خبراء الإدارة يرون أن أجدى الحوارات نفعاً لفهم أية مؤسسة هو الذي يجري بعفوية في ممراتها وأمام أبواب مكاتبها.. دون الحاجة إلى الالتزام بالنماذج المعتمدة أو التراتبية الهيكلية. حوارات تمنح التفكير مساحات لا تمنحه إياها طقوس الاجتماعات الرسمية التي تُعنى بخلاصة النتائج والتوصيات أكثر من عنايتها بتفاصيل الظروف والمسببات. هذه التفاصيل هي التي يُفترض الرجوع إليها في رفع الفاعلية ومعالجة المشكلات. المؤسسات التي اعتاد مديروها تطويق الحوارات بالاجتماعات هي التي تشتكي باستمرار من موظفين يعلمون كل صغيرة وكبيرة عن أنظمة الإجازات ومستحقات التكاليف والتقاعد.. لكنهم يجهلون الكثير عن رؤية مؤسستهم واتجاه مسيرتها ومستجدات مشروعاتها.. وبلفظ أوجز هي مؤسسات متخمة بموظفين، برمجوا أنفسهم على الحد الأدنى من العطاء، والحد الأعلى من المطالب! تحت ذريعة ضغط المهام وضيق الوقت انحصرت مهام كثير من المؤسسات في نخبة من الموظفين؛ ما تسبب في حرمان الأغلبية الآخرين من فرص المشاركة لاستثمار الاستعدادات واكتساب المهارات.. وفي حصرهم بمهام نمطية سهلة قد يشعرون معها بالراحة، وينعمون بالدعة مؤقتاً، لكنها ستنتهي بهم حتماً إلى الانتحار الوظيفي بعد أن تتلاشى مهاراتهم، وتضمر استعداداتهم. في معنى الانتحار الوظيفي كتب المفكر الروسي "ليو تولستري" قصة رمزية عن حصانين يسيران بحمولة مسافرَين.. أحدهما يمشي باجتهاد ونشاط، والآخر ببطء وكسل؛ ما اضطر المسافرَين إلى نقل كامل الحمولة إلى ظهر الحصان المجتهد النشيط. إثر ذلك وجد الحصان البطيء الكسول الأمر سهلاً مريحاً فقال للحصان المجتهد النشيط: "اكدح واعرق.. وكلما زاد نشاطك زادت معاناتك". عندما وصل المسافران إلى الخان سأل صاحب الحصانين نفسه: لماذا أُنفق مالي على حصانين بينما يكفيني واحد منهما؟! الأفضل أن أشتري الطعام للحصان الذي ينقل حمولتي وأذبح الآخر لأحصل على جلده.