كانت المرأة ولعهد قريب مشاركة في مختلف شؤون الحياة. ففي البادية كان لها دور فاعل لا غنى عنه في أعمال كثيرة، كرعي الأغنام و سقيها من الآبار والينابيع،وصناعة بيوت الشعر وخياطة الملابس، وإن لزم الأمر هي تذهب للأسواق للبيع والشراء. أما في الحاضرة فكانت تعمل في الزراعة، إضافة لامتهان العديد من الحرف اليدوية، وأيضا كنت المرأة تبيع ما تصنعه في الأسواق وأماكن تجمعات الناس. هكذا كانت سنداً وعوناً لأسرتها وكان لها حضور في ساحة العمل يفوق حضور الرجل في بعض المناطق. ومع أن طبيعة عملها في كثير من الأحيان تتطلب اختلاطها بالرجال والتخاطب معهم إلا أن الحياة آنذاك تسير بطريقة طبيعية بعيدا عن سوء الظنون ونظرةالريبة والشك، ولم يحدث ما يعكر صفو ذلك الزمان الجميل. لقد كان ذلك الجيل من الرجال يعتبر المرأة شريكة حقيقية تؤدي ما يناسبها من أدوار إلى جانبه؛ إذ لم يتسلل إلى أذهانهم ما يوجب إقصاءها، وتقييد خطواتها وحجزها في زاوية ضيقة تجعهاأسيرة؛ لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان. تلك الحال التي كانت عليها المرأة تبدلت حتى باتت مصدر خوف وقلق وشغل شاغل لبعض من يرون أن النساء يشكلن خطرا على أخلاق المجتمع ويجعلن أفراده يقعون في المحظور؛ ولهذا يدعون لإبعاد المرأة عن الحياة العامة لتكون النشاطات الحياتية حكرا على الرجال حفاظا على سلامتهم من فتنة حواء كما يزعمون. والمؤسف أنهم يربطون ما يدعون إليه بالدين ليكسبوا آراءهم وتوجهاتهم صبغة دينية تمرر قناعاتهم بسهولة لعامة الناس البسطاء. والحقيقة أن هاجس الخوف من المرأة والسعي الحثيث لمنعها من ممارسة أي نشاط خارج بيتها طرأ قبل بضعة عقود خلت حتى أن هناك من نادى بعدم السماح لها بالذهاب لدور العلم، وهذه ثقافة ما فتئت تعشش في عقول ثلة ممن يدعون الوصاية على المجتمع، وما رافق قرار تأنيث المحلات النسائية خير برهان على ما نقول؛ ذلك أن الأمر وصل إلى أن أحدهم حرض الرجال على التحرش بفتيات الوطن اللاتي خرجن بإرادتهن للبحث عن الرزق الحلال. والمعادلة الغريبة هنا أنه لا مانع من أن يبيع الرجل على المرأة ويتناقش معها بينما بيع المرأة على المرأة شكل معضلة. لست أدري لأي سبب يتم إشغال المجتمع بالمرأة حتى بات الرجل يرتبك ويتلون وجهه لو مرت بالقرب منه في مكان عام كالأسواق والدوائر الحكومية مثلا. لماذا لا يعود المجتمع سيرته الأولى؟ فالرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة منذ أن خلق الله آدم وحواء. ثم لماذا جيراننا الذين نشترك معهم في الدين والثقافة والجغرافيا والعرق لم يدخلوا في صدام غير منتهٍ مع الشقيقة حواء؟ والأهم أن فساد الأخلاق والانحلال الذياتخذه بعض المتشددين شماعة يعلق عليها كل رأي يخص المرأة لم يحدث في تلك البلاد بل ظل المجتمع محافظا على قيمه وأخلاقه وتعاليم دينه. م. عايض الميلبي-ينبع