أصدرت صحيفة "البيان" ، برعاية مؤسسة خلف أحمد الحبتور للأعمال الخيرية، "موسوعة مساجد الإمارات"، التي تعد الأولى من نوعها، وتقع في 263 صفحة متضمنة عددا كبيرا من الصور لمساجد الدولة ومجموعة من الرسوم المعلوماتية الدقيقة، وتسلط الموسوعة الضوء على التطور المعماري لمساجد الإمارات، ابتداء من المساجد التاريخية التي تعود إلى العصور الإسلامية الأولى، ووصولا إلى التي شيدت أخيرا. قام بتأليف الموسوعة كامل يوسف حسين رئيس قسم الترجمة بصحيفة "البيان" ومؤلف ومترجم 80 كتابا في مختلف مجالات المعرفة والإبداع الإنساني، وقدم قسم التصوير في "البيان" مجموعة الصور الفريدة التي تحتويها الموسوعة، كما نفذ قسم الرسوم المعلوماتية مجموعة الرسوم البيانية بها. واستهل الموسوعة تصدير لظاعن شاهين، المدير التنفيذي لقطاع النشر في مؤسسة دبي للإعلام رئيس تحرير صحيفة "البيان" ، أكد فيه الاعتزاز بإطلاق الموسوعة، باعتبارها إضافة مميزة إلى جهود امتدت طويلا لإثراء هذا الميدان المعرفي المهم. وفي المدخل الذي كتبه خلف أحمد الحبتور رئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور ، أكد على أهمية هذا الإصدار باعتباره عملا رائدا في ميدان عمارة المساجد في الإمارات يسد فراغا معرفيا، كان لا بد من استدراكه منذ سنوات طويلة، وأعرب عن تطلعه إلى أعمال مماثلة تلقي الضوء على الجوانب المختلفة من أوجه التقدم والإنجاز في الإمارات التي تستحق عن جدارة المزيد من الجهد للتعريف بها وتقديمها إلى كل من يهتم بها في الإمارات وخارجها على حد سواء. وأشار المؤلف في مقدمة الموسوعة إلى أنها تستمد أهميتها من خمسة عناصر، تتضافر فيما بينها لتجعلها جديرة بالاهتمام بها والتوقف عندها طويلا بالمتابعة والتأمل ومحاولة الفهم انطلاقا إلى الهدف النهائي منها، وهو اجتذاب اهتمام الباحثين والدراسين والاختصاصيين إلى الحقل المعرفي الهائل الذي تشكله مساجد الإمارات، والذي لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه، ولو في الحد الأدنى منه. هذه الموسوعة تتصدى، أولا، لنيل شرف الريادة في تناول موضوعها، حيث تنصرف بكاملها إلى المقاربة الجمالية لعمارة مساجد الإمارات. وهي، ثانيا، تستمد مبرر وجودها في المقام الأول من مبادرتها إلى لفت أنظار الباحثين والدارسين إلى الاختلال القائم بين العدد الكبير لمساجد الإمارات وبين الدراسات المحدودة التي تناولتها. وهي، ثالثا، تستمد نسيجها الأساسي من المتابعة الميدانية من جانب المؤلف، على امتداد ما يزيد على 30 عاما، لتجليات العمارة المسجدية في الإمارات. ورابعا ، يستند جانب ليس باليسير من أهمية الموضوع الذي تتابعه الموسوعة إلى أنه يشكل رافدا بالغ الأهمية من روافد الجهود التي تنصب على تأكيد هوية الإمارات. والموسوعة، خامسا وأخيرا، تستمد أهميتها من الظروف المواكبة لتأليفها وإصدارها، فهي ترى النور في وقت تم خلاله بناء العديد من المساجد، التي تحقق بشكل مباشر الأغراض الوظيفية في النسيج الحضري لمدن الإمارات. تقع الموسوعة، بالإضافة إلى التصدير والمدخل والمقدمة، في عشرة فصول، تتبعها الهوامش التي تشكل في ذاتها إضافة إلى الإطار المعرفي لها. في الفصل الأول، يتصدى المؤلف لدراسة الملامح الرئيسية في عمارة مساجد الإمارات، مستهلا بإلقاء الضوء على مسيرة تطور عمارة المساجد بشكل عام، ومركزا على جماليات المكان كإطار لتأمل عمارة المساجد، قبل أن يقدم سلسلة من الملاحظات حول جماليات المكان في عمارة المساجد الخليجية ، لينهي هذا الفصل بتقديم الملامح الأساسية لعمارة مساجد الإمارات، التي يبلغ عددها حسب أحدث الإحصاءات 6527 مسجدا. وهذه الملاحظات تشمل أربع عشرة نقطة مهمة، أبرزها العلاقة المركبة بالتراث وطموح