د. صادق القاضي تعز، أحجية تناقضات، راهبة مقدسة أصابتها اللعنة، أم تأكل أطفالها، مومس عذراء، شحاذة ثرية.. جنة ملوثة بالقمامة والمليشيات والذباب..؛ ليست هوية مناطقية أو عرقية..، إنها -كمدن يمنية أخرى- مطحنة عملاقة لكل الهويات التي تتماهى فيها.. لصالح هوية جديدة لها خصوصياتها.. لكنها تتسع للجميع . مدينة كتعز، العاصمة المقدسة العريقة لإله الحب والخصب (تاعوز).. الأصل فيها أن تكون كرنفالات حصاد، وملتقيات عشق، ومأوى للهاربين من الحرب والكراهية والجوع، كانت كذلك دائما؛ تقدم أنبل ما فيها.. قبل أن تضعها الأيام على مفترق طرق.. بين أزهى الأحلام وأسوأ الكوابيس ..! منذ البدء.. كانت تعز تجد نفسها -مرغمة أو ربما بشكل ساذج- في عمليات تبادل غير عادلة، كانت تصدر المثقفين وتستقبل العسكر، تصدر المدنية وتستقبل القبائل، تصدر المعلمين وتستقبل حمران العيون.. ومؤخرا صدرت الثورة السلمية، واستقبلت حماة الثورة من القبائل والعسكر، والعزاء أن كل الظواهر الوافدة تتلاشى وتذوب على صدر المدينة المترع بالحياة والحب والآخرين .. كأدونيس.. لا أؤمن بثورة تخرج من المساجد؛ والثورة اليمنية لم تخرج من المساجد؛ بل من الأرصفة والأزمات والمعاناة الواعية..؛ نعم.. بدأت الثورة من هنا؛ وانتهت بقدرة قادر إلى المساجد؛ وديوان الشيخ، وثكنة العسكري..!! الثورة.. ككل المصطلحات المدجّنة، لم تعد تعني معناها الحرفي؛ مثلها مثل الشريعة التي باتت تعني المقاضاة في محاكم فاسدة؛ والناس هنا -وبدون كفر أو خيانة- يلعنون الشريعة، كما يتوجسون ريبة من ثورة، صارت تعني -حسب رأيهم– اسما حركيا لأسوأ ظواهر ورموز النظام القديم..! أيتها المدينة المنهكة بالمليشيات وأنبياء الحرب..؛ لم يكن فيك شيء أكثر من الكتب والعشاق والمغنين..؛ تحتاجين نبيا حزينا ك"إرميا" ليكتب مراثيك، ويندب رائحة الريحان، ونكهة الملوج، وطعم البلس والفرسك، وألوان الفرح والحب.. بل تحتاجين رتلا من الأنبياء، لينقبوا عنك فيك، ويكشفوا عن برد ثناياك من تحت ركام البارود، ويفصلوا فيك بين معابر الحلم و(معابر) الرصاص .. *اليمن اليوم