عندما أعاد حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ، الاعتبار للمكون الإسلامي في الهوية التركية ، استطاع أن يفعل ذلك بمنتهى السهولة والسلاسة رغم المقاومة التي أبدتها الأحزاب والقوى السياسية الموالية للنهج الأتاتوركي الذي يتبنى أقصى نهج علماني أقرب إلى الفاشية . حزب العدالة والتنمية قدم وجهاً آخر للعلمانية مختلفاً عن الوجه الذي قدمه أتاتورك وتبنته الجمهورية عبر مختلف مراحل تاريخها القصير . لقد قدم حزب العدالة والتنمية وجهاً علمانياً متصالحاً مع الإسلام ، في نفس الوقت الذي قدم فيه وجهاً جديداً للإسلام السياسي المتصالح مع قيم العلمانية الغربية . العنصر الإسلامي هو أحد أبرز العناصر المكونة للهوية التركية وللشخصية القومية لتركيا ، لكن الأتراك وبعد الميراث الأتاتوركي الطويل ، أصبحوا متشبعين بقيم العلمانية ،وهذا يعني أن أية محاولة لاجتثاث العلمانية من تركيا ستقابل بمقاومة عنيفة يمكن أن تنقسم معها البلاد على نفسها . حزب العدالة والتنمية لم يكتف بتقديم نموذج جديد للإسلام السياسي فقط ، ولكنه طرح نفسه في أول سنوات حكمه كحارس لقيم الدولة المدنية ، واستطاع أن يضع حداً للفاشية العسكرية التي ترفع شعار العلمانية المتشددة ، وتمكن من ارتداء ثوب الحامي للحريات ، والقيّم على التعددية ، وعراب الرخاء الاقتصادي ، فكان أن أظهر الشعب التركي احترامه الكامل له ، بما في ذلك القطاعات التي لم تمنحه صوتها في الانتخابات . الصورة التي سوّق حزب العدالة والتنمية نفسه من خلالها ، تعرضت لخدش كبير بسبب تعامل الشرطة والأجهزة الأمنية مع جموع المحتجين بميدان تقسيم ، ومع المتعاطفين معهم أيضاً . ورغم التراجع الذي أظهره أردوغان مؤخراً ، فإن الشرخ وصل لمرحلة لم تعد محاولات الترميم معها ممكنة . المحتجون لم يعودوا يثقون بالحكومة ، والمحتجون ما زالوا يعتقدون بأن نزول أردوغان عند رغبتهم في تجميد العمل بالمشروع مثار الخلاف حتى يفصل القضاء في المسألة ، هو مجرد تراجع تكتيكي الهدف منه تطويق حركة الاحتجاج وتهدئة الشارع إلى حين . من ناحية أخرى ، فإن التراجع الذي أبدته الحكومة لم يكن كافياً في نظر المحتجين الذين ارتفع سقف مطالبهم من إيقاف العمل بتجريف منتزه غيزي خلال أول أيام الاحتجاجات ، إلى محاسبة قادة جهاز الشرطة المسؤولين عن قمع الاحتجاجات ، وما أدى إليه ذلك من مقتل خمسة مواطنين ، وجرح أكثر من خمسة آلاف آخرين . لقد أصبحت الحكومة التركية ونتيجة لإصرارها على الخيار الأمني في مواجهة الاحتجاجات الشبابية السلمية ، بين خيارين أحلاهما مر .. فإما أن تصر على موقفها في توفير الحماية لقادة الشرطة المتورطين في الأحداث والمسؤولين عن وقوع هذا العدد من الضحايا ، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ستؤدي إلى تنامي حركة الاحتجاجات .. وإما أن تنزل عند طلب المحتجين وتقوم بمحاسبة قادة الشرطة ، مما يعني اعترافها بمسؤوليتها المباشرة عن تداعيات الأحداث ، على اعتبار أن قادة الشرطة لم يفعلوا أكثر من تنفيذ أوامر رئيس الحكومة . المشهد التركي أصبح بالفعل بالغ التعقيد . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain