التقيتُ قبل فترة ليست بالطويلة بمجموعة من الأحبّة في سن الرجولة، وكان الغالب منهم شبابًا في ملتقى الشباب الأول، الذي أقامه مركز التنمية الاجتماعية في المدينةالمنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام- وكان محور الحديث يدور حول البطالة، ومعاناة كثير من شبابنا من عدم توفر الوظائف وشحّها، واعتقاد البعض الجازم بالواسطة، وأن الشاب الذي لا يحوز عليها فلا أمل له مطلقًا في الوظيفة. فسألتهم حينذاك: ولماذا لا تضربون في الأسواق، وفيها الرزق الوفير، وقد صح عن الصادق المصدوق انه قال: «تسعة أعشار الرزق في التجارة»؟! وتعجبتُ أنهم جميعًا يعرفون هذا الحديث، وكذلك قصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-. وكانت إجابتهم -حينذاك- عجيبةً جدًّا، ووقعت عليَّ كالصاعقة؛ فجميعهم ذكر أن العمالة الوافدة تسيطر على العديد من أسواقنا، ويستخدمون أساليب التطفيش المتعدّدة لإزاحة المواطن، وسردوا قصصًا لا يكاد يستوعبها العقل البشري، ولك أن تتصوّر كيف أن وافدًا يقدم لمواطن ويعرض عليه مبلغًا كبيرًا بمئات الآلاف، ليكون ذلك المواطن مجرد صورة أمامية، وتذهب المبالغ الطائلة الناتجة عن الأرباح لتلك العمالة! وقد كانت صبيحة يوم الاثنين الماضي تاريخية في هذه البلاد؛ إذ شهدت انطلاقة الحملة التفتيشية في شتّى أرجاء البلاد، وتسابقت المناطق والمحافظات في الإفصاح عن الأرقام الهائلة لمَن تم القبض عليهم كمخالفين لنظام الإقامة والعمل، وفي ذات الوقت كان هناك سباقًا محمومًا على مستوى الصحف لنشر لقطات للأسواق والمحلات المغلقة، وأخرى لعمالة تم القبض عليها في أماكن مختلفة، وبأوضاع عجيبة. فتبادر إلى ذهني ذلك الحديث الذي كان يقطر ألمًا، ويفوح حسرةً من أفواه الشباب في ذلك الملتقى، وتساءلتُ في نفسي: هل يقتنص الشباب الفرصة، بعد أن تم كسر الأغلال، وتركت العمالة ما كان فعليًّا لهم، وتبيَّنت حقيقة الأسماء الوهمية التي كان بعض ضعاف النفوس يقومون بها؟ إن مشهد العمالة وهي تفر من الأسواق المفتوحة كأسواق الخضار، والأسماك، وغيرها محفز كبير لأن يقلع الشباب عن الكسل، ويتركوا الركون والتراخي؛ فهذه فرصتهم ليتبوأوا مكانتهم، وليكتسبوا معيشتهم. وهنا لابد من الإشادة بالدور الكبير الذي تبذله الجهات المعنيّة، وكم كان سروري بالغًا بمهاتفة اللواء سعود بن عوض الأحمدي مدير شرطة منطقة المدينةالمنورة، والذي ذكر -وبلغة الأرقام- ما يستحق الإشادة والتقدير، منتقدًا ما يتم تداوله من رسائل محبطة، وأخرى لا تريد الانضباط، وثالثة تتعجّل النتائج. وبدوري أؤيد ما ذهب إليه صديقي العزيز اللواء سعود، فمن المشاهد التعجّل، وعدم التريث؛ فالأمور يجب أن تكون في نصابها، وتراكمات السنين تحتاج إلى وقت ليس بالقصير لكي نجني ثمرة هذا الجهد. وبالعودة لواقعنا نجد أن أسواقنا كانت تعج بغير المهنيين، وكم تسببوا في أضرار كبيرة لمنازلنا، نتيجة عدم الإلمام بالمهنة التي يزعمون امتهانها، والواقع يؤكد ذلك فكنا نقف لنريد مهنة معينة، ونفاجأ بالعامل الوافد عند سؤاله عن مهنته يبادرنا بسؤاله أنت ماذا تريد؟، وحينها يكون هو في الموعد! والمرجو أن نجد أسواقنا وقد امتلأت بالشركات والمؤسسات المتخصصة، وأن يكون ذلك سريعًا، فوزارة العمل باتت مسؤولة عن سد الثغرات والتعليلات التي كان التجار يذكرونها من شح التأشيرات والتعقيدات، كما أن وزارة الشؤون البلدية والقروية يفترض أن تتجاوز بعض الشروط التي ربما وصفها البعض بأنها غير واقعية، وهكذا بعض الرسوم التي يتم فرضها بإعادة النظر فيها وتخفيضها، فمن غير المعقول أن يتم فرض رسوم باهظة لا يمكن أن تكون مشجعة لشبابنا على مزاولة التجارة، والأمل في دراسة عاجلة يتم بموجبها تقويم ماهو سارٍ حاليًّا من رسوم، وتجاوز مرحلة الفرض بلا مبرر؛ فنحن عندما نفرض رسمًا يجدر بنا أن نبرر فرضه، وأن يكون ذلك معقولاً لدى المتلقي، فلا يدفع من غير قناعة، وعلينا أن نستفيد من التاريخ؛ فالعمالة لم تتخلف، ولم تخالف إلاّ بسبب هذه الرسوم المرتفعة، والتي لا حاجة لها، وليكون الأمر بعد ذلك ميسَّرًا للشباب لمزاولة أيّ عمل كانت تقوم به العمالة الوافدة في وقت مضى، وربما كانت مسيطرة عليه. والمرجو أن يأتي اليوم الذي تنتشر فيه شركات ومؤسسات الخدمات، وبشكل أفقي واسع، وحينها ينعم المجتمع بالراحة والاطمئنان، وعليه أن يتحمّل بعض الشيء ارتفاع التكاليف مؤقتًا إلى أن يتم تقنينها في فترة لاحقة، يرجى ألاَّ يطول أمدها. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (68) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain