ترددت كثيراً في أن أكتب عن فقد أغلى الناس عندي؛ فمن أغلى من الأم؟!.. كل ذلك خوفاً من عدم القدرة على إعطائها حقها من الوفاء الذي تستحقه، ولن أستطيع أنا أو غيري الوفاء بحق الأم مهما اجتهدنا، فما نبوح به لا يمكن أن يعبر عما في قلوبنا. عندما أستعيد شريط ذكرياتي مع والدتي وحجم المعاناة التي كابدتها طوال حياتها وقبل وفاتها أشعر أنني كغيري لم نقدِّم لأمهاتنا شيئاً يكافئ ما عانينه طوال حياتهن في سبيل راحتنا وسعادتنا، فلقد كانت- رحمها الله – حتى وهي على مشارف الموت لا تفكر في نفسها، بل جُل تفكيرها منصبٌّ على من حولها من أبناء وبنات وأحفاد وأقارب، فهي ترى أن من حولها لا يزالون يحتاجون إلى رعايتها وحنانها، هكذا هي قلوب الأمهات قلوب كبيرة تتسع لكل الناس، وهكذا الأمهات يمتن وهن يحملن همَّ من حولهن. ولهذا فقد جاءت منزلة الأم أكبر وأعظم من منزلة الأب في الإسلام. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أبيك». وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما كنا جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: «نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما». فحق الأم مكفول في الإسلام وفي غيره. ويقول الأديب والكاتب الإنجليزي وليام شكسبير: ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم. أما الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لينكولن فقال عن أمه: إني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك، هكذا ينظر الابن إلى أمه وهكذا يجب أن ينظر، وقد علمنا الإسلام آداب بر الوالدين. اللهم يا رب كل شيء ومليكه، إني أسألك أن تغفر لوالدي ووالدتي وأن ترحمهما كما ربياني صغيراً، اللهم جازهما عنا خير الجزاء وأعظمه، واجعل قبريهما روضة من رياض الجنة، ولا تجعلهما حفرة من حفر النار، اللهم نقِّهما من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلهما بالماء والثلج والبرد، واكتبهما مع الصديقين والشهداء والصالحين، واسقهما من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبداً، اللهم ارزقنا برهما بعد أن قدرت علينا فراقهما بما يرضيك عنا يا رب. رسالة: إلى كل من شاركنا حزننا وواسانا في الفقيدة- رحمها الله- سواء حضورياً أو هاتفياً أو عبر وسائل الاتصال الأخرى، من أصحاب السمو والمعالي والمسؤولين والأقارب والزملاء والأصدقاء أقول: أسأل الله العظيم أن يجزيكم عنها وعنا خير الجزاء وأن يثيبكم على ذلك، كما أسأله سبحانه ألا يريكم مكروهاً في أنفسكم أو في عزيز لديكم.