث تزويد الثوار بعتاد دفاعي، الى بحث تزويدهم بأسلحة قتالية نوعية تمكنهم من إقامة مناطق حظر جوي ومناطق عازلة أو آمنة داخل الأراضي السورية، لكن أمريكا لن تكرر نمط التدخل في العراق أو في أفغانستان، ولهذا فهي تعكف على إنتاج ذرائع تدخل لدى الجيران (الأردن وتركيا بصورة أساسية)، ثم على تقديم بعض صور الدعم لجيران الخطر السوري، بما في ذلك نشر قوات أمريكية محدودة،للتعبير عن مستوى التزام رفيع من جانب واشنطن، يحفز حلفاءها على الانخراط في مهام صعبة مقبلة. مع تعاظم مستوى انخراط الجوار السوري في الأزمة، وتعاظم مستوى الدعم الأمريكي لهذا الجوار، بات متعيناً على من يريد رصد اتجاه الريح في المنطقة بشأن الأزمة السورية، أن يراقب سلوك الجيران بأكثر مما يراقب سلوك واشنطن في الأزمة، فالاستعدادات على الأرض ستكون هناك في الجوار، والتحولات في المواقف والسياسات ستكون أيضاً هناك في الجوار.. راقبوا الجوار إذن إذا أردتم معرفة الى أين يمكن أن تمضي الأمور في الأزمة السورية. حلفاء بشار الأسد في طهران و بكين وموسكو، كلهم يتحدثون عن تغيير عبر صندوق الانتخابات في عام 2014 ، أما من يتحدثون عن تغيير النظام بالقوة، فقد لا يكون بوسعهم إنجاز مشروعهم والإطاحة بالنظام قبل عام 2014 أيضاً، فإسقاط النظام بالقوة سيقتضي عملاً عسكرياً، لن تقدم عليه لا واشنطن ولا حلفاؤها قبل التأكد، من استنزاف القوة النظامية للجيش السوري، وهى عملية قد يطول مداها، طالما خشيت الدول الداعمة للمعارضة من سقوط سوريا في قبضة جبهة النصرة او تنظيم القاعدة او غيرهما من الجماعات الجهادية التي لا يتوقف مشروعها عند حدود سوريا.. أوباما لن يتدخل لإسقاط النظام السوري، لكنه قد يتدخل للسيطرة على توابع سقوطه ، وهو لا يريد الانشغال بمعركة سوريا، فيما يستعد لمعركته الرئيسية في إيران، ولهذا فإن المهام اليومية المزعجة قد يتحملها جيران الخطر،بشراكة أمامية أمريكية أو حتى بدونها.. ضعوا عيونكم على الأردن وتركيا في الأسابيع المقبلة.. حيث يجري ترتيب المسرح لمشاهد رئيسية في معركة الشرق الأوسط الجديد. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain