لا يكاد مجتمع يخلو من الشائعات التي تعتبر من الظواهر السلبية، وأحد الأمراض الاجتماعية التي يجب العمل على الحد منها ومحاصرتها، خاصة أنها تلحق في كثير من الأحيان أضرارًا بالأفراد المستهدفين أو بالمجتمع على نحو عام، وأنها باتت تجد في وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت نوافذ للانتشار. وتحذر مديرة مكتب الإشراف النسائي بمنطقة مكةالمكرمة سابقًا والمستشارة الاجتماعية نورة بنت عبدالعزيز آل الشيخ من أن الشائعة أخذت تستفحل بين فئات المجتمع وشرائحه المختلفة، وعدتها من الظواهر الاجتماعية السلبية في ظل تهديدها لبنية أي مجتمع وتماسكه وأمنه، مشيرة إلى أن التقدم، الذي طرأ في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال ووسائل الإعلام يتيح اختلاق أو فبركة الأخبار والأحداث والمواقف المتعلقة بأشخاص أو مجتمعات أو مؤسسات تحظى باهتمام الرأي العام وتقديمها للناس على أنها حقائق واقعة دون تقديم دلائل أو براهين تثبت صحتها أو تؤكد مصداقيتها. استغلال التكنولوجيا وتشير آل الشيخ في دراسة اجتماعية إلى أن غياب الشفافية يساعد كثيرًا على تفشي الشائعات في المجتمع، إضافة إلى اعتماد كثير من الناس على أخبار الإنترنت، وهي مصدر غير موثوق في كثير من الأحيان، وكذلك الاعتماد على رسائل الجوال، حيث يعلم الجميع أن كثيرًا من الأشخاص يكتبون في الإنترنت بأسماء مستعارة ويبثون أخبارًا غير دقيقة وربما كاذبة وذلك كبالون اختبار للضغط على بعض الجهات، ولكن حالما يتم نفي الخبر يتأكد للناس أن ما سمعوه لم يكن سوى شائعة. وتوضح أن للإسلام منهجًا في تماسك المجتمعات وتأسيسها على الصدق والحقيقة والتثبت وقطع دابر المشائين بالنميمة والحريصين على تشويه سمعة الناس وإثارة الفتن والقلاقل. أصحاب الأغراض وتقول: الحقد والرغبة في الإساءة عوامل تحرك أصحاب الغرض لإطلاق الشائعات والأقاويل بهدف إثارة البلبلة واستخدام الوسائل الإعلامية الحديثة من فضائيات ومواقع إنترنت وإعلام جديد كالفيس بوك والتويتر وأجهزة البلاك بيري الواسعة الانتشار خاصة بين أبنائنا وبناتنا من فئة الشباب والمراهقين لنشر الشائعة وترويجها وخلق رأي عام في قضايا بعينها مستغلين جهل بعضهم وقلة درايتهم وثقافتهم فينشرونها ويصدقونها دون تثبت ودون الأخذ بمبدأ التبين والتأكد من المعلومة وأخذها من مصادرها الرسمية الموثوق بها، وهذا أمر جلل يمكّن أصحاب الأغراض من الإساءة للوطن وترويج الأكاذيب، التي تؤثّر في الرأي العام بشكل كبير وعميق. وتشدد المستشارة الاجتماعية في دراستها على أن هذا الأمر يتطلب جدية وحزمًا وتخطيطًا منظمًا ومعالجة واعية لمواجهته، وتشترك في ذلك المدرسة وأنشطتها والمعلم وما يقدمه من حصص خلال اليوم الدراسي وخطيب الجامع وإمام المسجد والداعية والعالم والمفكر والكاتب والباحث كل في مجاله، كما أن للإعلاميين أثرًا بالغًا في هذا الأمر مؤكدة أن عليهم التثبت قبل النشر وأخذ المعلومة من المتحدث الرسمي المفترض وجوده في كل جهة حكومية وعدم الاستعجال والحرص على الدقة والحقيقة دون مبالغة أو إثارة أو وضع عناوين لافتة غير دقيقة، كما أن على الجهات المعنية بالحدث سرعة التجاوب وإيضاح الحقيقة للمتلقي. مواجهة حازمة وتبين أن الشائعة مرض خطير يتطلب الوقوف ضده بحزم ووضوح في الفكر والرأي، مشيرة إلى أن بداية الحرب على الشائعة تجاهلها وعدم ترويجها وبثها، بل رفضها والاعتماد على المصادر الرسمية فقط، وشددت على التصدي لهذه الآفة الاجتماعية الخطيرة ومواجهتها بشتى الوسائل والطرق بهدف تحقيق مناعة وطنية لتفويت الفرصة على المغرضين في إيجاد أي ثغرة في جدار المجتمع يمكن أن ينفذوا منها وتحصين الرأي العام من خطر الشائعة . وتضيف أن الضرورة تقتضي ترسيخ مفاهيم الانتماء والغيرة الوطنية لدى أبناء المجتمع الواحد وتعميقها وتضمينها المناهج التعليمية والممارسات الوظيفية لتنمية الحس الأمني عند المواطن ضد هذا الخطر من خلال التنشئة والتربية الوطنية وغرس الولاء في نفوس الناشئة وبالتالي تنمو في كل منهم الرغبة في أن يكون مواطنًا صالحًا، وتشير إلى أن الأمن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالممارسات التربوية فبقدر ما تغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاستقرار. دور النظام التربوي وتؤكد أن النظام التربوي له وظيفة هامة وحيوية في إيجاد حالة من التجانس في المجتمع من خلال ما يقوم به من نقل معايير وقيم مجتمعية من جيل إلى آخر ومن خلال العملية التربوية فإن أفراد المجتمع يتشربون القيم الاجتماعية الإيجابية، التي تغرس في نفوسهم قيم الانتماء ومشاعر الوحدة، التي تخلق التماثل الاجتماعي الضروري للمحافظة على بقاء الأمن والاستقرار في المجتمع، فالتربية قوة ضابطة لسلوكيات الأفراد إذ يتخذها المجتمع أداة لضمان استمراره والحفاظ على مقوماته الثقافية وتحقيق تكيف الفرد مع بيئته الاجتماعية. كما أشارت الدراسة إلى أهمية التربية الأمنية، التي تسعى إلى تعليم وتعلم المفاهيم الأمنية والخبرات اللازمة للمواطنين لتحقيق الأمن الوطني وحماية الموارد الطبيعية مع التأكيد على أهمية أن يتضمن المحتوى التربوي ما يرفع من منسوب الحس الأمني لدى الفرد ويعزز الانتماء إلى الوطن.. كما يجب أن ينطوي هذا المحتوى على إشارة إلى أهمية تعاون جميع شرائح المجتمع مع رجال الأمن على اختلاف مستوياتهم والإبلاغ عما يثير الشك والريبة من شائعات وغيرها للإسهام في حفظ الاستقرار.