يبدو أن هناك حلقة مفقودة تحول دون ترجمة "إرادة" تنفيذ الرؤى الحكيمة لأي قرارات تشريعية، وآلية تنفيذ كل ما يجب فعله للتصدي ومنع أي مظاهر سلبية للإساءة النفسية والمعنوية والجسدية للأبرياء الصغار، وبصفة خاصة ما يأخذ منها شكل التحرش أو الاعتداء الجسدي والجنسي. فإذا كانت الجهود الرسمية والحكومية والقوانين والتشريعات رادعة وتحظى بدعم واهتمام وغطاء إنساني غير مسبوق، والوالدان لا يترددان في عمل كل ما يحمي طفلهما من أي أذى، وإذا كانا لديهما الأساس المعرفي اللازم لهذه الحماية، إلى جانب تصاعد الوعي المجتمعي بأهمية تحقيق أفضل صور الحماية النفسية والجسدية للطفل، فما الذي يحول دون تحقق ذلك على أرض الواقع؟ فإذا كانت التدابير الإجرائية "الاحترازية" اللازمة لتلك الحماية متحققة، فما الذي يحول دون تحصن الطفل الصغير بمقومات هذه الحماية؟ خورشيد حرفوش (أبوظبي) إن الرؤية الاستراتيجية لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة "أم الإمارات"، تمثل قيمة كبرى تثري الجهود الإماراتية الخيرة في مشروعها الإنساني والحضاري الطموح المتمثل في حماية الأمومة والطفولة التي ترعاها، ومن ثم، فإن تحقيق الحماية اللازمة للأسرة أو المرأة أو الطفل لا تقتصر على وضع السياسات والبرامج لتخفيف الضرر أو الإساءة أو المخاطر فحسب، بل ننتظرها أن تكون أكثر شمولية، وأن تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع المتحضر في مناخ اجتماعي وصحي وإنساني آمن يعكس جوهر وأصالة ثقافة ومعدن أبناء هذا الوطن، لأن إعادة الاعتبار إلى دور الأسرة داخل المجتمع الإماراتي، من شأنها أن تحقق أهدافاً عديدة، في مقدمتها المحافظة على القيم الإماراتية الأصيلة التي تمثلها الأسرة، ودعم الترابط الأسري الذي يحقق الاستقرار للأسرة، وللمجتمع الإماراتي. حقيقة الأذى الأخصائية الاجتماعية مريم الفزاري، تسلط الضوء على حقيقة الأذى الذي يتعرض له الطفل، وتقول: "إن جوهر الأمر الذي بات أكثر خطورة يكمن في أن غالبية الدراسات الاستطلاعية والاستقصائية في كثير من البلدان، حتى المتقدمة منها، تكشف أن الآباء والأمهات أنفسهم لا يزالون غير مدركين لحقيقة الأذى والمخاطر التي يتعرض لها أطفالهم، فيغيب عن كثيرين أنّ ما يصادف الأبناء في سن الطفولة من كلام أو فعل مهما كان بسيطاً أو كان غير مقصود، وينطوي على الإساءة أو الاستغلال النفسي أو الجسدي، فإنه يسبب للطفل مشاكل عديدة تُهدم أركان شخصيته في المستقبل، فما يكتسبه الطفل من خبرات سلوكية مبكرة سارة أو أليمة، إيجابية أو سلبية، تتراكم لتشكل معالم شخصيته في المستقبل، هناك كثير من الآباء والأمهات من يفرطون في "حسن النية" في كل من يحيطون بأطفالهم من الأقارب أو السائقين والخدم، ولا يدركون أن ما بين"حسن النية" و"السذاجة" ما هي إلاّ "شعرة"، ويغفل البعض عن المسؤولية الشرعية التي يوجزها الحديث الشريف:" كلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته"، فالقريب الحنون والجار الطيب والصديق المخلص قد يكونون هم أنفسهم الوحوش الذين ينبغي أن نحذر أطفالنا منهم، ومغزى الخطورة هنا أن الحنان الزائد قد يكون قناعاً يخفي مآرب دنثة تستغل من قبل النفوس المريضة. وتضيف الفزاري: "علينا أن نتذكر أن التقارير الرسمية للمنظمة العالمية للأمومة والطفولة إلى أن 82% من الاعتداءات الجنسية على الأطفال تحدث في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل، وأن 77% من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا في موضع ثقة أسرة الطفل، من ثم بات أمر حماية الأطفال من كل أشكال الإساءة والعنف والاستغلال النفسي والجسدي، لا سيما "التحرش الجنسي والاغتصاب" في مقدمة القضايا التي تؤرق العالم بأسره، ما دفع بعض الدول لسن قوانين رادعة للمتحرشين بالأطفال، وأصبحت من أخطر القضايا الاجتماعية التي يتم التكتم عليها خشية الفضيحة العائلية أو العار الاجتماعي". وتكمل الفزاري: "إنها ظاهرة يجب عدم التعامل معها بسطحية أو بتجاهل للأسباب المجتمعية المتشابكة، لأنها تعكس تردياً على مستوى القيم الذاتية، وانعدام الوازع الديني لدى المتحرشين بالصغار، والجهل، وانعدام الرقابة الأسرية، وانتشار القيم السبية بين الأطفال الصغار، فضلاً عن غلبة قيم الخوف عند بعض الأسر من الإبلاغ عن الجاني، خوفاً من افتضاح الأمر، ولاعتبار أن ما حدث للطفل ما هو إلا جريمة بحقه وبحق أسرته والمجتمع، وأعتقد أن مسؤولية الأسرة في أن تمد الطفل. ... المزيد