اعتبر الصحفي الأمريكي في «الواشنطن بوست» الباحث في شؤون الأممالمتحدة كولمن لينش في مقال له نشر في مجلة «فورين بوليسي» قبل بضعة أيام أن الرئيس السوري بشار الأسد يستخدم سلاحًا آخر غير الأسلحة الفتاكة في قتل شعبه ، هو سلاح التجويع من خلال منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المتضررين من أبناء الشعب السوري ، وأن معظم تلك المساعدات تذهب إلى المناطق التي يسيطر عليها ، وأن الأممالمتحدة بعدم كشفها لحقيقة ما يحدث بهذا الشأن ، إنما تمنح هذا الطاغية تصريحًا بقتل شعبه على نطاق واسع. وفيما يلي أهم ما تطرق إليه كولمن من نقاط هامة في هذا المقال : الصمت المريب سعت الأممالمتحدة خلال الفترة الماضية منذ اندلاع الأزمة السورية إلى عدم إفشاء المعلومات حول حملة نظام الأسد لسد الطريق أمام المساعدات الإنسانية ، وهو ما أغضب منظمات حقوق الإنسان الذين يعتقدون أن الكشف عن هذه الحقائق ، وليس إخفاءها، أمر بغاية الأهمية لأن من شأنه زيادة الضغوط على الحكومة السورية . والواقع أن اعتماد مكتب الأممالمتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في مساعيه لفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية للمتضررين من أبناء الشعب السوري على الدبلوماسية الهادئة ، وفر الغطاء لتجويع وقتل الآلاف من أبناء هذا الشعب ، إلى جانب الفشل الذي آلت إليه تلك الإستراتيجية ، وهو ما دفع بيجي هيكس من منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى أهمية أن تشير الأممالمتحدة بأصبع الاتهام إلى الحكومة السورية بأنها المسؤولة عن هذا القتل الجماعي الذي يتم بطريق غير مباشر، وأنه يتوجب على المنظمة الدولية أن تدرك أن الدبلوماسية الهادئة لها حدود . ويرى لينش أنه يبدو أن الأممالمتحدة لا ترغب في البوح صراحة بالطرف المسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ومنع وصول الطعام والأدوية من الوصول إلى المتضررين . بل والأدهى من ذلك وصول تلك المساعدات الإغاثية للمناطق التي تدعم النظام ، وهو ما دفع البروفسور جشوار لانديس من جامعة أوكلاهوما إلى القول إن الأسد يريد أن يتأكد أنه وحده الذي بمقدوره أن يطعم سوريا ،وهو ما يستوجب على الشعب السوري أن يزحف على الأرض من أجل الحصول على الطعام والمعاش. ويضيف لانديس: إن القوى الغربية ترغب في وقف سيل اللاجئين السوريين ووقف صنبور الهجرة الجماعية من سوريا من خلال ضخ المزيد من السعرات الحرارية للمتضررين ، إلا أنه مع الأسف لا يمكن تحقيق هذا الهدف لأنه يتوقف على الرئيس الأسد الذي يعتبر العائق الأكبر أمام وصول تلك (السعرات) إلى مستحقيها الفعليين. المأساة الكبرى يوجد قرابة 10 مليون سوري في حاجة إلى المساعدات الإنسانية لم يتلق غالبيتهم أي قدر من تلك المساعدات خلال الأشهر الاثني عشر الماضية ، وهو ما دفع أنطونيو جوتيريس المفوض الأعلى للاجئين في الأممالمتحدة إلى القول بأن سوريا أصبحت المأساة الكبرى في القرن 21. ويرى لينش أن المعارضة ارتكبت أيضًا جرائم في حق المدنيين ، لكن تلك الجرائم لا يمكن مقارنتها بجرائم النظام التي ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية. وهو يسخر من تقارير الأممالمتحدة التي تتحدث عن عشرات آلاف القتلى الذين سقطوا منذ اندلاع الأزمة السورية ، دون أن تحدد الجهة المسؤولة عن سقوط أولئك الضحايا !.وهو يضرب مثالاً على تقاعس الأممالمتحدة في تحديد مسؤولية النظام عن جرائم القتل غير المباشر بوقف الحكومة السورية وصول السرنجات الطبية إلى مناطق المعارضة . وتصل المأساة إلى ذروتها باضطرار المدنيين في بعض المناطق المتضررة إلى أكل أوراق الشجر من أجل البقاء على قيد الحياة.ومن الأمثلة الأخرى وضع العراقيل أمام العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية من خلال وضع العراقيل أمام منحهم تأشيرات لدخول سوريا ، ومنعهم من التنقل داخل سوريا من جهة إلى أخرى إلا بعد الحصول على موافقة من الخارجية السورية والصليب الأحمر السوري ووزارة الشؤون الاجتماعية. كما أنه من غير المسموح دخول مواد الإغاثة الإنسانية التي تأتي عن طريق الأردن وتركيا ، لذا فإنه ينبغي وصول تلك المساعدات بشكل مباشر إلى دمشق ليتم توزيعها بعد ذلك عن طريق الحكومة. ومؤخرا بدأت الأممالمتحدة تنتقد الحكومة السورية (بشكل مخفف)، لكنها وهي توجه هذا النقد ، فإنها كانت تنتقد المعارضة أيضًا. التحلل من المسؤولية ظلت وكالة الإغاثة الدولية لعقود عدة تحاول الابتعاد عن دوائر الضوء الاعلامية بحجة الحفاظ على الحيادية، لكن أصوات النقد التي أخذت تتعالى بشكل كبير في الآونة الأخيرة أصبحت تطالب بضرورة تخلي الأممالمتحدة وأجهزتها المختلفة ، بما في ذلك أجهزة الإغاثة الدولية عن تلك الحيادية التي تساوي بين الجلاد والضحية ، وضرورة خروجها عن دائرة الصمت إزاء جرائم الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان ، كما حدث في البوسنة ورواندا وسيريلانكا ، وكما يحدث الآن في سوريا . ويرى ستيفن راتينير أستاذ القانون الدولي في جامعة ميتشجان أنه لا يوجد طريق واحد في التعامل مع موقف كالموقف في سوريا، إذ لا يمكن أن نتعامل مع هكذا موقف صعب بهذه البساطة ، ففي بعض الأحيان نحتاج إلى الدبلوماسية ، وأحيانًا أخرى نحتاج إلى الإدانة ، وقد نحتاج إلى الاثنتين معًا. ورغم ذلك ، سنجد البعض يصرّ على أن اللجوء إلى الخيارات الأخرى في التعامل مع الأزمة السورية ، بما في ذلك المواجهة المباشرة- يمكن أن يؤدي إلى نتيجة معاكسة، وأن النظام السوري يمكن ان يرى في المساعدات الانسانية التي تقدمها الاممالمتحدة للمتضررين من ابناء الشعب السوري بأنها تدخل ضمن الإستراتيجية الأمريكية للتخلص من نظام الأسد ، بما يعني تجريد تلك المساعدات من بعدها الإنساني ، بحيث يعطي هكذا موقف في دلالته العامة استخدام واشنطن للأمم المتحدة كأداة لخدمة مصالحها الإستراتيجية . ويرى هذا الفريق أيضًا أن الأممالمتحدة تحاول من خلال هذا (الصمت المريب) ، عدم استفزاز روسيا ، وأن الدبلوماسية الهادئة يمكن أن تدفع موسكو إلى الاقتراب أكثر من مجلس الأمن الدولي.