[1] تمثل القصة هنا لمحة بؤرية أداتها التركيز الشديد تكثيقًا حتى قيل أنها فن الحذف أو الومضة .. فهى الميكروسكوبية التأملية أو الميكروسردية .. لكن ثمة نوع آخر مشتق هو أكثر تمثيلا لهذه الخصائص هو " الكتابة الشذرية " هى فى حقيقتها أسئلة تثار .. هى بشكل من الأشكال تماثل (التغريب البريختى) الذى يضع ]العادى [أمام هياج التأمل وعصفه الكامل عندما يجعله]غريبًا [أمامنا و يزيل منه سمة العادية و الاعتيادية التى توقف التفكير بحكم الألفة و التعود فسمة التأمل و الغرابة و الفلسفية كامنة تمامًا فى الكتابة الشذرية.. طلقة الرصاص هذه هذا الحيز الكتابى_ المقطعى الانطباعى _ المسرف فى التزكيز و الاختصار و الذى يشابه تلك الربتة الداعية الى إيقاظ إنسان من النوم و الانطباعية تقترب غالبًا من الشعرية و الحكمة إذا كان الاختصار و الاختزال أداتها الكتابة الشذرية مستخرجة من اللاوعى , و مرتدة اليه.. وهذه المجموعة القصصية الشذرية ] دموع وشموع للكاتب الأديب الأستاذ مجدى شلبى تمثيل ممتاز لهذا النوع من الكتابة التأملية... و على سبيل المثال فى قصة بعنوان (الإطار) نجد هذا التأمل: " نظر إلى وجهه فى المرآة ، لم يجده ؛ كُسرت بالأمس ، ولم يتبق منها إلا الإطار " هذا النص يتعدى كونه نصًا قصصيًا الى تحققه كفكرة متفجرة بالتداعى , و تشظٍ يخرج عن نطاق المحدودية و الاقتصار.. فالمرآة العاكسة حُطِّمت بالأمس وامَّحى أثرها و بقى الشكل الخارجى الذى كان يحفظها "الشكل " بديلا عن مضمون كاشف الإطار يُلزمنا ألا نتجاوز حدوده , هو فى حال وجود المرآة يلزمنا أن نرى قى حدود جغرافيته و لا نتعداها .. هو اتفاق ضمنى على القص و التجزيىء _ نرى الوجه فقط مثلا , بينما باقى الجسم مقتطع_ فيعلمنا درس الوحدة فى مقابل التناثر و الجزئبات فالتحديق ,, النظر للمرآة يمثِّل نوعا من التماهى النرجسى.. وعى آخر مكافىء.. تمثل عبر الصورة فالنظر الى النفس خارج النفس) هو انغلاق على الذات حضور و غياب فى الوقت نفسه , حسب جاك دريدا , فيما أطلق عليه ( الأثر الأثر يتميز بمفارقة الحضور و الغياب معًا الأثر قابع دوما فى خفاء يستجلب علامات أخرى تجعل المعنى منحرفًا عن مساره فكل مفردة تختزن أثراً من مفردات أخرى، تختلف عنها بقدر ما تتقاطع معها. لكن الأثر ذاته لا يتمتع بكينونة الحضور، وهنا تكمن المفارقة، فحضوره مرهون بغيابه، إذ لا توجد إشارة كاملة بذاتها، والأثر ويرتحل الدال عن دالته يكمن دائماً في هذا الظل أو الخفاء الذى يصطاد علامات أخرى، تحرف المعنى عن مساره. من هذا المنظور، يستثمر المعالي هذه العلاقة الجدلية بين الإشارة والأثر، مؤكداً على ارتحال الدال عن دلالته: «فكل إشارة تودها/ هي أحرفٌ تلوح ثم تختفي فالانكفاء [التلقائى] على الذات فى وضع اختفاء المرآة و بقاء الإطار يحمل فى اللاوعى آلياته ممثلة فيما كان يحدث قبل ذلك أثناء التحديق فهذا ( الغريب ) الذى ( كنت أراه أمامى قيل الاختفاء الحالى للمرآة ) و الذى هو أنا فى حقيقة الأمر يمثل اللامعقول و العبث كله فيما يقول البير كامى, و هذا التمازج و الخلط يتسم بالجنون , فصورى السابقة التى كانت على المرآة , تتعاكس حتماً مع تلك المرايا التى ظهرت فى مخيلتى الآن استدعاء على الفور كبديل .. .. هو أمر يتسم بالعبثية و اللامعقول .. كمن يسقط فى هوة عميقة مظلمة , و فى ذهنه المنظر الذى كان يشاهده منذ لحظة تُقدَّر بواحد على عشرة من الثانية ....!!!! هو (الغياب و الحضور) إذا استعرنا مصطلح "جاك دريدا" الأمر يدعو للابتسام الحزين ....... لو تأملنا. * يُعد الناقد الكبير الأستاذ أحمد طنطاوى دراسة كاملة عن مجموعة (دموع وشموع) سيتم نشرها فور اكتمالها بإذن الله