ذخائر التراث الكوردي فاخر الداغري التراث هو ما تمضي عليه فترة زمنية طويلة تربو على ثلاثمئة سنة ويبقى محتفظاً بأصالته وطابعه ورونقه دونما تحوير او تغيير كالآثار والمباني الشاخصة والاداب والفنون المختلفة من موسيقى وغناء وأمثال وكنايات وباقي الموروثات الشعبية) التراث الشعبي ع1 1997. استثماراً لعلاقات الصداقة الحميمة وصلتني نسخة رشيقة أنيقة وكأن غلافها لوحة فنية رائعة تشكل إطالة النظر الى وجه غلافها الاول ذي اللون النيلي المفعم بالهدوء متعة في جمالية الخط الامر الذي ينقلك الى عالم الاستجمام والتأمل فتزداد جمالاً على جمال حين يبهرك وجه الغلاف (الرابع) الاخير الذي ازدان بصورة فتاة كوردية سما الخيال الفني عالياً في جعلها على مستوى راق في توفير معالم التشكيل الفني فيها وقد بدت وكأنها ملكة جمال يفصح تحديقها الحاد عن انها تريد ان تكتشف المجهول في ما وراء الافق وقد ازدان محزمها بخنجر مذهب القبضة وأمامها مزهرية من النرجس الذي يزدان به وجه الارض في كوردستان وقد لفعت رقبتها بشال ازرق يستعيد لون السماء من باب التهجد الروحاني وتدلت من على صدرها حلية ذهبية تسمى بالادب الشعبي (زرار) وعلى رأسها تاج يزيد جمالية شعرها جمالاً اضافياً والى جانب وجهها على شكل تضليل فني رأس عتال آشوري ولعله يشير الى عملية ربط الحاضر بالماضي في عصور ما قبل التاريخ. ولعل الخنجر يشكل ايماءةً الى قيم الدفاع عن الحرية والحياة الكريمة التي توفرت في كوردستان بعد سني الكفاح الطويل. وهذه الصورة هي عن (اسطورة حب فرهاد وشيرين في آداب شعوب الشرق)، هذه النسخة الانيقة الرشيقة هي كتاب (ذخائر التراث الكوردي في خزائن بطرسبورغ لمؤلفه الاديب الكبير جودت هوشيار الصادر عن مطبعة كاروان في اربيل عام 2011م، هذا الواقع السحري الهمتني مقدمة الاستاذ المؤلف المشاعر الوجدانية التي تفصح عن عمق انتمائه الى ارض كوردستان وأصالة فكرة في التعبير عن مشاعره الوطنية وعليه: ان الفكر حين يكتب يكون قد أذن بالنزول من عليائه ورغب ان يتحول الى حروف وكلمات وجمل مفيدة: تفصح ابجدية الحروف وماهية الكلمات وروحية الجمل المفيدة فيه: عن الهوية الثقافية للكاتب، ومن خلال الفحوى الانساني للقيمة الادبية لمضمون الفكر تحضر شخصية المؤلف على الورق وتتجسد بشموخ فوق السطور فيبرز المؤلف كفلاح ماهر يدعى (زرع اليدين القوي) الذي غرسه نبتاً بعد ان وفر له شروط الانبات الصحيحة فراح يجني الثمار ويرعى قطعان الحروف وأسراب الكلمات ليحصد الجمل المفيدة بعد ان سقاها من ينابيع فكره فنحت في وجدان ذاته وهو يتكئ على سفح جبل أشم يريح كيانه وهو في حالة انتشاء وتأمل تخترق فيه خيالاته كل ابواب الولوج الى كنه الحقيقة بعد ان وجد ان فكره قد نما وتبرعم وأورق وصار ظلالاً وارفة يطيب الجلوس تحت فيئها في عز حر تموز. بهذه الرؤيا وجدت الاديب جودت هوشيار يضم بين جوانحه ذخائر التراث الكوردي ويحتفظ بها بين الاضالع والحشا ولها في ادبيات مخيلته مكانة مرموقة تعبق منها رائحة الذكريات العذاب. فهي صورة تشرق في وجدانه بين آونة وأخرى فتمنحه الدفء الاجتماعي وتعزز عنده الانتماء القومي وتسلسل فيه الارث الحضاري وتعمق عنده المصدر الثقافي فيشعر بالزهو والغبطة الامر الذي يوطد عنده العلاقة الحميمية بين الماضي والحاضر فيغترف من اصالة المنابع فيرتوي من منابع عيون الماء المتحدرة من سفوح الجبال الشم ويصنع من كلتا اليدين إناءً يملأه ماءً عذباً من (شلال علي بك) ليروي ضمأ السنين العجاف مترنما جذلان فأسقني كأساً وخذ كأساً إليك فلذيذ العيش ان نشتركا ولعله يردد في سره مطلع اغنية فرقة الانشاد العراقية (تعطش وأشربك ماي باثنين أيديه) وعليه: فان (ذخائر التراث الكوردي في خزائن بطرسبورغ) كتاب قيم يقع في 201 صفحة من حجم 23×16 سم يحتوي على عشرين عنواناً يطيب الجلوس بين (ربوعها وقطف ثمارها اليانعة وقد يطول بنا الجلوس تحت ظلالها الوارفة وتتأخر المغادرة من فوق روابيها ويلعب (الموبايل) دوره في الاستفسار عن هذا التأخر مذكرنا بآداب الزيارة (زرغبا تزدد حبا) او على رأي الادب الشعبي (صديق الكثّر الجيّات ملوه) لذا سنغادر مضارب عبدالعال بعد ان سقينا قهوة زي طعم البرتقال وكنا قد اتكأنا على سفوح الجبال لنحل ضيوفاً على الفكر التراثي عند الملا محمود البايزيدي ونطلع على خزائن بطرسبورغ ونقرأ قصة من قصص الحب العذري في التراث الكوردي، ونتعرف على اول ابجدية لاتينية متكاملة في اللغة الكوردية ونحصي بإيجاز النتاجات الفكرية للكتاب الكورد المدونة باللغات الاخرى ونختتم المطاف في دار الافراح جلوساً على الاديم الاخضر للاساطير الكوردية في الادب العالمي. لنعود مع الاستاذ جودت هوشيار الى رحاب الملا محمود البايزيدي ونقرأ ما نصه: (الملا محمود البايزيدي ظاهرة فريدة في تاريخ الثقافة الكوردية فقد خدم هذه الثقافة مؤلفاً ومترجماً للنتاجات الادبية واللغوية والتاريخية والاثنوغرافية واسهم بقسط وافر ان لم يكن القسط الاكبر والأساس في جمع ونسخ عدد كبير من اندر وأنفس المخطوطات الكوردية التي تعرفت الاوساط الاستشراقية من خلالها على النماذج الدقيقة من التراث الكوردي المدون)، وتحت عنوان (ذخائر التراث الكوردي في خزائن بطرسبورغ) وهو عنوان الكتاب الذي استأثر باهتمام المؤلف وفرض نفسه عنواناً نوعياً على الاستاذ هوشيار لشموليته في احصاء التراث الكوردي المحفوظ كمخطوطات كوردية في مدينة بطرسبورغ في روسيا حيث افرد لها الصفحات من 21-49 ذاكرا فيها المآثر الادبية الكبرى التي تحتفظ بها هذه المدينة على شكل مدونات تراثية في مكتباتها ومعاهدها واصحاب المكتبات الفخمة هناك. وعلى ص61 من هذا السفر القيم يستعرض الاستاذ هوشيار قصة من قصص الحب العذري في التراث الكوردي من خلال كتابات الشاعر جعفر قولي او مجنون ما لو اري في رباعيات وسداسيات: لم يبق في رأسي عقل لم يبق في عيني نور لم يبق في ساقي قوة لم تبق في قلبي صبر وعن اول ابجدية لاتينية متكاملة في اللغة الكوردية يوضح الاستاذ هوشيار: ان هناك فرقاً بين اللغتين المدونة والمنطوقة كون النطق الشفاهي هو ظاهرة صوتية حية وان لغة التخاطب هي أقدم من الكتابة وان لغة التدوين تتبلور نتيجة لتطور المجتمع وان الانسان بدأ الكتابة بالرسم وهو حالة تعبر عن الكلمات بالصور كما جاء في الخط المسماري السومري. وان ما تأخر ظهوره هو ما يسمى بالحروف الهجائية او الأبجدية وليست الكتابة الكوردية بذاتها، وان التدوين في اللغة الكوردية بدأ في العشرينيات من القرن العشرين وان الفضل يعود الى العلامة توفيق وهبي (1891-1984). وان أول أبجدية لاتينية للغة الكوردية تمت بجهود (عرب شمو) في معهد الاستشراق في موسكو عام 1924 وهو من الكورد السوفيت. اما في رحاب النتاجات الفكرية للكتاب الكورد المدونة باللغات الاخرى يقول المؤلف هوشيار: ان (اللغة ظاهرة انسانية موغلة في القدم) ومن خلال هذا الايغال لجأ المبدعون الكورد الى تدوين نتاجاتهم الفكرية والادبية بلغات اخرى مثل العربية والانجليزية والتركية والروسية والفارسية ولغات اخرى حيث تم تعريف العالم بمعاناة الانسان الكوردي وعالمه الروحي وتطلعاته الانسانية. ويعود سبب ازدهار الادب والثقافة الكورديين الى عمق الاصالة في الانتماء الوطني والفني بملحمة قلعة دمدم وما أنجزه المستشرق يوسف اربيلي وما قدمه الدكتور جليلي جليل وما سطرته الاساطير الكوردية في الادب العالمي. وتظل اسطورة حب فرهاد وشيرين في آداب شعوب الشرق عنواناً بارزاً في تجسيد فحوى الحب العذري وما تركته قيم الفضيلة من دلالات انسانية انصف بها الادب الكوردي الاصيل.