نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الاميركي تقريرا خاصا بقلم "أنتوني كوردسمان"، المحلل العسكري وأستاذ كرسي أرليج بورك في الشؤون الاستراتيجية بالمركز اشار فيه الى الرسالتين اللتين وجههما رئيس الاركان العامة الاميركية الجنرال "مارتن دمبسي" الى السيناتور "كارل لوين" رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي وعضو الكونغرس "اليوت انجل" وناقش تحذيراته في خصوص التدخل العسكري الامريكي في سوريا. ويعتقد التقرير ان تاخر اوباما في التدخل بالملف السوري لحد الان ادى الى تعريض مصالح امريكا وحلفائها واشنطن (فارس) ويشير التقرير الى ان تحديد الخطوط الحمراء امر مهم ولكن الاهم من ذلك تعيين تداعيات تجاوز هذه الخطوط الحمراء وتقديم تعريف شفاف عن خيارات الرد. وحاليا لا يمكن ابدا تجاهل التحذيرات التي اطلقها الجنرال دمبسي في رسالته التي وجهها الى عضو الكونغرس "اليوت انجل". فقد جاء في رسالة دمبسي " ان مسالة سوريا اليوم، ليست مسالة انتخاب احد طرفي الازمة، بل انتخاب طرف من اطراف عدة. واعتقد ان الطرف الذي نختاره يجب ان يكون مستعدا لضمان مصالحه ومصالحنا بمجرد تغيير موازنة القوى. لكن الظروف التي تسود اليوم لا تكشف عن استعداد المعارضة لمثل هذا الامر. لان النزاع على السلطة سيستمر حتى بعد سقوط الاسد، ولذلك علينا تقييم خياراتنا العسكرية المحدودة بناء على هذه الاجواء. ** قوات الاسد اقوى من ان تنهزم امام المتمردين بسهولة ويضيف الكاتب أن سوريا الآن أضحت أكثر انقسامًا، سواء بين مؤيدي الأسد ومعارضيه، أو داخل المعارضة المسلحة التي تتسم بالتشرذم الشديد، فضلا عن تزايد قوة العناصر المتطرفة، والاستقطاب الذي أضحت عليه سوريا بين العلويين والعلمانيين من جهة، وبين الكتلة السنية من جهة ثانية، وبين الأكراد السوريين من جهة ثالثة، ما لا يمكن معه القول بأن التدخل الأميركي العسكري قد ينجح في إزاحة الأسد، والحيلولة دون إمساك المتطرفين بزمام الأمور، أو الحيلولة دون تفكك الدولة لكتل علوية وسنية وكردية على نحو أثبتت الأحداث أنه أكثر عنفا وامتدادا مما عانته العراق من قبل. **النزاع السوريا قد يسوق المنطقة للفوضى بسهولة ويحذر دمبسي من ان عدم تنسيق اميركا مع حلفائها بشكل كامل سيؤدي الى تقسيم سوريا بين المتمردين السنة واكراد سوريا والعلويين والسنة الموالين للنظام، والمواجهة فيما بينها، والاحتمال الاقوى في هذا البين هو ان ارتكاب اي خطأ ضئيل سيؤدي الى توسيع رقعة النزاع الداخلي في سوريا وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، فضلا عن ان تداعيات هذه الازمة ستترك تاثيراتها السلبية على كافة المنطقة. ** لايمكن رسم الخارطة السياسية السورية عبر التدخل الاجنبي ويتابع التقرير انه بمنأى عن التيقن بشان استخدام القوات الحكومية للاسلحة الكيماوية او لا، فان على اميركا الا تتدخل في الازمة السورية بدون الحصول على الدعم الكامل من حلفائها الاقليميين، وهذا يعني انه لا ينبغي على اميركا ان تخوض هذه المجازفة