بعد صلاة عصر يوم من أيام رمضان المبارك ألقى أحد الوعَّاظ علينا موعظة عن (التقوى).. الجديد في الموعظة أنها لم تقتصر على تعريف التقوى والطرائق الموصلة إليها فقط؛ فالواعظ اختط خطًّا جديدًا حينما بين عواقب التقوى في خط سير زمني مبتدئًا بالحياة الدنيا ثم عرصات يوم القيامة منتهيًا بجنات عدن، مستشهدًا في كل موقف بالقرآن الكريم.. انتهت الموعظة وبقي (خطها الزمني) عالقًا بذهني، في الوقت نفسه نسيتُ أكثر الآيات، التي استشهد بها الواعظ؛ لذا لجأتُ ل(معجم كلمات القرآن الكريم) لمؤلفَيْهِ (محمد سالم ومحمد سليمان) الصادر عن دار الفكر بدمشق (ط1-1418ه) وبحثت عن مفردة (التقوى) في صور متعددة مثل (التقوى، تتقون، يتقون، اتقُوا، اتقَوا، الأتقى، المتقون) وأسقطتها على المراحل الزمنية للحياة والموت والنشور والصراط والجنة، فخرجتُ –في محاولة لإعادة خارطة الواعظ- بهذه الخارطة للتقوى مقسمة على أربع مراحل هي: (الحياة الدنيا- القبر- يوم المحشر بما فيه الصراط- الجنة). ونبدأ أولاً بالحياة الدنيا حيث نجد عدة آيات تُبيّن عواقب التقوى على حياة المتقِين. ومن هذه الآيات قوله تعالى: "واعلمُوا أن الله مع المتقين" (البقرة-194) وقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنُوا واتقَوا لفتحنا عليهم بركات من السماء" (الأعراف-96) وقوله تعالى: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا" (آل عمران-120) وقوله تعالى: "واتقُوا الله لعلكم تفلحون" (البقرة-189) وقوله تعالى: "واتقُوا الله ويعلمكم الله" (البقرة-282). هذه بعض ثمرات التقوى على حياة المتقين في الحياة الدنيا ممثلة في (معيَّة الله والرزق والحفظ والفلاح والعلم). ثم ننتقل لمرحلة القبر لنجد التقوى حاضرة في قوله تعالى: "ألا إنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون* لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.." (يونس-62، 63، 64). عليه فالتقوى تغدو سببًا في عدم خوف الميت مما ينتظره في قبره ويوم حشره، وسبب في بشارته وعدم حزنه على أهله وذريته الذين فارقهم إلى عالم البرزخ. ثم ننتقل لعرصات يوم القيامة حيث تتجلى فضائل التقوى، التي عمل بها المؤمن في حياته الدنيا، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: "إن المتقين في مقام أمين" (الدخان-51) وقوله تعالى: "الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوٌّ إلا المتقين" (الزخرف-67). وعندما نصل لمرحلة الصراط نجد فضائل التقوى حاضرة في قوله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقَوا ونذر الظالمين فيها جثيًّا" (مريم-72) وقوله تعالى: "وأنجينا الذين آمنوا وكانُوا يتقون" (النمل-53). وعندما تصبح الجنة والنار رأي عين نجد التقوى حاضرة في قوله تعالى عن النار: "وسَيُجَنَّبُها الأتقى" (الليل-17). ثم تحضر التقوى في آخر المشهد لتزف المتقين- بفضل الله- إلى الجنة فيقول تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" (مريم-85) ويقول تعالى: "وسيق الذين اتقَوا ربهم إلى الجنة زُمُرا" (الزمر-73). أما في الجنة فنرى فضائل التقوى متحققة للمتقين في قوله تعالى: "إن المتقين في جنات وعيون" (الذاريات-15) وقوله تعالى: "لكنِ الذين اتقَوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار" (الزمر-20). ويبين الله علو منزلة المتقين في الجنة على غيرهم بقوله: "والذين اتقَوا فوقهم يوم القيامة" (البقرة-212). ويُختتم المشهد بالإعلان الإلهي عن سبب استحقاق هؤلاء لجنات عدن بقوله تعالى: "تلك عقبى الذين اتقَوا وعقبى الكافرين النار" (الرعد-35). وبعد.. أرأيتم كيف أن التقوى سببُ فلاحِ المؤمن منذ أن دبَّ على الأرض حتى ترقيِّه في منازل الجنة؟ ومع هذا فتحقيق التقوى كما يقول ابن تيمية لا يتطلب إلا "فعل المأمور وترك المحظور" فهل امتثلنا؟.. وكل عام وأنتم من المتقين. وقفة: سرني تعيين رئاسة شؤون الحرمين لثلاثة مؤذنين جُدد للحرم المكي، وهذا ما سبق أن طالبتُ به في مقال عنوانه: "مؤذنو الحرمين والصوت النَّدي". [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain