"خطوة إيجابية ومهمة، يعطي أملاً بمصالحة وطنية شاملة، مدخل سليم للولوج إلى المصالحة الوطنية التي تؤسس لليمن الجديد" بهذه الكلمات اختصر سياسيون وإعلاميون الاعتذار الحكومي الذي وجهته الحكومة الثلاثاء الماضي إلى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وأبناء محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها، وذلك عملاً بما جاء في توصيات النقاط العشرين التي أقرتها اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني، والنقاط الإحدى عشر التي أقرها فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار. ثقافة التسامح في هذا الصدد أشاد وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى حسن شرف الدين بالقرار وأعرب عن أمله أن يتلقى الأخوة "المتضررين قرار الاعتذار برحابة وأن يخلق لديهم الأمل في أننا كيمنيين سنستطيع وبفضل الله وكرمه التعافي مما نعانيه". وقال: "أعرف ان إرضاء الناس غاية لا تدرك ولهذا فسيحظى هذا الاعتذار بقبول البعض ورفض البعض الآخر لكنني أدعو الجميع إلى التعامل معه بإيجابية فهو بداية لإرساء ثقافة الاعتذار والتسامح الذي يحثنا عليها ديننا الحنيف". وأضاف: "الاعتذار يعتبر خطوة هامة ستليها بإذن الله تعالى خطوات عملية لتنفيذ ما ورد في النقاط ال31 بما يساعد في جبر الأضرار ولئم الجراح، والعمل بمخرجات المؤتمر الوطني للحوار التي باتت قاب قوسين أو أدنى". خطوة إيجابية من جهته، قال نقيب الصحفيين اليمنيين السابق الكاتب والمحلل السياسي عبدالباري طاهر إن "الاعتذار خطوة إيجابية ومهمة رغم أنه كان ينبغي على الأطراف التي خاضت الحرب أن تكون هي المعتذرة لأنه يعني مصداقيتها؛ لأن الحكومة غير معنية بالاعتذار؛ لأنها لم تتخذ قرار الحرب". وأضاف: "بالنسبة لقضية الضمانات، فالضمانات الحقيقية لعدم تكرار الحروب واستفحال الإرهاب يتجلى في الاتجاه لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة يتشارك فيها جميع القوى، وكذا بتغيير الخطاب الإعلامي وخطاب المسجد، والمنهاج التعليمي، وإيجاد نظام ديمقراطي لا تحتكر السلطة والمال والقوة فيه طرف واحد سواء كان القبيلة أو الجيش أو غيره. وشدد على أن "الأهم من ذلك تنفيذ البنود العشرين وهي الضمانات التي يطمئن إليها الكل سواء كان المواطن او المستثمر أو الصديق او الشقيق". مدخل سليم إلى ذلك أكد السفير مروان نعمان أن الاعتذار الرسمي "للجنوب من قبل الأطراف التي شاركت في حرب صيف 1994م ولأبناء صعدة وحرف سفيان والمناطق المتضررة الأخرى من قبل الأطراف المشاركة في تلك الحروب" هو المقدمة الصحيحة والمدخل السليم للولوج إلى المصالحة الوطنية التي تؤسس لليمن الجديد .. وهو الإدانة لتاريخ طويل من الصراعات السياسية العبثية.. ليس منذ 1962 .. بل إلى بدايات تكوين اليمن الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الأولى .. صراعات كان محورها الاستئثار .. والإقصاء .. وإنكار المواطنة المتساوية". وأشار إلى أن الحكمة تكمن في أن "حكومة الوفاق الوطني نيابة عن السلطات السابقة وكل الأطراف والقوى السياسية التي أشعلت حرب صيف 1994م وحروب صعده أو شاركت فيها تعلن اعتذارها لأبناء المحافظات الجنوبية وأبناء صعده وحرف سفيان والمناطق المتضررة الأخرى" .. والاعتذار ليس فقط لكل المواطنين "ممن كانوا ضحية تلك الحروب" وإنما هو كذلك .."