تساءل الباحث الإيراني في التاريخ المعاصر "علي أكبر نودهي" عن دواعي ارتكاب السعودية عام 1987 للجريمة البشعة في قتل حجاج بيت الله الحرام أثناء مراسم البراءة من المشركين وفيما إذا كان للولايات المتحدة يدٌ فيها؟ طهران (فارس) وأكد الباحث في مقال له أنه منذ انتصار الثورة بُنيت رؤية الجمهورية الإسلامية وعلاقاتها بالدول التي تشترك معها بالدين واللغة والسياسة على مبدأ توحيد الصف الإسلامي والوقوف بوجه معسكر الاستكبار العالمي. وإشارة إلى التقارب الإيراني-السعودي على عهد شاه إيران على خلفية انصياعهما لسيدتهما أميركا والنهج السعودي المحافظ قبل الثورة خشية الإضرار بمصادر النفط، ذكر الباحث: "بعد انتصار الثورة الإسلامية في شباط 1979 ووقوف إيران بوجه معسكر الاستكبار اصطفت دول المنطقة إلى جانب الدول الغربية لضرب إيران". ورغم أن الخلاف الإيراني-السعودي يرجع لزمان تسلم الوهابيين للحكم في السعودية يقول نودهي: "كشفت السعودية عن جميع أنيابها منذ الأيام الاولى لانتصار الثورة ولم يدع الوهابيون فرصة إلا واغتنموها للنيل من إيران فكانت مجزرة الحجاج سنة 1987 الأقذر في هذا المجال". وحول التفاصيل ذكر الباحث أنه أثناء توجه الحجاج إلى الحرم المكي لأداء فريضة المغرب بعد انتهائهم من مراسم البراءة من المشركين في 6 ذي الحجة 1407 (31/7/1987) هاجمتهم عناصر النظام بلا إنذار مسبق، وأضاف: "أراقت عناصر النظام الماء المغلي على رؤوس الحجاج ثم رشقتهم بالحجارة والقطع الحديدية من سطوح المباني لتقوم عناصر وهابية بضرب الحجاج بالهراوات وإطلاق النار عليهم لتنجم المجزرة (حسب الداخلية السعودية) عن 402 شهيدا و649 جريحا منهم 275 من الإيرانيين". وتذكيرا بقداسة مكة حتى عند عرب الجاهلية وحرمة إراقة الدم فيها وإلى احتضانها لبيت الله الحرام كرمز لوحدة المسلمين وكونها مهدا لانتشار الإسلام، أضاف: "لا يكشف ذلك أن الوهابية مجردة عن الإسلام فحسب، بل عن الإنسانية أيضا". وإذ بيّن أن العديد من الجرحى استشهدوا بعد الأحداث جراء تعرض قوات الأمن لسيارات الإسعاف الناقلة لهم والحيلولة دون إرسال الدواء إلى المستشفيات، قال الباحث: "الأسوأ هو أن بيان الداخلية السعودية الرسمي الصادر بعد يومين من الحادث اتهم الحجاج المشاركين بمراسم البراءة بالإخلال بأمن ونظم مراسم الحج وهجومهم نحو المسجد الحرام بالعصي والحجارة والسكاكين ما دعى عناصر الأمن للتدخل زاعما عدم حصول أي إطلاق للنار"! وفيما ذكر نودهي أن السعودية منعت إيفاد الجمهورية الإسلامية للجنة تحقيق وحالت لفترة دون تسليم الجرحى وأجساد الضحايا، أضاف: "إعلان المستشفيات والمراكز الصحية عشية الحادث بعدم استقبال المراجعين الإيرانيين يوم 6 ذي الحجة، وغلق المداخل الرئيسة للمبنى الكبير، واصطفاف عناصر الشرطة على أطراف الطريق حاملين الهراوات بعد أن كانوا ينتشرون بين الحجاج في الأعوام الماضية وغير ذلك كلها تشير إلى أن الحادثة كانت مدبّرة". وحول البصمات الأميركية في المجزرة أشار التحليل إلى أن الجنرال "اولريخ وغنر" (اليهودي من أصل ألماني ومؤسس وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية) كان يتولى يوم مجزرة مكة قيادة قوات الأمن السعودي! لافتا إلى أن "وغنر" لدى الهجوم الأميركي على صحراء طبس أوائل الثورة لإنقاذ الرهائن الأميركان كان قد دخل إيران كمراسل مع فريق صحفي، وثبت فيما بعد أنه يتجسس لصالح الولاياتالمتحدة في قضية الرهائن. وأضاف: "طبيعة العلاقات السعودية الأميركية والدعم الأميركي اللامحدود للوهابية ضد إيران يعزز احتمال أن مجزرة مكة عام 1987 لم تحصل دون تنسيق سعودي-أميركي". واستعراضا لمساعي الوهابية وآل سعود المختلفة لطمس فكر الإمام الراحل بقتل الشيعة وإيذائهم وتأسيس "القاعدة" ختم التحليل بالقول: "حاول آل سعود بهذه العملية تقديم الحجاج الإيرانيين كعناصر مثيرة للشغب لكن بيان الإمام الخميني وكشف تفاصيل الحادث لم يفشل المخطط السعودي فحسب بل دفع باقي المسلمين لإدانة العملية ما قوّض الفكر الوهابي أكثر فأكثر".