مرض التستر انتشر في مواقع كثيرة من الوطن، خاصة المدن الرئيسية، وساعد على انتشاره تواطؤ بعض ضعاف النفوس، الذين فقدوا وطنيتهم بتسترهم على عديمي الذمة من المقيمين، الذين دأبوا على الإخلال بأنظمة الوطن وقوانينه، ومع هذا تتم مكافأتهم بإخفاء جريمتهم وعدم التشهير بهم من الجهات المختصة، وهذا أدى إلى تفاقم المشكلة، وجعل البعض يسلكون هذا الطريق مقابل مبالغ مالية زهيدة، يقبضونها في نهاية كل شهر، بينما تذهب أموال الوطن لمقيم جاء للعمل فأصبح مالكاً للعقار أو الشركة أو المؤسسة. وما يؤثر في أنفسنا أننا جميعاً ندين عملية التستر، ولا تخلو مجالسنا من الحديث في هذا الجانب، والجميع ينكر هذا السلوك، ويدين من يقوم به، بل إن البعض يعتبر من يقوم به خائناً لدينه ووطنه؛ ويجب معاقبته والتشهير به، لكن البعض يخفي المعلومات التي تساعد على الكشف عن مفسد، ولسان حاله يقول (وأنا مالي). لقد نشرت إحدى الصحف خبراً عن قيام أحد الأشخاص من جنسية عربية بشراء أرض المواطن عبد المطلوب راشد الصحفي، الواقعة في مخطط الحرمين بجدة، وقدم عربون الشراء بمبلغ مائة ألف ريال باسم أحد المواطنين السعوديين، ثم قدم باقي المبلغ، وقدره مليونان وتسعمائة ألف ريال، باسمه؛ ما جعل المواطن الصحفي يرفض إتمام عملية البيع، والرفع للمباحث الإدارية بشكوى يثبت فيها عملية التستر. وبعد إجراء التحريات تم إحالة المتهمين إلى هيئة التحقيق والادعاء العام؛ وتكشفت خيوط القضية، التي تبيّن فيها أن المواطن موظف حكومي، ويسكن في شقة مستأجرة، ولا يملك مبلغ الشراء، وأن عقد الشراء تم باسمه على أن يدفع المقيم كامل المبلغ، وهو يتاجر في العقار بأسماء مواطنين سعوديين يتسترون عليه مستغلاً التصريح الممنوح له من قِبل هيئة الاستثمار الأجنبي في نشاط آخر غير المصرح له، وهذا يُعد مخالفة بنص المادة الأولى من نظام مكافحة التستر التجاري، التي تنص على «لا يجوز لغير السعودي في جميع الأحوال أن يمارس أو يستثمر في أي نشاط غير مرخص له بممارسته، أو الاستثمار فيه بموجب نظام الاستثمار الأجنبي أو غيره من الأنظمة واللوائح والقرارات، ويُعد في تطبيق هذا النظام متستراً كل من يمكّن غير السعودي من الاستثمار في أي نشاط محظور عليه الاستثمار فيه، أو ممارسة أي نشاط محظور عليه الاستثمار فيه، أو ممارسة أي نشاط محظور عليه ممارسته، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري، أو بأي طريقة أخرى". وقد رأى الصحفي ما قام به من التستر التجاري يترتب عليه أضرار باقتصاد الوطن والمواطن والمنافسة غير المشروعة، وانتشار هذه الظاهرة في محافظة جدة أصبح ملحوظاً؛ لذلك كان لا بد من الوقوف ضده، وإبلاغ الجهات المعنية للقضاء عليه، فما نلاحظه من حالات غش في شقق التمليك هو ناتج مما يمارسه المقيمون مستغلين اسم السعوديين ضعاف النفوس مقابل مبالغ زهيدة تُمنح لهم. فإلى هذا المواطن الصالح، وإلى أمثاله نقول: شكراً لوطنيتكم التي لو سلك الجميع مسلكها لاستطعنا القضاء على الفساد الذي استشرى بيننا، وقضى على أخلاقنا الإسلامية التي نشأ عليها آباؤنا وأجدادنا. والحمد لله، فقد تنبهت حكومتنا الرشيدة إلى هذا الموضوع؛ وبدأت في معالجته والقضاء عليه. ومثلما احتاج الفساد إلى فترة طويلة حتى تمكن من التغلغل في مجتمعنا فإننا بحاجة أيضا إلى فترة أطول للقضاء عليه، وسيأتي اليوم الذي نبحث فيه عن فاسد بيننا فلا نجده - بحول الله وقوته - إذا تعاونا جميعاً، ووضعنا أيدينا في أيدي العاملين في الدولة، وأبلغنا الجهات المختصة عن كل مفسد يعيش بيننا، فكل من يعلم بمفسد ولا يبلغ عنه شريك معه في فساده، ولن ينجو من عقاب الله.