لكافة ضحايا الصراعات السياسية السابقة" .. منذ 1918 إليوم، مروراً بكل المحطات السيئة الصيت في تاريخ الشعب اليمني .. اختبار مصداقية إلى ذلك، قال مراسل مجلة دبي الثقافية الصحفي والكاتب أحمد الأغبري: "اعتذار الحكومات لشعوبها خطوة جسورة باتجاه طي مرحلة ساد فيها ظلم شديد نتيجة الاستبداد بالحكم والثروة ،وبداية حقيقية نحو مرحلة جديدة يسودها التسامح والمشاركة". وأضاف: "الاعتراف يطمئن الاخر بأنك جاد في التعامل مع مشكلته، وبالتالي سينطلق معك في ركب البحث عن حل يتجاوز ما تسبب في مظلومية الوضع السابق". ونوه إلى أن الاعتذار "سيضع الحكومة على محك اختبار مصداقيتها...لان المشكلة برمتها ناتجة عن فقدان ثقة، والاعتذار يهدف الى استعادة الثقة وهو أمر يحتاج الى مصداقية في البرامج والسياسات وفي مقدمتها الخطاب في تعامله مع المظلومية تحت عنوان الحقوق واعادة الحقوق وكل ما تم نهبه وسرقته والتصرف به دون وجه حق وهو ما يستدعي ان يتجه الجميع بالاعتذار الى هذا الشعب". وقال: "الاعتذار هو البداية الصحيحة والفرصة الاخيرة ولا أتفق كثيرا مع من يقرأه بحمولة زائدة من المخاوف.. لكننا نفهم جيدا ونؤكد ان الاعتذار هو التزامات جدية بتصحيح المسار واعادة الاعتبار للوطن وبداية لمواجهة الفقر والفساد والاستبداد باعادة الاعتبار لحقوق الشعب من الفقراء والمطحونين على حساب ثراء قلة قليلة لا امكانات لها سوى اعتقادها انها الاجدر بحكم البلاد والاستئثار بثروات العباد....هذه القوى في الشمال والجنوب من اليمن الواحد هي التي ننتظر منها ترجمة الاعتذار بلغة يفهما الجميع". أمل بالمصالحة من جانبه قال رئيس تحرير موقع "المشهد اليمني" عبدالرحمن البيل: "لا يعيب حكومة الوفاق اعتذارها عن أخطاء وقعت من الحكومات اليمنية السابقة في حق أبناء الشعب اليمني .. ولا يعاب عليها ان كان الاعتذار يعيد الى النفوس رضاها ويعطي أملا بمصالحة وطنية شاملة تعيد الأمل ببناء دولة جديدة خالية من الضغائن والأحقاد والذكريات السيئة عن حقب متعددة وأخطاء تجاوزت حق المواطنة والمواطنين". وأضاف: "الاعتذار كغاية مهم لكن الأهم منه هو ان تعمل الحكومة والنظام على وقف أسباب الاعتذار واستمرارها وان تعمل جاهدة على احترام الشعب وممتلكاته وكرامته وان تحمي وطنه بعدم السماح لايا كان بالمساس به والتعدي على أبنائه". خطوة متقدمة نائب مدير عام الأخبار بوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حسن الوريث من جهته أوضح أن "الاعتذار من الحكومة لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وأبناء محافظة صعدة تمثل خطوة متقدمة في سبيل استكمال المصالحة الوطنية وتعزيز فرص نجاح مؤتمر الحوار الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية وستفتح صفحة جديدة في مسيرة اليمن الجديد. وعبر عن أمله أن "يترافق الاعتذار مع خطوات حقيقية من قبل الحكومة لإزالة آثار تلك الحروب التي سببت شرخاً عميقاً في صفوف ابناء الوطن الواحد"، لافتاً إلى أن "المعالجات تتطلب تضافر جهود الجميع والتنازل من مختلف الأطراف من أجل المصلحة العليا للوطن والسير بثقة لطي صفحة الماضي وبناء الدولة اليمنية الحديثة على أساس المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان ومساواة الجميع أمام القانون وعدم الإقصاء لأي طرف أو مكون من مكونات الشعب". وأشار الوريث إلى أن "مؤتمر الحوار يمثل فرصة كبيرة ونادرة لليمنيين للخروج باليمن إلى مستقبل أكثر أماناً وكونه يشكل النافذة الأكبر لأمل اليمنيين كافة في بناء مستقبلهم ويمنهم الجديد والتخلص من ترسبات الماضي".