بدون حضور الرئيس الاميركي في الكونغرس وتوجيه الراي العام وتبيان اسباب الهجوم. فلا يمكن ان تقوم اميركا بخطوتها على امل ان يتم رسم سياسة سوريا المستقبلية من الخارج. **افضل الخيارات السيئة مازال اسواء خيار ويشير المقال الى ان افضل الخيارات السيئة في خصوص سوريا مازال اسوأ الخيارات حيث ان سوريا وخلال الاعوام الثلاثة الماضية دمرت بشكل كبير. فبمنأى عن القتلى والجرحى، جرى تشريد حوالي 20 بالمائة من الشعب السوري، واقتصاد البلد انهار بشكل كلي. ولايمكن للمحاولات التي تبذلها اميركا واوروبا والعرب مجتمعة الى التوصل لنتيجة مرضبة تضمن تسلم حكومة مستقرة نسبيا مقاليد الحكم في هذا البلد واطلاق حوار بين العرب السنة المتطرفين والعرب العلويين والاقلية الكردية والدروز والمسيحيين. لذلك فان من التداعيات المرتقبة لمثل هذا الخيار( التدخل العسكري) اقحام الاردنوتركيا في النزاع فضلا عن لبنان. ** كان بامكاننا دعم جماعة من المعارضة المعتدلة في سوريا ويشدد "كوردسمان" على أن هذه الخيارات يجب أن تكون محددة بالتزامات الحلفاء بمشاركة الولاياتالمتحدة فيها، وأضاف أن الولاياتالمتحدة عليها الأخذ في الحسبان الاعتبارات التي أعلنها رئيس الأركان الجنرال "ديمبسي" بخصوص سوريا، وأن على إدارة أوباما أن تعمل وفق بيان "ديمبسي" الذي أرسله لعضو مجلس النواب الديمقراطي "إليوت إنجل"، في 19 أغسطس، والذي جاء فيه: "أعتقد أننا يمكننا تقديم المساعدة في مجال الأزمة الإنسانية على مجال أوسع وفعال، ويمكننا -إذا طلب منا- أن نزيد جهودنا لتطوير معارضة معتدلة، والقيام بذلك بالتضافر مع التوسع في جهود بناء القدرات مع الشركاء الإقليميين، وباستثمارات مؤثرة في تطوير معارضة سورية معتدلة، فإن ذلك سيؤدي إلى أفضل إطار لاستراتيجية أمريكية فعالة تجاه سوريا". **مصالحنا سبب التدخل في سوريا وليس السلاح الكيماوي ويشير التقرير الى انه كان على اميركا ممارسة الضغط على حلفائها للقيام بهذه الخطوة، ليس بسبب السلاح الكيماوي او تجاوز الخطوط الحمراء ( حقيقية كانت او مفترضة) بل بسبب التكلفة الباهضة التي تكبدتها وتنامي التهديدات التي تعرض مصالحها الاستراتيجية ومصالح حلفائها للخطر. **امريكا ملزمة باتخاذ الخطوة الاولى حيال سوريا ويرى التقرير ان بامكان اميركا التاثير على الاوضاع الراهنة في سوريا، لان كل عملية بحاجة الى قائد يتخذ فيها الخطوة الاولى فيها، وهذا يعني ان اميركا يجب ان تكون في المقدمة ليتبعها الاخرون ولا ينبغي ان تقوم بخطوة احادية. لان اتخاذ اي خطوة اعتباطية او غير مدروسة ستثير حفيظة الكثير من الاحزاب الداخلية والشخصيات المعارضة للحرب. **لا جدوى من تدمير القوة الجوية السورية - دراسة شاملة ومحايدة للخيارات الموجودة، والتكاليف ومخاطر الخيار العسكري ويتابع التقرير انه آن الاوان لنقد فرضيات والتصريحات السلبية للجنرال دمبسي لاسيما تلك التي اشار اليها في رسالته الموجهة الى السيناتور لوين. فالجنرال دمبسي لم يقدم في اي من رسالتيه تقييمه عن تكلفة الاجراءات