طالب شرعيون من ساكني مكةالمكرمة إظهار كافة محاسن الأخلاق لوفود الرحمن والعمار من كون ذلك منطلقًا دينيًا واجبًا، وهديًا نبويًا كريمًا، لافتين إلى تحقيق الهدف الأسمى من إظهار تلك المحاسن في كسب الثواب والأجر من الله بإكرام وفوده، وتناولوا قصصًا ومواقف من إجلال وتقدير الحجيج في الجاهلية والإسلام. فقد دعا المشرف العام على مشروع تعظيم بلد الله الحرام الشيخ الدكتور طلال أبو النور كل قاطني مكةالمكرمة إلى إظهار محاسن أخلاق الدين لوفود الرحمن، مؤملًا أن يكون المجتمع المكي كله مجتمعًا يحمل القيم الإسلامية، ومحاسن الهدي النبوي الشريف ليس في موسم الحج وحده بل لكافة مجالات الحياة والعمل المختلفة. قربات عظمى وقال المدير المساعد لفرع وزارة العدل بمكةالمكرمة الشيخ عبدالله الحريري: لقد بدأت مواسم الطاعات ونيل القربات وبدأ حجاج بيت الله يفدون من كل فج عميق استجابة لمولاهم ولينعموا بهذه الفريضة المباركة حج البيت والوقوف بالمشاعر المقدسة لذا كان لزامًا علينا نحن الذين أكرمنا الله بأن جعلنا من أهل هذه البقعة المباركة أن نبتهل ونستبشر بهؤلاء الضيوف وأن نتقرب إلى الله بالتلطف معهم وإظهار الإنس بقربهم والابتسامة التي تدل على حبهم ومساعدتهم بكل شيء، فهم ينظرون إلينا بنظرة الإكبار والاقتداء، فلا بد أن نتمثل بهدي المصطفى في تعامله وأخلاقه لأنهم يقتبسون ذلك منا، كما يجب علينا التقرب إلى الله بإكرام وإطعام وسقاية ضيوف الرحمن عز وجل،((ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب))، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «لو يَعَلَمُ المُقِيمُونَ مَا لِلْحَاجِّ عليهم مِنَ الحَقِّ لأتَوْهُمُ حين يَقْدُمُونَ حتى يُقَبِّلُوا رواحلهم لأنَّهم وَفْدُ الله تعالى من جميع الناس»، وكان قصي إذا اقترب موسم الحج خاطب قريشًا قائلًا: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل مكة وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق بالضيافة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابًا أيام الحج، حتى يصدروا عنكم، ففعلوا..فكانوا يخرجون لذلك في كل عام من أموالهم خراجًا فيدفعونه إليه، فيصنعه طعامًا للناس أيام منى، وكان هاشم بن عبد مناف إذا حضر الحج قام صبيحة هلال ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها، فيحض قومه على رفادة الحاج التي سنها لهم قصي، ويقول لهم في خطبته: يا معشر قريش إنكم جيران بيت الله، أكرمكم الله بولايته، وخصكم بجواره دون بني إسماعيل، حفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظِّمون حرمة بيته، فهم ضيف الله، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، فأكرموا ضيفه وزواره. ومضى قائلًا: إذا كان أهل الجاهلية في جاهليتهم كانوا يفخرون بخدمة الحجيج فحق لنا -نحن المسلمين- أن نفخر بذلك، لأننا حينما نخدمهم إنما نؤدي عبادة جليلة، فلنستشعر دائمًا نية الإخلاص لله تعالى، وأننا نخدم هؤلاء الحجيج رغبة في الثواب من الله ليكرمنا الكريم سبحانه أجزل المثوبة والعطاء. محاسن الأخلاق وقال عبدالرحمن بن حمود الغامدي مساعد أمين جمعية مراكز الأحياء بمكةالمكرمة: ذكر المؤرخون أن أهل مكة كانوا يخرجون أبناءهم إلى طرقات مكة ومعهم الحلوى ليستقبلوا ضيوف الرحمن القادمين إلى مكةالمكرمة، إنها تربية فريدة على محاسن الأخلاق قولًا وفعلًا، وحسن الخلق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات. وقد خصّ اللّه جل وعلا نبيه محمدًا صلى اللّه عليه وسلم بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال جل وعلا: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» وقد حث النبي صلى اللّه عليه وسلم على حسن الخلق، والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: «أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق»، مبينًا أن حُسن الخُلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى، وقد عدَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم حسن الخلق من كمال الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا»، والخلق الحسن مطلوب من المسلم مع كل من يتعامل معه من قريب أو بعيد، فكيف إذا كان من يتعامل معه هو ضيف من ضيوف الرحمن، غادر دياره وترك أهله وقطع المسافات استجابة لنداء الرحمن، لينال لقب ضيف الرحمن، فحري بكل واحد منا أن يكون القدوة والمثال وأن يظهر لهذا الضيف كريم الخصال وذلك بالقول والعمل، فلا ينظر إليه إلا متبسمًا ولايخاطبه إلا بأجمل الألفاظ وأصدقها، بل يجتهد في تقديم أي خدمة له يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «أحب الناس إلى اللّه أنفعهم، وأحب الأعمال إلى اللّه عز وجل، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا». وتابع الغامدي يقول: وحري بنا ونحن على أبواب موسم الحج وقد بدأ ضيوف الرحمن في التوافد إلى البلاد الطاهرة أن نتثمل أجمل وأفضل الأخلاق سيرًا على نهج أسلافنا، وعلينا أيضًا أن نجتهد في غرس محاسن الأخلاق في نفوس أبنائنا، فنذكرهم بفضل وفادة ضيوف الرحمن، ونتيح لهم فرصة خدمتهم ابتغاء لرضا الرحيم الرحمن. أخلاق رفيعة من جهته أكد الشيخ الدكتور أحمد المورعي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى أن المجتمع المكي لا يزال فيه الخير يتميز أفراده بالأخلاق الإسلامية الرفيعة، فحببوا من الناس من وافدين وقاصدي البيت العتيق من وفود الرحمن ومعتمرين وزوار، فتعلقوا بمكة وبأهلها.