تبقى الأمة في نظر أفرادها ومواطنيها كبيرة، ويبقى الولاء مستقراً ثابتاً، وتبقى وشيجة الحب قائمة راسخة، ما دامت حقوقهم مرعية، وأعراضهم محفوظة، بغض النظر عن شخوصهم وانتمائهم، وبغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية ووظائفهم، وبغض النظر عن أفكارهم وتوجهاتهم. وتبقى الأمة محفوفة بالأمن المجتمعي ما بقي فيها من يدافع عن كرامة الإنسان، ويسخر قدراته وإمكانياته في الدفع عن المظلوم، أو ذي الحاجة، الذي لا يستطيعون أن يدفع عن نفسه ما يقع عليه من انتهاك وظلم، من غلاظ الأكباد، الذين لا يرقبون في مواطن إلا ولا ذمة. فمن عظيم ما تحمله عقيدتنا تكريم الإنسان، لا لشيء إلا لكونه إنساناً وفقط، فهو يستحق التكريم بهذه الصفة، حتى وإن تدني إلى درك الشقاوة والجريمة، فإن السلوك الإنساني الذي تفرضه أخلاقنا أن نعامله بالإحسان، حتى ونحن نسوقه إلى ساحة القصاص.. فإن أحسنتم فأحسنوا القتلة. ومن عظيم ما تحمله أخلاقنا الدفع عن المظلوم، ومن يطالع في السير يفاجئ بحلف الفضول الذي كان الرسول الكريم يفتخر به، ويقول إنه لو دعي إليه لأجاب، رغم أنه كان في الجاهلية، وقبل بلوغ الرسالة، ولكنه حلف يحمل معاني الإنسانية العظيمة، في الدفع عن المظلوم، التي أيدتها الشريعة.. انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. وخلال الأسبوع الماضي شاهدنا انتهاكات متعددة وظلماً واضحاً بيَّناً، يقع ضحيته بعض فئات المواطنين السعوديين، على صفحات الصحف وعلى مواقع اليوتيوب. فقد كشفت صور جمعت من خلال مقطع فيديو نشر في موقع اليوتيوب مؤخراً عنون له ب"هكذا تتم العناية بأبنائنا داخل مركز التأهيل الشامل بوادي الدواسر"، عن بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، أشير إلى أنهم من نزلاء المركز، وقد تم تكبيل بعضهم وترويش آخرين وهم (عراة) من قبل عمال الرعاية وبشكل جماعي، كما أظهر المقطع نزلاء يتناولون وجباتهم على البلاط فيما يتم تغيير ملابسهم بالطريقة نفسها. ومن العجب أن وزارة الشؤون الاجتماعية بدلاً من أن تنكفئ على نفسها وتعالج فضيحتها المصورة نراها قد أسرعت بتشكيل لجنة سرية، بدأت مهام عملها بالوقوف على مركز التأهيل الشامل بمحافظة وادي الدواسر لتقصي الحقائق وتحليل المقطع ومعرفة من تعمد نشره، سواء كان أحد العمالة في المركز أو من الموظفين السعوديين. وفي حادثة ثانية كشفت بعض المصادر الصحفية عن وضع كاميرات مراقبة داخل دورات مياه أحد مراكز التأهيل النسوي الشامل بالرياض، وهو مركز يضم اللاتي يعانين من إعاقات حركية وعقلية، ونقلت صحيفة "الوطن" عن موظفات المركز أن مديرة المركز أكدت لهن وجود توجيه من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بوضع كاميرات مراقبة. وكان رد وزارة الشؤون الاجتماعية أنها توعدت مركز التأهيل الشامل بعقوبات صارمة إذا ثبت فعلاً قيامه بوضع كاميرات داخل دورات المياه لمراقبة النزيلات، وكأنها في غيبة، أو غيبوبة، عما يحدث في تلك الدور، وفي تناقض واضح لما صرحت به المصادر المسؤولة داخل مركز التأهيل نفسه. وفي الحادثة الثالثة أثبت مصدر مسؤول في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" وجود قصور في السكن النموذجي لأيتام محافظة جدة، حيث لا تتوافر فيها أنظمة للإنذار من الحريق، أو كاميرات مراقبة سواء في مدخل المبنى أو خارجه، مع عدم وجود غرفة للإسعافات الأولية، وصالات للطعام، وعدم تجهيز مكاتب للمشرفين. وجاء في رصد هيئة مكافحة الفساد أن المؤسسة لا تتابع أعمال المشرفين على الأيتام في مبنى السكن، وتفقد أوضاعهم، وقد ظهر مؤشر ذلك من خلال عدم معرفتهم بوفاة أحد الأيتام إلا بعد مضي ثلاثة أيام على وفاته، وعددت انتهاكات أخرى في هذا الصدد. إن الوزارة بهذه الجرائم تصنع قنابل موقوتة، حانقة وغاضبة ومتذمرة من مجتمعها ووطنها، ولذا فإننا ندعو إلى ضرورة محاسبة المتسببين في أسرع وقت ممكن، منوهين بأن كرامة المواطنين أمر لا يقبل الجدل، ولابد أن يلقى من أهان كرامتهم جزاءه الذي يستحقه.