الجمعية ولا مستوى التعاون ويكتفي بالقول، "يمكننا تدمير القوة الجوية السورية، الامر الذي من شانه اضعاف قوات الاسد، ولكن القيام بمثل هذه الخطوة سيورط امريكا اكثر فاكثر. بعبارة اخرى ان هذا الخيار ورغم انه من الناحية العسكرية ليس مضمون النتيجة الا انه سيورط امريكا في النزاع لا محالة". **الجيش الاميركي بقوته لا يمكنه اجتثاث النزاعات القومية - المذهبية في سوريا ويستطرد دمبسي قائلا: "الاستفادة من القوات العسكرية الامريكية قد يساعد في تغيير موازنة القوى في سوريا، لكنها لا يمكنها اجتثاث النزاعات القومية والدينية والعشائرية في الداخل السوري. **الاركان العامة للجيش الاميركي تعتبر الخيار العسكري في سوريا غير مناسب ويعتقد كوردسمان ان على الكونغرس ان يبادر فورا الى اضفاء الشفافية على جميع الخيارات المذكورة المذكورة في رسالة الجنرال دمبسي وتقديم تقييمات عن التهديدات المطروحة في رسالة يوليو التي وجهها الى السيناتور كارل لوين. يشار الى ان دمبسي اعلن فيما بعد ان قدم رؤيته المستقلة على اعلى مستويات من الشفافية التي تسمح بها مثل هذه الرسائل، مؤكدا انه يجب الاستفادة من مشورته في خصوص كيفية استخدام قوات الجيش وبالتالي اتخاذ القرارا بشان القيام بخطوة عسكرية ام لا. يشار الى ان تقييمات دمبسي تزامنت مع رسائل اصدرها كبار المسؤولين العسكريين، ما يكشف عن هذه الرؤية لها انصار كثر في الاركان العامة الاميركية. والان السؤال الذي يطرح نفسه هو الى اي مدى يمكن ان تساعد مثل هذه التوجهات في تحقيق المصالح الاستراتيجية الاميركية والى اي مدى يمكن تقديم تقييمات حيادية حيال التكاليف ومنافع الاجراءات المحتلمة التي تقوم بها واشنطن. **امريكا نشرت قواتها في تركياوالاردن يشير الجنرال دمبسي ان الدور الاميركي يقتصر حاليا على التعاون في ارسال المساعدات الانسانية والتعاون الامني مع جيران سوريا (اقرا عمليات التجسس) وتوفير المساعدات غير القاتلة (بحسب تعبيره) الى المتمردين السوريين. كما تم نشر بطاريات باتريوت في تركيا تسحبا لاي هجوم صاروخي قد تتعرض له، اضافة الى تشكيل غرفة عمليات وامكانات اخرى مثل طائرات اف-16 للدفاع عن الاردن. بعد ذلك يقترح دمبسي خمسة خيارات لزيادة الدعم والاسناد الاميركي. ** التدخل الاميركي يجب ان يقتصر على منع زعزعة الاستقرار وانتشار اسلحة الدمار الشامل الجنرال دمبسي وفي رسالته التي وجهها في يوليو يركز بشكل كبير على تقييمه للتكاليف وخطرات التدخل العسكري. ولكنه لا يشير في رسالته هذه الى الموقع الاستراتيجي لسورية والتداعيات المحتملة لعدم التدخل الاميركية وتاثير النزاع في سوريا على دول الجوار وكذلك المنطقة (الشرق الاوسط وشمال افريقيا). فيقول دمبسي في رسالته: "التدخل العسكري في سوريا مسالة سياسية وضع الشعب الاميركي مسؤولية اتخاذ القرار بشانها على عاتق القادة السياسيين". ومن ثم يحذر قائلا: "الخيارات المتاحة امامنا تناقش بشكل منفرد. في حين ان من الافضل ان يتم مناقشتها مجتمعة في اطار استراتجية حكومية شاملة لتحقيق الاهداف السياسية الوطجنية وبالتنسيق الكامل مع حلفاء اميركا وشركائها. ومن اجل تحقيق هذا الهدف انا ادعم التوجه الاقليمي الذي يقتصر على منع زعزعة استقرار المنطقة والحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل. وفي الوقت نفسه يجدب ممارسة الضغط على حكومة الاسد ودعم المعارضة المعتدلة - حتى من الناحية العسكرية - وتقويتها". لقد استخلصنا الكثير من الدروس خلال الاعوام العشرة الماضية. فليس من السهل ان نقوم يتغيير موازنة القوى في اي منطقة بدون صيانة الاستقرار وانعدام الفاعلية اللازمة. يجب ان نتكهن بتبعات اجراءاتتنا المفاجئة ونستعد لمواجهتها. فان انهارت المؤسسات الحكومية السورية في ظل غياب جماعة قوية من المعارضة يمكنها استلام زمام الامور، فهذا يعني اننا مهدنا الاجواء لتعزيز دور الجماعات المتطرفة والاستفادة الواسعة من اسلحة الدمار الشامل. **فشل اميريكا في الازمة السورية اضر بمصداقيتها بشكل كبير ويعتقد كوردسمان ان جميع تحذيرات دمبسي تتسم باهمية كبيرة، ولكن من الصعب اخذها بنظر الاعتبار في اطار توجهات متعادلة مع الماهية الحقيقية للخيارات المتاحة امام اميركا، اضافة الى ان هناك نقطة مهمة اخرى وهي ان التركيز البحت على التكاليف والمخاطر بدون القيام بدراسة دقيقة لمنافع اميركا الاستراتيجية وعدم تقديم تعريف عن استراتيجية حكومية شاملة لتحقيق الاهداف الوطنية بالتنسيق مع حلفاء اميركا وشركائها - اي جميع ما قامت به اميركا لحد الان بشكل علني - هو خطر كبير جدا لانه قد يؤدي الى تحميل اميركا تكاليف ومخاطر عدم القيام بهذه الخطوة. وفي الحقيقة ان الفشل العلني لاميركا في مجال زعامة الاجراءات الضرورية بشان سوريا اضرت بشكل كبير بمصداقية امريكا في المنطقة وبين حلفائها. **نجاح التدخل العسكري الاميركي في سوريا بمعنى مجيء حكومة لا يمكن التنبؤ بها هذا البلد - المصالح الاستراتيجية الاميركية لا توجد اي خطوة يمكن ان تقوم بها اميركا حيال سوريا، وفي المقابل لا تتعرض بعض منافعها الى الخطر بسببها. فلا يوجد اي طريق لاحتواء الاحداث المستقبل او التكهن بزمان وكيفية تحقيق سوريا وسائر دول المنطقة للاستقرار السياسي. فأي نجاح عسكري يعني مجيء حكومة جديدة في سوريا الى سدة الحكم. وبطبيعة الحال لا يمكن التنبؤ بتركيبة هذه الحكومة بسبب المشاكل السياسية المتجذرة والنزاعات التاريخية في المنطقة. **التدخل العسكري الاميركي في سوريا يتعقد بوما بعد آخر تقدم ومكاسب قوات الاسد في استمرار متواصل. السعودية والامارات والاردن والان قطر تكشف عن رغبة عارمة بدعم المعارضة السورية، لكن الحقيقة التي لا تخفي على احد هي ان المتمردين يعانون من تشرذم وتشتت وادنى مستويات الاتحاد والتنسيق اللازم لكسب دعم الخارج. عملية نقل الاسلحة والامدادات والمساعدات المدنية بدات تصعب من جميع الحدود السورية باستثناء الاردن، ومهما تاخرت امريكا فان احتمالات تعزيز التشتت والانقسامات بين المتمردين ستزداد اكثر فاكثر والتدخل العسكري يصير اصعب اكثر فاكثر. يتبع..