2013-06-17T11:09:59.0000000+03:00 أخر تحديث للصفحة في بقلم/ عباس الديلمي ما وضعت رأسي على الوسادة التي ألفتها لأريحه؛ إلاّ وكانت تعز هي الخلفية للأحلام الجميلة باسترجاع أيام الصبا وشرخ الشباب، وما أخذتني لحظات شرود إلى أحلام اليقظة الممتعة إلاّ وكانت تعز هي الأجنحة التي تُحلّق بي في العلو، وما كساني الندم على ما أصابنا من تراجع في جمال العلاقات الاجتماعية بين الناس، وبساطة الحياة، ومكارم التسامح، ومدنية وحضارة مشاركة المرأة في العمل والإنتاج وغير ذلك من ملامح المدنية؛ إلاّ وكانت تعز هي أنموذج الفردوس الذي فقدنا أفياء ظلاله وأنداء غيماته. تعز.. مدينة يمنية أو مدينة كل اليمانيين؛ منها صدحت أجمل الأصوات الإبداعية، وجاء رجعها من كل اليمن، وفيها تشكّلت أطياف العمل السياسي وملامح العمل الوطني وروحانية التصرّف، وتبلورت قيم القبول بالآخر. هذه المدينة، بأي ذنب قُتلت، وهل كانت غلطة يصحّحها اليوم المشدودون إلى مفاهيم أبي لهب وحمّالة الحطب، ونفاق ابن أُبَيْ ومن يعتريهم زار طبل القبيلة؟!. لماذا يُستباح كل شيء جميل ومحرم في هذه المدينة، مع سبق وإصرار من يقدم على إحالتها من واحة أمن واستقرار، إلى غابة صراع من أجل المصالح والأهداف المشبوهة المُشوهة الوسائل غير المبرّرة؟!. أنا واحد من الآلاف القائلين: آهٍ لو يشعر أولئك بأوجاعنا المتداعية لأوجاع تعز، فكل رصاصة تخرق سكينتها أحس أنها تخرق غرفة نومي وسكون مكتبتي، وكل قذيفة تحرق أمنها أحس أنها تحرق غرفة ابني فلذة كبدي، وكل عملية تقطع في شارع من شوارعها التي لم نحس بالأمن والطمأنينة إلاّ في أحضانها؛ أحس أن هناك من أحرق قصيدة لم أنشرها أو غنائية لم تصل بعد إلى مُلحّنها ومؤدّيها. لا تفجعونا يا أبناء تعز بأكثر ما فُجعنا به على هذه المدينة، فمن يسيىء إليها اليوم بتصرّفاته الجاحدة؛ هم من احتضنتهم تعز لتمحوا أميتهم وتوفر لهم فرص الكسب والعمل أو لتزرع في أرواح أبنائهم ضياء العلم ومكارم التهذيب بأخلاق الفضيلة، أو ممن قدّمتهم إلى المجتمع كأسماء لها بريقها في مجالات مختلفة. لماذا تعز؟!! قد يقول قائل إنها الأحداث والصراعات وسباق احتلال المواقع وما يصاحب تحول البلاد من حال إلى حال.. إلخ، ولكنا نقول كل هذا وأكثر منه لا يكفي لتفسير ما يحدث للمدينة التي كانت حالمة، فكل المدن أو عواصم المحافظات ليست بمنأى عمّا تشهده البلاد شأنها شأن محافظة ومدينة تعز - وإن تفاوتت النسب - وتدرّجت الأولويات لدى المتصارعين. ومع ذلك لم تشهد ما تشهده تعز من اقتتال واختلال وتقطعات وأحداث لا تسر صديقاً، كما نجد أن أبناء المحافظات والمدن الأخرى ليسوا بعيدين عما يعتمل في الساحة ولكنهم لم يفرطوا بأمن وسكينة مدنهم إلى ما نسمعه أو يأتينا من تعز. وإذا ما ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، واخترنا أكثر المحافظات سخونة كمحافظة صعدة التي شهدت ما شهدت من الحروب والدمار وصراعات ذات طابع ديني مذهبي وسياسي كما هو حال ما طرح حول معهد دمَّاج وتجمُّع مقبل الوادعي وفكر السيد حسين الحوثي وما حصل من انقسام ناتج عن التأييد لهذا الطرف أو ذاك، والاصطفاف معهما في الحروب الست وغيرها من الصدامات، وما أنتجه الواقع وحروبه التي اتسعت لأطراف إقليمية من ثارات ونزوح ومواجع شتّى ومشاكل لم تحل بعد؛ إلاّ أن أبناء صعدة لم يقحموا أمن وسكينة العاصمة التاريخية لمحافظتهم في الصراع أو الاختلافات التي كثيراً ما تطوّرت إلى خلافات رغم غياب الدولة عنها منذ الحرب الملكية الجمهورية عام 1962م حتى يومنا، فقد زرتها عند افتتاح إذاعة صعدة المحلية عام 2005م ولم أجد منشأة حكومية تلفت النظر غير مجمع السعيد التعليمي. أمثلة نوردها لنعيد التساؤل: لماذا تعز؟!! زهرة مُدننا وذات الفضل علينا جميعاً.. وكم هو مؤسف ألا نرى اليوم في تعز من بواعث الأمل والتفاؤل بالجديد ومظاهر المدينة سوى مؤسسة السعيد الثقافية وإن تعرضت لبعض الأعمال الهادفة إلى مسها بشيء من التشويه. خلاصة القول: علينا أن نعتذر لتعز أولاً، أن نكفّر عمّا لحق بها بالنأي بأمنها وسكينة أهلها، عن عوامل الصراع والتسابق، علينا أن نجمع على ذلك وإن بالعودة إلى الموروث الاجتماعي - مادام هناك من يدفع بها نحو القبيلة والبندقة - ونجعل منها مدينة مهجرة، أي منزهة عن أعمال العنف وأخذ الثارات والتقطعات.. حتى تتنفس برئتي العلم والمدنية. وعلينا أيضاً أن نعتذر لمحافظها الشاب من قِبَلَ بحمل أمانة مسؤولية شؤونها لا بحثاً عن وجاهة تنقصه أو طمعاً في ثروة يتوق إليها، نعتذر له عن عراقيل وضعت أمامه وما تعرّض له من مضايقات وصل الأمر ببعضها إلى درجه الإيذاء، وأن نتركه يعمل وينفذ ما تمليه عليه مسئوليته من قرارات وخطط وبرامج نحاسبه على نتائجها وثمارها، لا أن نحاسبه مسبقاً على ما يُراد منه عن طريق الإملاء بما يرضى هذا أو يسعى إليه ذاك الطرف؛ هذا إن أردنا التكفير عن خطيئة شوّهت واحدة من أجمل اللوحات التي تعكس جمال ما في اليمن من نفوس جميلة. [email protected]