البرنامج الإنشائي وثراء المشاريع الزخرفية. وفي الفصل الثاني ، يقدم المؤلف دراسة نادرة لمساجد الإمارات التاريخية والأثرية، حيث يلتقي القارئ بمجموعة مهمة من الحقائق، في مقدمتها عدم صحة المعلومة المنتشرة التي تفيد أن أقدم مساجد الإمارات هو مسجد البدية، بينما تشير أحدث الأبحاث الميدانية إلى أن المسجد الذي يحظى بهذا التوصيف هو مسجد مهم يعود إلى العصور الإسلامية تم العثور على آثاره في مدينة العين. يجد القارئ نفسه في الفصل الثالث من الموسوعة على موعد مع لمحات من عمارة المساجد في أبوظبي، حيث يلتقي الحقائق الأساسية التي تدور حول هذه المساجد من الناحية المعمارية ، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أبرز ملامح عمارة المساجد في إمارة أبوظبي، مع التركيز الطبيعي والمنطقي على مسجد الشيخ زايد بن سلطان الجامع الكبير، والتطرق إلى دراسة مختلف جوانب برنامجه الإنشائي ومشروعة الزخرفي. في الفصل الرابع، ينطلق القارئ في رحلة طويلة مع المؤلف للإحاطة بأبرز ملامح عمارة المساجد في دبي ، مع التركيز بصفة خاصة على واحد من أهم هذه المساجد من الناحية المعمارية، وهو مسجد الجميرا الجامع الكبير، بالإضافة إلى إبراز التفاصيل الفنية في مسجد تهتم به المراجع والمصادر العالمية تقليديا، وهو مسجد محمد بن مدية في ديرة. والقارئ على موعد مع قراءة ممتدة في تطور عمارة مساجد الشارقة في الفصل الخامس، حيث يلتقي طويلا بمساجد لها أهميتها المعمارية، مثل مسجد الملك فيصل بن عبد العزيز وسلسلة المساجد المبنية على شواطئ بحيرات الشارقة، وفي مقدمتها مساجد النور والهدى والتقوى. تتوالى فصول الموسوعة، لينطلق القارئ في رحلة فريدة مع عمارة المساجد في عجمان في الفصل السادس، ومع إطلالة على ملامح إمارة المساجد في أم القيوين في الفصل السابع، وصولا إلى خطوات في مسيرة عمارة المساجد برأس الخيمة وفي الفجيرة، مع وقفة خاصة عند مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الجديد، الذي يعتبر ثاني أكبر مسجد يشيد في الدولة. وفي الفصل العاشر ، الذي يعد من أهم فصول الموسوعة، يلتقي القارئ مع دراسة تفصيلية لمستقبل عمارة المساجد في الدولة، حيث يتناول المؤلف الوضعية الراهنة لعمارة المساجد في إطار المشروع الثقافي في الإمارات، ثم ينتقل إلى دراسة العلاقة بين عمارة المساجد والهوية الوطنية، ثم يتناول سمات عمارة المساجد ، ويعرض للعلاقة بين عمارة مساجد الإمارات والحداثة، ويتطرق إلى قضية مهمة بالنسبة للباحثين في مجال العمارة، وهي وضعية المساجد الصغيرة في البيئة المبنية في الإمارات، ليصل ِإلى استشراف تحولات المستقبل في عمارة مساجد الإمارات ، ولينطلق إلى قراءة لملامح مستقبل عمارة هذه المساجد، حيث يقدم ثمانية ملامح رئيسية، أبرزها توقعه ألا يستمر بناء المساجد الصرحية، وكذلك توقعه المثير للجدل بأن مساجد الأحياء الصغيرة هي مساجد الغد في الإمارات بامتياز، وتشديده على ميل مساجد الإمارات إلى الجمع بين البساطة والقوة في التصميم والتنفيذ على حد سواء، كما يتوقع أيضا عدم بروز تيار واحد محدد يفرض نفسه من تيارات الإبداع المعماري في مساجد الإمارات، ويقف المؤلف طويلا عند توقع استمرار عدم بروز عناصر العمارة الأهلية في المساجد التي ستبنى في الإمارات. ويتوقع ابتعاد هذه المساجد عن النزوع الحداثي في التصميم، فضلا عن استمرار الحرص على تأكيد "الصورة الإسلامية " في مساجد الإمارات تصميما وتنفيذا. والموسوعة في هذا الإطار تشكل دعوة مفتوحة للباحثين والدارسين والاختصاصيين إلى المبادرة بمزيد من الاهتمام بمساجد الإمارات، كحقل معرفي بالبغ الأهمية، ويستحق عن جدارة إصدارات تتجاوز الإطار التعريفي العام الذي اندرجت فيه هذه الموسوعة.