في حديثه عن تجربة النهضة الماليزية قال رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد: "قمنا بمحاربة الرشوة ووجودها في الحكومة؛ ما قللها عما كانت عليه سابقاً؛ إذ سننا قانوناً ونظاماً يعاقب المرتشي بكل حزم؛ ما قللها بشكل كبير، أو نستطيع أن نقول قضى على الرشوة تماماً". ورغم فظاعة جرم الرشوة، حتى استحق صاحبها لعنة الله تعالى؛ لما لها من دور في تفشي الفساد وتعطيل مصالح الأفراد والمجتمعات، إلا أن هناك ما لا يقل عنها خطورة وفساداً؛ وتجب محاربته بكل الوسائل الممكنة، ألا وهو البطالة المقنعة، التي غدت ظاهرة في كثير من الوزارات والإدارات الحكومية، بل امتدت لتطول بعض المؤسسات والشركات. إن الرشوة جرم كبير، وفساد مستطير، تتم في الخفاء كخفافيش الظلام، وتعيش وتموت في الظلام، وهي عمل ممجوج، وصاحبه منبوذ ومحتقر؛ ولذلك تجدها تدب لدى أصحاب النفوس الضعيفة والنوايا السقيمة، ولا يجرؤ أصحابها على المجاهرة بها. وعلى العكس تماماً تظهر البطالة المقنعة، التي يجاهر بها أصحابها، ويعدونها ضرباً من الذكاء أو التذاكي على النظام وعلى المسؤول؛ وتتعطل بسببها مصالح العباد والبلاد. وهذا الأمر - مع شديد الأسف - لا تكاد تجد وزارة أو إدارة من الإدارات إلا وهي تئن منه، ومن أصحاب هذه العقليات الذين لا يقل جرمهم عن جرم متعاطي الرشوة؛ ذلك أن صاحب هذا التفكير العقيم يتقاضى أجره كاملاً لعمل لم يؤده كما ينبغي، وأحياناً لا يقوم به أصلاً، هذا خلاف شغله وظيفة ينتظرها غيره ممن يتطلع لخدمة وطنه وأمته، علاوة على أن مثل هذا التصرف يهدر الوقت والمال، ويؤخر إنجاز المهام، وكل ذلك يؤثر في نهضة وتقدم المجتمع الذي هو في النهاية حصاد أعمالنا واجتهادنا. إنني أعتقد أن أصحاب هذه العقليات يجب أن يؤهلوا بالتدريب، وأن يدركوا أنهم مؤتمنون على ما تحت أيديهم من أعمال، ومحاسبون عليها، فمن أخذ الأجرة حاسبه الله بالعمل.. ليجد هؤلاء من يثقفهم ببرامج نوعية متخصصة، وليدركوا حقوق وواجبات الوظيفة لأداء ما ائتُمنوا عليه، أو ليؤخذ على أيديهم حسب الأنظمة المتبعة في كل حقل عملي. د. عبدالله بن خميس العُمري