في مقهانا المعتاد، وعلى نفس الطاولة، أشاح رفيق بيده وهو يقول: أفسدت التطورات موضوعنا الوحيد، قل لي الآن في ماذا سنتحدث؟ أجبته: في الموضوع ذاته الذي أفسدته التطورات.. نظر إليَّ بلومٍ وقال: لا مجال، هذه أجواء عراك لا يُقبل فيها كلام إلاّ إذا كان نداءً بالنصرة لطرف وإدانة للآخر.. علقت: يمكننا أن نخاطب من ليس بطرف في العراك، هؤلاء الأغلبية الساحقة، وأصحاب المصلحة في التغيير الذي حلمت به انتفاضة يناير، دون أن يعرفوا بالتحديد كيف يكون، وهم كتلة مجهولة وجودها غير محسوس، ليس لهم قنوات تلفزة ولا صحف، ولا أحد مهتم حقيقة أن يعرف عنهم شيئًا. لا تُخاطب متعارك، فهو لن يرغب في سماعك، يريدك فقط أن تنحاز إليه، وإلاّ صنّفك في خانة الخصوم.. لاحت على محيا رفيق ابتسامة أعرف مغزاها كمقدمة للمناكفة، ثم قال: لذلك أيّدت المؤسسة العسكرية صراحة في مقالك الماضي! أوضحت مُصحِّحًا: أيدت تولِّيها إدارة المرحلة الانتقالية، أي جهة عداها تتولاها لن تنجح. السبب الوحيد، لا أقول الرئيس إنما الوحيد للأزمة الحالية سوء تخطيط المرحلة الانتقالية، ما كان يتوجَّب أن تفعله المؤسسة العسكرية في فبراير 2011 ستفعله الآن. أخطاء السنتين الماضيتين راجعة للعجلة، وعدم الاستعداد، ولا يُلام عليها أحد، بما فيهم جماعة الإخوان، فهم لم يُقرِّروا وضع كل تلك السلطات في يد من تأتي به صناديق الاقتراع، وليس ذنبهم أنهم فازوا في كل الاقتراعات، فإذا مارسوا ما ترتَّب عليها اتّهمناهم بالاستحواذ، واستبعاد الآخرين! بتعبير آخر يا أخ رفيق، ترتيبات المرحلة الانتقالية تلك فوّضت الفائز بإدارتها، وما كان يجب أن تفوّضه، لأنه بذلك سيرسم مستقبلاً ويُؤسِّس واقعًا على مزاجه ومقاسه.. هز رفيق رأسه بدهشة وعلَّق: كأنّك تدّعي بأن من رتّب لها لم يتوقع نتائج الصناديق، بينما توقّعها كان أوضح من أن لا يتوقعه أحد.. أجبته: توقعها الجميع، لكن لعدم وجود إحصاءات أو استطلاعات رأي كانت التقديرات أقل ممّا أسفر الفرز عنه. أخمن مجرد تخمين، أن من وضعوا تلك الترتيبات توقّعوا فوز الإخوان بأغلبية ضئيلة في المجلس النيابي، وخسارتهم للانتخابات الرئاسية، فتتوازن السلطات بشكل ما! هذه ليست أمريكا عندما يفوز الجمهوريون بأغلبية في الكونجرس يُصوِّت الناس للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية. ذهنية الناخبين وتفضيلاتهم وثقافتهم السياسية لم يجر فحصها بدقة، ولا كان ثمة وقت لدراستها. تحفَّز رفيق لسؤال جديد وهو يعيد تموضع نظاراته أمام عينيه: خصوم الإخوان يقولون: إن إدارتهم السيئة طوال السنة الماضية ستفقدهم أصوات الناخبين فى الاقتراعات التالية، هل تظن أن ما حدث كافٍ حقّاً لتغيير الذهنية والثقافة؟ أجبت: لا يجب أن تهتم بالصندوق، ومن يأت به، بل إني استحسن مرحلة انتقالية بلا انتخابات، ها قد رأيت فعل الصناديق في نظام لم يستقر.. قال بانزعاج: أمرك عجيب، ها أنت تدعو إلى تهميش من اعتبرتهم أصحاب مصلحة في التغيير! رددتُ بسرعة من توقع الهجوم: لأنهم لا يعرفون كيفياته، هذا ليس ذنبهم، هم يظنون أن مهمتهم تفويض الكيفيات لمن يثقون فيه، وهي الغلطة (التي لا يسألون عنها) التى جعلتهم يأتون بالإخوان عند الاقتراع، غلطة الإخوان أكبر، عندما قبلوا التفويض في نظام لم تتحدد صورته وملامحه. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain