(الومضة) طبقاً لمعناها اللغوى : برقة من الضوء (برِقَ الشيءُ : أى اجتمع فيه لَونان من سوادٍ وبياض) ، إلتماعة خفيفة واحدة ، غمزة ، بسمة .. ظهور مفاجىء قوى وسريع خاطف . من خلال هذا التعريف تبرز أركان الومضة جلية واضحة : (أولاً ) التكثيف : فلا مجال فى الومضة للوصف الدقيق ولا للحكى الروائى ولا للسرد المترهل .. هى التماعة قوية خاطفة (برقة) .. وليست شمساً تولد من رحم الفجر فتنمو تدريجياً حتى تصل إلى ذروتها ثم تنتهى بغروب ساحر يتفنن الشعراء وكتاب القصة والرواية فى وصفه (ذلك الوصف يعتمد على فن الإضافة) .. لكن الومضة تعتمد على فن الحذف ، وهو ليس حذفاً عشوائياً وإلا تحول النص إلى لوحة مبهمة مستعصية على الفهم .. لكنه الحذف الفنى الذى لايُخل بالمعنى ولايستبقى كلمة أو حرفاً زائداً يمكن الاستغناء عنه .. (هذا هو المقصود بالتكثيف) أول عنصر من عناصر الومضة . (ثانياً) المفارقة : بالعودة إلى تعريف الومضة نجدها تعنى : البرقة التى تبرق فتحيل سواد الليل إلى بياض مفاجىء .. وتلك المفارقة بين الأسود والأبيض ، بين الخير والشر ، بين العدل والظلم ، بين القسوة والتسامح ، بين الظاهر والباطن ، بين الحرية والقهر ، بين الخنوع والتمرد ، بين الجمال والقبح ، بين السعادة والحزن ، بين الألم والأمل .. إلخ .. هذه المفارقة هى العنصر الثانى من عناصر الومضة التى بدونها لا تكون أبداً ومضة . (ثالثاً) الإدهاش : كلما استطاع الكاتب أن يتخلى عن النظرة الاعتيادية للأشياء ويصورها لك بعين الدهشة كلما تحقق للنص سمة هامة وضرورية من سمات الومضة .. كأن يبرز حجم المفارقة وهول التناقض الذى فقدنا بسبب الاعتياد غرابته .. فيدعو القارىء إلى التفكير والتأمل فى أشياء ومواقف أفقدتها الاعتيادية غرابتها ودهشتها .. تلك الدهشة التى ترفل فى ثوب السخرية أحياناً لكن دون أن تكون السخرية وحدها هدفاً وإلا تحول النص إلى مجرد نكتة لاعلاقة لها بفن الومضة .. (رابعاً) الإيحاء : وهو يعنى فى اللغة : التكلم الخفى للآخر .. بمعنى استخدام المفردات الموحية والمعبرة عن المعنى المقصود دون تصريح مباشر بها .. وذلك باستخدام الرموز الدالة والمعبرة عن المعنى المقصود .. (خامساً) النهاية المباغتة : وتعنى النهاية المفاجأة التى تأتى على حين غفلة وعلى غير انتظار أو توقُّع .. هى أشبه ماتكون بلدغة النحلة أو لسعة النار .. والنص الذى لاينتهى بنهاية مباغتة وغير متوقعة يفقد أحد أهم عناصر الومضة .. مما سبق يتضح أن (الومضة) هى جنس أدبى خاص .. يجدر بنا أن نبحث فى أصوله بعيداً عن هذا الإدماج الظالم ب(القصة القصيرة جداً) .. وهو ما سأتناوله فى مقال قادم بإذن الله . * مجدى شلبى : مؤسس مجموعة القصة الومضة على الفيس بوك (للإبداع مكان وللتميز تقدير)