من كيماوي الأسد إلى نووي طهران يتحرك قطار الدبلوماسية مستلهمًا أجواء توافق روسي-أميركي بشأن سورية، وبينما مازالت الشكوك تحدق باتفاق لتسليم كماوي الأسد للمجتمع الدولي توطئة للتخلص منه، يبدو وكأن طهران التي سارعت للترحيب بالمبادرة الروسية، تريد أن تشملها دبلوماسية الكرملين بعين الرعاية. رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي قال أمس (الأربعاء): إن العالم سيشهد خلال الأشهر المقبلة انفراجًا في القضيه النووية، وقال صالحي في ختام اجتماع مجلس الوزراء للصحفيين: «أعلنا قبل الانتخابات الرئاسية وبكل ثقة أن الشعب سيسمع أخبارًا مفرحة في العام الإيراني الجاري»، وأضاف: «نحن سنشهد في الأشهر القليلة المقبلة انفراجًا في الملف النووي». ونفى صالحي المزاعم التي تتحدث عن اقتراح إيران إغلاق موقع «فردو» النووي الواقع في محافظة قم جنوب العاصمة طهران. وقال رئيس الطاقة النووية الإيرانية في ختام اجتماع الحكومة وفي الرد على سؤال حول مزاعم اوردتها بعض المصادر الغربية حول مقترح إغلاق موقع «فردو» من جانب إيران: إن نبأ إغلاق موقع «فردو» محض كذب. وأضاف: سنشهد هذا العام انفراجة في القضية النووية. وكان المرشد الإيراني علي خامنئي قد منح ولأول مرة الضوء الأخضر للرئيس روحاني لإجراء حوار مع أميركا وأوروبا لتسوية الأزمة النووية والعقوبات الدولية في إطار ما بات يعرف في إيران باسم (الليونة البطولية) وهي السياسة التي يقول محللون في طهرانل»المدينة»: إن إيران استخدمتها سابقًا وأدت -حسب زعمهم- إلى إسقاط النظام العراقي وحركة طالبان في كابل بعد التحاور مع أميركا. وقال خامنئي لقادة الحرس أمس: إن الساحة الدبلوماسية هي ساحة إطلاق الابتسامات وطلب المحادثات وإجراء المفاوضات إلا أن جميع هذه السلوكيات يجب إدراكها وفهمها في إطار التحدي الرئيسي. وأعلن خامنئي بأنه يؤيد الموافقة علي التحركات الصحيحة والمنطقية في السياسات الخارجية والداخلية وأضاف، أنني مؤيد لمنهج وصفته قبل أعوام طويلة ب»الليونة البطولية» ذلك لأن هذا المنهج يكون جيد جدا وضروريًا في بعض الأحيان. واعتبر خامنئي معرفة ماهية الطرف الآخر والإدراك الصحيح لأهدافه، شرطًا رئيسيًا لاستخدام تكتيك الليونة البطولية، وأضاف أن المصارع الفني يبدي الليونة أحيانا لسبب فني إلا أنه لا ينسى من هو خصمه وما هو هدفه الأساس. وكان الخبير الإيراني محمد قاسمي قد أكد ل»المدينة» أن طهران قد وافقت علي شروط أميركا وأوربا بتعليق أنشطة التخصيب في فردو وقال قاسمي: إن إيران أجرت حوارات سرية مع ممثلين من دول 5+1 حيال القضايا الخلافية وأن الجميع توصلوا إلى اتفاق يقضي برفع الحصار الاقتصادي مقابل تعليق النشاط التخصيبي بدرجة 20% وشدد قاسمي على أن الرئيس حسن روحاني سيقوم بعرض موقف طهران من الموضوع النووي في كلمته أمام زعماء العالم في الأممالمتحدة، وأضاف: أن تعليق التخصيب لا يعني تعليق البرنامج النووي لكن سياسة إيران الجديدة تسعى لإبعاد شبح الحرب عبر انتخاب الخيار الدبلوماسي وهذا ما أكده الرئيس روحاني لنظرائه الغربيين. في السياق ذاته، أكد الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسين ريوران، أن هناك مسارين للتفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني أحدهما فني ويجري بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والآخر سياسي بين إيران ومجموعة 5+1. وأشار رويوران إلى زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو إلى طهران وقال: إن هذه الزيارة تأتي في الإطار الفني استكمالا لجولتين من المحادثات بين إيران والوكالة جرتا الأسبوع الماضي في فيينا وأسفرتا عن اتفاق بين الجانبين، وأشار إلى أن امانو جاء لوضع آليات لتنفيذ الاتفاق في ظل مطالبات بزيارة بعض المواقع ومطالبة ببعض الوثائق، وقد سهلت إيران مهمة هذا الوفد رغم أن طهران ترى أن الوكالة سربت بعض المعلومات أو تسربت المعلومات من خلال بعض المفتشين مما أدى إلى اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين. وأكد رويوران: أن هناك تفاهم كامل حاليا بين إيران والوكالة الدولية لحل كل القضايا العالقة ومن هنا يأتي التفاؤل على خلفية الاتفاق الذي تم بين الجانبين، وحول مدى تاثير محادثات امانو في طهران على اجتماع بغداد بين إيران ومجموعة 5+1 قال المحلل السياسي الإيراني: إن مما لا شك فيه أن أي اتفاق في الجانب الفني سيساعد على الوصول إلى نتائج في الملف السياسي، لأن الجانب السياسي بالأساس يأتي متدرجًا بعد الجانب الفني، واعتبر رويوران أن اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسلب كل المبررات لاستمرار الحصار الأقتصادي والحظر النفطي أو استمرار السياسات والمواقف السلبية ضد إيران، ومن هنا فإن زيارة امانو إلى طهران وتوقيع اتفاق بين طهران والوكالة الدولية سيمهد الطريق للاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 في بغداد، وخلص رويوران إلى القول: إن هناك مؤشرات عديدة تشير إلى أن الملف النووي الإيراني مقبل على انفراج حقيقي في ظل معاناة الغرب من أزمة اقتصادية يحاول في إطارها ضبط السوق النفطية لأن أي اضطراب في هذه السوق سيعمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الغرب، وفي مقابل ذلك فإن إيران من جانبها تريد الخروج من دائرة الحصار الاقتصادي، ومن ثم فإن الإرادات متطابقة في الخروج من هذه الأزمة باتفاق يمكن أن ينهي الجدل حول الملف النووي الإيراني. وفي سياق التحركات الإيرانية لاستثمار قوة الدفع في موسكو بعد مبادرتها بشأن كيماوي الأسد، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني روسيا إلى وضع مبادرات جديدة لحل أزمة الملف النووي الإيراني مع الغرب, خلال لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين علي هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في بيشكيك عاصمة قيرغيزستان، وقال روحاني لبوتين: إنه طالما أن الملف النووي الإيراني يثير القلق, فيجب حل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن وفقا للأعراف الدولية, مشيرا إلى أنه في الماضي اتخذت موسكو خطوات مهمة باتجاه حل هذه القضية, وحاليا نطالب روسيا باتخاذ خطوات جديدة لحل الأزمة النووية لإيران. وفي هذا السياق، أشار مسؤول إيراني إلى أن موعد المحادثات الإيرانية النووية المقبلة مع القوي العالمية بشأن برنامج طهران النووي قد يتم تحديده قريبا من أجل تبديد مخاوف الغرب من برنامج إيران النووي وأن إيران سوف تكون أكثر شفافية وتوضيحا لبرنامجها النووي. وأوضح أن طهران لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم وتطوير برامجها النووية للأغراض السلمية. وتسعى إيران لتسوية أزمة النووي خوفا من الالتفاف الغربي- الأميركي علي إيران بعد سورية ويقول الخبير الإيراني محمد حسين رضائيان ل»المدينة»: إن إيران فهمت رسالة أوباما التهديدية ولذلك بادر المرشد خامنئي إلى منح الضوء الأخضر لحكومة روحاني لأجل التحاور مع أوباما وإزالة مبررات الحرب، وكان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني قد أعرب عن قلقه إزاء تزايد حدة الأزمة في سورية، وقال: بالرغم من الاتفاقيات التي أبعدت شبح العدوان عن الشعب السوري.. إلا أن شعوب المنطقة بما فيها إيران مازالت قلقة بسبب احتمال شن العدوان في أية لحظة وعندها يحرق لهيبها مصالح الأصدقاء والأعداء معا في المنطقة، على حد قوله.