قدّم يوسف وهبي أول فيلم ناطق للسينما المصرية آية خالد لقّب بعميد المسرح العربي، وهو الفنان القدير الذي أحب الفن فبذل له عمره وماله، أسس المسرح العربي، وقدم للسينما العربية أول فيلم ناطق، جذب الجماهير بقدراته العالية في التقمّص، وبأسلوبه المميز، وترك بصمته الخاصة في كل دور قام به سواء كان كوميديا أو دراميا، وعلّمت ضحكته وطريقته في الحديث وحتى صوته في رأس كل من شاهده على مدى أجيال. بداية الرحلة وُلد يوسف وهبي بمدينة الفيوم في يوليو 1898 لأسرة غنية وذات مركز وصيت اجتماعي، وكان والده عبد الله باشا وهبي مفتش الري بالفيوم، تعلم في كتاب العسيلي بالفيوم ثم انتقل لمدرسة السعيدية، ومدرسة الزراعة بعدها. شغف بالتمثيل منذ الصغر، وكان أول تعلقه به بعد مشاهدته لمسرحية "عطيل" بأداء فريق الممثل اللبناني سليم قرداحي، وعمل ك"مشخصاتي" في السيرك، وهو الأمر الذي أثار جنون والده ورفضه الشديد. هرب بعدها الفنان القدير إلى إيطاليا بصحبة صديقه محمد كريم، حيث تعلم التمثيل على يد الممثل الإيطالي كيانتوني أحد كبار ممثلي المسرح الإيطالي، وغيّر اسمه إلى رمسيس (وهو اسم الفرقة المسرحية التي أسسها فيما بعد)، ولم يعد إلى القاهرة إلا بعد وفاة والده عام 1921، وقد ورث عنه ميراثا كبيرا من أموال وأراضٍ وغيرها. ثم قام بتأسيس فرقة "رمسيس" المسرحية، والتي شارك فيها عدد من الفنانين منهم أمينة رزق، وحسين رياض، وأحمد علام، وفتوح نشاطي، ومختار عثمان، وعزيز عيد، وزينب صدقي، ونجحت الفرقة نجاحا كبيرا وخرّجت عددا كبيرا من النجوم، حتى أصبحت بمثابة معهد فني يُفخر به المتخرجون منها، وكان أول ما قدّمه للمسرح مسرحية "كرسي الاعتراف" التي نقلها فيما بعد إلى الشاشة الفضية. واهتمّ مسرحه في بدايته بتقديم الأعمال المشهورة لشكسبير وموليير وغيرهما، وقدّم العديد من روائع الأدب الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، ويزيد ما قدمه للمسرح على 320 مسرحية. ومن أشهر مسرحياته: "راسبوتين"، و"المائدة الخضراء"، و"بنات الشوارع"، و"أولاد الفقراء"، و"خليفة الصياد"، و"هارون الرشيد"، و"أصدقاء السوء". أزمة تجسيد النبي شنّت الصحافة المصرية في عام 1926 هجوما كبيرا على يوسف وهبي عندما علمت من مصادرها أنه يستعد لتجسيد شخصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من خلال فيلم تركي، وقد تسببت هذه الأخبار في جدل كبير، وهجوم عنيف عليه، حتى إن شيخ الأزهر حينها أرسل رسالة إلى وزير الداخلية يطلب منه أن يضع حدا لهذا الأمر، متهما وهبي بأنه يسيء للدين الإسلامي، ويضرّ بصورته لدى العالم، كما هدده الملك وقتها بحرمانه من الجنسية المصرية. قام وهبي بالرد وقتها بأنه متردد في القيام بهذا الدور، وإنه ينتظر النصيحة من علماء الدين وأولياء الأمر والعالِمين به، مؤكدا حسن نيته في القيام بالدور، وأنه يقوم به لأجل تعريف العالم الغربي بحقيقة نبينا السمحة ونيته دينية فقط، ثم ما لبث أن نشر بجريدة الأهرام بيانا يقول فيه: "بناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء واحترامًا لرأيهم السديد، أعلن أنني عدلت عن تمثيل الدور، وسأخطر الشركة بعزمي هذا". السينما العربية الناطقة من خلال شركة "رمسيس" التي أسسها وهبي بمشاركة صديقه محمد كريم، قام بتقديم أول أفلامه وهو فيلم "زينب" عام 1930، والذي كان من إنتاجه، ومن إخراج صديقه محمد كريم، قاما بعدها بإنتاج أول فيلم عربي ناطق في السينما العربية، وهو فيلم "أولاد الذوات"، وكان ذلك عام 1932، حيث قام هو بكتابة النص وببطولة الفيلم، بينما قام كريم بإخراجه. توالت بعدها إبداعاته السينمائية ما بين إخراج وتأليف وتمثيل، فمثّل ما يقارب من 60 فيلما، وقام بتأليف 40 نصّا، وأخرج ما لا يقل عن 40 فيلما، ومن أشهر أفلامه فيلم "غرام وانتقام" الذي منحه الملك لقب البكوية بعد أن شاهده، وأفلام: "عشاق الحياة"، و"غزل البنات"، و"ميرامار"، و"القاهرة 30"، و"إشاعة حب"، و"ليلى بنت المدارس"، و"ليلى بنت الريف"، و"اعترافات زوج"، وفيلم "إسكندرية ليه" الذي أخرجه الراحل يوسف شاهين، وقام فيه وهبي بدور اليهودي، وكانت المرة الأولى التي يجسّد فيها ممثل شخصية اليهودي بعد ثورة يوليو. مفارقات عميد المسرح اشتهر يوسف وهبي بخفة دمه وسرعة بديهته، وقد مر خلال حياته الثرية بالعديد من المواقف والنوادر التي حكاها عنه أهله والمقربون منه، فيحكى مثلا أنه كان شديد الخوف من الصراصير، وكان بيته ذاخرا بمبيدات الصراصير من كل الأنواع. كما تعرض للعديد من المواقف المحرجة والمفاجئة خلال عمله في المسرح والتي تعامل معها بحنكة وسرعة بديهة، ففي أحد المرات كان يقوم ببطولة إحدى مسرحياته، وكان يمثل دور فارس يريد أن يخلّص حبيبته التي خطفها الأعداء فوقف على خشبة المسرح وهو يصرخ: "أريد جوادا.. هيا أسرعوا لي بجواد لأنقذها من الأعداء"، فقام رجل من الجمهور وقال له ساخرا: "ألا يمكن أن نأتيك بحمار بدلا من الحصان ليحملك لمكان من خطفوا حبيبتك؟"، فقال له يوسف وهبي: "هل تظن أنك تستطيع حملي فوق ظهرك؟". ويحكى أنه في أحد المرات قام بدعوة عدد من الفنانين والأصدقاء على العشاء، وبعد جلوسهم للمائدة، وجد الفنانة أمينة رزق، وقد أطرقت ودفنت وجهها بين كفيها في حزن، فقال لها: "إيه ده يا أمينة.. أنتي قاعدة طبيعي كده ليه"، مازحا معها لما اشتهر عنها من أداء لأدوار الحزن والدراما! نهايته التي قرأها في كتاب حكى بعض المقربين من وهبي أنه في أحد الأيام كان يقرأ رواية تضمّنت مشهدا لرجل دخل الحمام، فانزلق وتهشّمت جمجمته، ثم ترك الكتاب، واتجه للاستعداد للخروج، فما أن دخل الحمام حتى انزلق وأصيب بكسر في الحوض، وفشلت محاولات علاجه في مصر، فسافر إلى لندن في 1962 لاستكمال رحلة العلاج، والتي استمرت لسنوات طويلة، عانى خلالها وهبي من الاكتئاب والإحباط الشديد، وانعزل عن الناس، واعتزل المسرح، وأصبح مقلا في العمل الفني الذي أفنى فيه حياته. وزاد من اكتئاب وهبي في أيامه الأخيرة أنه لم يكن هناك من يهتم بالسؤال عنه ولا بالاطمئنان على صحته، إلا قلة قليلة من زملاء الوسط الفني، منهم الفنانة أمينة رزق والفنان عمر الحريري، وزاد من اكتئابه أكثر وأكثر أنه نتيجة لتدهور حالته الصحية عدة مرات فإن الإعلام قد أعلن خبر وفاته أكثر من مرة بينما كان على قيد الحياة. ووافت المنية فناننا الكبير إثر إصابته بسكتة قلبية في مستشفى المقاولون عام 1982، عن عمر يناهز 84 عاما، ولم يكن حوله سوى زوجته وابنها. اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: