قال المحامي والباحث الكويتي محمد صالح السبتي إن قضية الجنوب اليمني مغيبة عن الساحة الكويتية رغم العلاقات الوشيجة، مرجعًا إحدى الأسباب إلى تقصير الإعلام المحلي والمهتمين بقضية الجنوب في طرحها على الصحافة والإعلام الكويتي وفي التواصل مع الجهات الإعلامية الخليجية، مؤكدًا أن الإعلام اليمني الجنوبي يكاد لا يسمع له صوتٌ في دول الخليج. وأضاف في حوار مع «الأمناء» نشرته في عددها الصادر اليوم الخميس أن هناك تحاملًا على أهل الجنوب بجريرة موقف النظام اليمني من الغزو العراقي على دولة الكويت، على الرغم من أن كل الكويتيين بما فيهم النظام يعلمون بموقف الجنوب من قضايا الكويت, مشيرًا في الوقت ذاته أن القرار الخليجي مرهون بالقرار السعودي والأخير قريب من الشمال بعيدًا عن الجنوب, وفق تعبيره. وتحدث السبتي؛ الذي يعد من المناصرين للقضية الجنوبية، حول جملة من القضايا طرقناها معه بدءًا بالقضية الجنوبية مرورًا بما يسمى الربيع العربي, والإسلام السياسي وغيرها, تجدونها في هذا الحوار. * يُتهم الإعلام الكويتي والمثقفون الكويتيون بتجاهل القضية الجنوبية وخفوت الأقلام المناصرة للحق الجنوبي في تقرير مصيره واستعادة دولته, كيف ترى ذلك؟ دعني في البداية أعترف بتقصير حكومي شعبي تجاه قضية الجنوب، كما يجب الاعتراف بوجود خلط كبير في التعاطي مع قضايا اليمن من قبل النخب المثقفة الكويتية، فمن ناحية الحكومة فإن التقصير والخلل واضح في التعامل مع القضية الجنوبية، والتحامل على أهل الجنوب، وأخذهم بجريرة موقف النظام اليمني من الغزو العراقي على دولة الكويت، علمًا بأن كل الكويتيين بما فيهم النظام يعلم يقينًا حقيقة موقف الجنوب من قضايا الكويت وصدقهم ووقوفهم تجاه الحق الكويتي، لكن هذا التقصير جاء نتيجة تخبط في السياسات يجب ألا ننكره، وهو فعلًا مما يؤسف له. أما بالنسبة للمثقفين فحقيقة الأمر أن قضية الجنوب تكاد تكون مغيبة عن الساحة الكويتية، وبعيدة عن اهتمام السياسيين للأسف، رغم كل العلاقات الوشيجة بين الشعبين وخاصة الجنوبيين، ورغم كل المصالح المتبادلة، فضلًا عن الأواصر العربية التي تجمعنا، ولعلي هنا أشير إلى نقطه مهمة جدًا، وهي تقصير الإعلام اليمني أو المهتمين بقضية الجنوب في طرحها على الصحافة والإعلام الكويتي والتواصل مع تلك المؤسسات الإعلامية لطرح هذه القضية ومعرفة أبعادها وهو ما أدى في النهاية إلى هذا التقصير الحكومي والشعبي. * لكن لمَ تناست الدولة الكويتية مواقف الجنوبيين من رفض الغزو العراقي الغاشم على دولة وشعب الكويت، وتعاملت مع الجنوبيين بمواقف السلطة السياسية المنحازة مع الغزو؟ دعني أتكلم بشفافية مطلقة.. يبقى القرار الخليجي مرهون بالقرار السعودي أولًا وأخيرًا.. وليس خافيًا أن القرار السعودي قريب من الشمال بعيدًا عن الجنوب، وللحقيقة فإن الموقف الخليجي بعمومه تجاه قضايا الجنوب ليس من مصلحة الخليج أو اليمن. فالدولة التي تقوم على النظام العشائري البحت وتوزيع الحصص على هذا الأساس, ومراكز القوى القبلية لا يمكن أن تؤول إلا إلى الخراب المستعجل، وليس من مصلحة دول الخليج بقاء هذا الفكر في إدارة الدولة المجاورة. باختصار تعاطت منظومة دول الخليج مع قضية الجنوب على أسس قديمة جدًا، ولم تراع مصلحة الجنوب ولا مصالحها الإستراتيجية. * المشكلة الحقيقية المانعة لنجاح الحوار الوطني باليمن المدعوم من مجلس التعاون الخليجي هي التركيبة والثقافة القبلية التي لا يمكن أن تسمح بقيام دولة يمنية حديثة، فضلًا عن إعطاء الجنوب حقوقه السياسية والاقتصادية، فمراهنة الخليجيين على المبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني قرار خاطئ يتجاهل التركيبة الاجتماعية بالشمال.. ما رأيكم؟ قلت في البداية إنني لا أنكر التقصير أو الخلط بين موقف الشمال والجنوب، لكني أؤكد هنا أن الجنوبيين كذلك قصروا في حق أنفسهم وقضيتهم وفي التواصل مع الجهات الإعلامية الخليجية أو طرح قضيتهم على المجتمعات الخليجية، ولا أذيع سرًا إن قلت أن الإعلام اليمني الجنوبي يكاد لا يسمع له صوتٌ في دول الخليج، والحرب الفكرية اليوم لا يمكن أن تكون دون استخدام سلاح الإعلام وتوجيه إلى تحقيق الهدف، من هنا كان الخلل، وبلا شك فإن التقصير مشترك. * رفع الربيع العربي شعارات كبيرة تبشر بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بينما أفرز الواقع أحزابًا وجماعات دينية شمولية عملت على نشر ثقافة العنف والقتل والإقصاء والتفكير، فهل الربيع العربي مشروع غربي لتفتيت الوطن العربي؟ سايكس بيكو بأيدٍ عربية. نعم للأسف ليست هذه الثورات إلا نوع من العبث نحو المجهول. فعندما قامت الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية في عام 1916 بقيادة الشريف حسين لم يكن العرب وقتها يعلمون أن معاهدة تم توقيعها بين دول الانتداب - فرنساوبريطانيا - لتقسيم العالم العربي فيما بينهم ليقوموا بدور الوصاية عليه.. وعندما علم العرب بشأن هذه الاتفاقية، وبعد أن حققوا لتلك الدول مآربهم بإبعاد الأطماع العثمانية عن تلك المنطقة, قامت ثورتهم الثانية ضد دول الانتداب وهو ما دعاهم لتسمية الشريف حسين «أمير المؤمنين» كقائد للأمة العربية كلها.. إلى أن سقط، وتم نفيه للخارج وقد سيطرت بريطانياوفرنسا على الدول العربية انتدابًا ووصاية.. في هذه المرحلة الزمنية كان العرب يحلمون بقيام دولة عربية واحدة تجمع شتاتهم.. إلا أنه وبعد مرور تلك المرحلة غاب ذاك الحلم تمامًا وأصبحت الخلافات بين الدول العربية هي السمة العامة للعلاقات.. أقول الخلافات تجاوزًا؛ لأنها وصلت إلى حد الحروب أحيانًا كثيرة!! ولم ينجح من ذلك التاريخ أي ائتلاف يجمع الدول العربية بما ذلك جامعة الدول العربية, عدا مجلس التعاون الخليجي على كل ما فيه من بطء في الإنجاز. ومن مخازي العرب أنهم يعتقدون أن الغرب سبب كل مشاكلهم ويلقون عليه كل ما يحدث لديهم ويعيشون وهْم التدخل الدائم في شؤونهم والحرب الخفية.. والحقيقة أن أمراضنا الفكرية هي عدونا الأول.. ما يعشعش في أذهان كثير من قادة العمل السياسي ومنظري العرب من أفكار بالية وسطحية هو السبب في هذا السقوط الكبير والمتتالي والمزمن لدينا.. لا ننكر أن الغرب يحقق مصالحه في دولنا لكن لا يمكن أن يكون هو المسئول الوحيد عما يحدث. وهذه الثورات التي تجتاح الدول العربية ليست إلا جزءًا من هذا العبث الذي يمارسه سطحيو الفكر يخطون من خلاله بنود تلك المعاهدة الجديدة بدمائهم نحو شيوع الفوضى في بلدانهم وتقسيمها.. ولعلهم يفعلون أكثر مما فعلت معاهدة سايكس بيكو بهم!! * هل توقف مشروع الربيع العربي في خمس دول عربية أم سيستمر ويصل إلى دول الخليج العربي؟ لا أحد يرتضي الظلم والقمع واستغلال ثروات البلاد من قبل الحكام.. لكن هذا الذي لا يرتضي هل يأخذنا إلى الأفضل أم إلى الأسوأ!! هنا مكمن القضية لا مجرد أنه لا يرتضي الظلم فقط. عندما قامت تلك الثورات العربية ضد قمع بعض الأنظمة وأطلقوا عليها اسم الربيع وأوهموا شعوبهم بكل معاني الإصلاح والعدل والتقدم، ماذا حدث بعدها؟!! ما هو المشهد الآن؟!! في تونس التي انطلقت بها شرارة «ربيعهم» عام 2010 ما زال التونسيون يتجادلون نحو إقرار دستور جديد لهم لم يتفقوا عليه بعد، وحكومة تأتي وحكومة تستقيل.. في خطاب رئيس الحكومة الأخيرة أمام رئيس الجمهورية تعهد أن يعمل مع حكومته بأقصى جهده من أجل إعادة استقرار الأمن في البلاد وترسيخ مفاهيم الوطنية بين أفراد الشعب!! بعد ثلاث سنوات من الثورة والبلاد دون دستور أو استقرار الهدف الأول هو الأمن ولحمة أبناء الشعب!! في ليبيا وهي الدولة الغنية بالبترول انخفض إنتاج النفط إلى قرابة ال70% حسب بعض المصادر الإخبارية، وهناك فئات سياسية في ليبيا سيطرت على بعض مصادر البترول، وتعتقد أنها حق خالص لها!! وتعج البلاد بأعمال العنف ومحاولات الانفصال، والحبل على الجرار في اليمن الذي لا أحد يتابع أخبارها: تحركات جادة نحو انفصال الجنوب ولا أدري ماذا حققت الثورة إلى الآن سوى تغيير اسم الرئيس فقط!! في مصر..الثورة قريبة من إكمال عامها الثاني والبلاد دون دستور, والثورة الأولى لحقتها ثورة ثانية، أو قل انقلابًا أو قل ما شئت. النتيجة أنه لا استقرار. وحدة وألفة الشعب على المحك. الأمن منعدم أو يكاد. والاقتصاد لا يحتاج لبيان سوء حاله! وفي سورية لا يختلف الحال: هناك أربع جهات تحارب النظام، وبين هذه الجهات الأربع من الخلافات كما بينهم وبين النظام تمامًا ولعله أكثر، وليس عليك إلا أن تستمع لتصريحات جبهة النصرة ضد الجيش الحر لتعرف حجم الخلافات بينهم وتوعدهم بسحق الجيش الحر والانفصال بالحكم في بعض المحافظات!! باختصار؛ الأحزاب السياسية العاملة في الوطن العربي أغلبها قمعية فاسدة ليس لها أي عمق سياسي أو فكري سوى جعجعة إعلامية وكلام مكرر منذ الستينيات، ولو قدر لهم أن يحكموا فسوف يكونوا النسخة الثانية من تلك الأنظمة القمعية ليس إلا!! والثورات القائمة ليست إلا بدايات للحروب الأهلية الطاحنة التي سوف تستمر سنين.. وبيقين, فإن هذا الثورات لن تصل لدول الخليج. * شهدت الساحة العربية انقسامًا شديدًا على أساس ديني مذهبي، فهل الحركات الإسلامية قادرة على إدارة الأوطان والدول؟ لا تستطيع الحركات الإسلامية القائمة أن تدير الدول أو تحكمها؛ فهي عاجزة تمامًا عن ذلك لفقرها الفكري والثقافي والإداري. هذه الجماعات التي تمارس الديمقراطية الآن للوصول أي كرسي الحكم هي لا تؤمن أصلًا بالديمقراطية وتراها كفرًا بواحًا!! ولا تؤمن بالتعددية ولا بحرية المخالفة، وهي لا تحكم إلا وفق قواعد عصور الجهل والرهبنة!! والتاريخ كله يشهد عن فشل هذه الأحزاب الدينية في إدارة الدول، بل وعلى قمعها وكفرها بقواعد الحياة المدنية. * تتهم الحركات الإسلامية المثقفين والمفكرين الليبراليين والقوميين وغيرهم مما يسمى القوى المدنية، بإفشال المشروع الإسلامي ومحاربته؟ الإسلاميون يفتنون الناس في دينهم بهذا الطرح، فهم يصورون الخلاف معهم أو نقد فكرهم ومنهجهم على أنه صراع مع الإسلام؛ وهذا قمة التجني والحول الفكري. فالإسلام شيء وهذا الفكر شيء آخر.. لكنهم يستخدمون الدين سلاحًا للدفاع عن أفكارهم التي هي محل انتقاد وتمحيص كما هو الحال مع أي فكر. ليست هناك حرب على الإسلام حين ننتقد مشروع الجماعات الإسلامية أبدًا.. على مر التاريخ سقطت كثير من الدول الإسلامية، ومات الرسول الأعظم ومات الخلفاء والعلماء، لكن الإسلام لم يمت أبدًا، فكيف نربط بين الإسلام وفئة أو جماعة أو حزب ونقصرها عليه؟ هذا من أعظم الافتئات على الدين والمتاجرة به. * يضرب الإرهاب بالمنطقة ومنها اليمن، وتموّل جمعيات وحركات إسلامية هذه المشاريع؛ مثل جمعية إحياء التراث وجولات الداعية طارق السويدان لمناصرة الثورة في اليمن رغم الوفاق الوطني المدعوم خليجيًا.. ما هو دور الدولة والنخبة المثقفة في محاربة هذا الدعم المادي والمعنوي لهذه الحركات والجماعات غير السلمية؟ باستثناء جمعية إحياء التراث, فإن كثيرًا من الجماعات الدينية والجهادية وحزب الإخوان المسلمين أصبح واضح المنهج نحو إشاعة الفوضى في الدول العربية وأصبح يرعى التوجه نحو الحروب الأهلية باسم نشر العدالة والحريات والإصلاح. وهذا التوجه عبارة عن إعلان حرب.. والحرب تحتاج لجيش فكري لصدها مع تحمل ما ينتج عنها من جراحات؛ وأعني بالجراحات هنا تلك المجادلات وسيول الشتائم والاتهامات التي قد توجه لكل من ينتقد هؤلاء! باعتقادي بعد الذي حدث في مصر وفوضى سوريا أصبحت النخب أكثر وعيًا وإدراكًا لهذا المشروع السلطوي من تلك الجماعات الجهادية، وكما أرى فإن حربًا فكرية باتت تشتعل لتنبيه المجتمعات على خطورة هذه التحركات من تلك الجماعات. * تجتاح المنطقة العربية وخاصة دول الخليج العربي مشاريع استعمارية وتدميرية من قبل دول وجهات دولية وإقليمية ومحلية في ظل غياب المشروع العربي والخليجي.. ما هو مشروع العرب ودول الخليج تجاه المنطقة والعالم؟ بالنسبة لدول الخليج أظنها ستبقى عصية على مثل تلك المشاريع، وكما هو معلوم أن تلك الدول واجهت في بدايتها وأثناء مسيرتها كثيرًا من الحروب عليها أو على أنظمة حكمها لكنها استطاعت تجاوز تلك المحن. ودعني أقول هنا كلمة قد تكون غير مقبولة عند الكثيرين من العرب: إن دول الخليج من أفضل الدول التي استطاعت التعامل مع الغرب، فمع كل تلك الأقاويل والأطروحات التي تتهم دولنا بالارتماء في أحضان الغرب وتحقيق مصالحه في المنطقة، إلا أن الحقيقة أن دول الخليج عرفت حجمها وقدرتها وتعاملت مع الواقع وحققت مصالحًا مع دول الغرب، وكل مواقفها العربية والإسلامية تشهد أنه أفضل بكثير ممن يجعجعون بمبادئ العروبة والإسلام. أنا لا أقول أن دولنا أصبحت ندًا لدول الغرب أبدًا، لكن أقول إنها تعاملت معها وفق ما يحقق مصالحها ومصالح شعوبها بعيدًا عن العنترية الجوفاء. * تُتهم دول الخليج بالتردد في التكامل العسكري والسياسي مع اليمن مما جعل اليمن ساحة لمشاريع أجنبية لخلخلة أمن واستقرار دول الجوار في الخليج؟ التكامل العسكري والاقتصادي والمجتمعي مع اليمن أصبح ضرورة بالنسبة لدول الخليج، ولم يعد من المقبول ترك اليمن يواجه التحديات لوحده لسبب بسيط جدًا هو ارتباط المصالح المشتركة التي لا يمكن لها أن تنفك. وكم أتمنى أن تتخذ دول الخليج هذا المسار كما أتمنى من الإعلام اليمني أن يخرج من القوقعة لينتشر في الخليج ويبدأ تحركاته الفعلية لطرح أفكاره. * وقفتم كمثقفين ونخبة موقف التائه أو المتفرج أو المطبل للمشاريع الهدامة والاستعمارية لمنطقتنا، ما هو موقف المثقف والنخبة تجاه أوطانهم وشعوبهم وقضاياهم؟ لعلي لا أكون متجنيًا إن قلت إننا في حالة فقر ثقافي, ولستُ أقصد جموع المتكلمين أو الكتاب. فقد أظهرت الأزمات أن المثقفين قلة رغم زحمة الكتابة.. وعلى هؤلاء أن ينبروا للدفاع عن أوطانهم وأفكارهم ومناهجهم وتحمل تبعات ذلك من جراحات فكرية.