صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    تقرير أممي: استمرار تدهور الاقتصاد اليمني وارتفاع أسعار الوقود والغذاء    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بإعداد خطة عسكرية ضد "انصارالله"    صنعاء.. الخدمة المدنية تعلن الخميس المقبل إجازة رسمية    إعلام العدو: ارتفاع القتلى الصهاينة بكمين خانيونس إلى 8    خروج احدى طائرات اليمنية عن الخدمة اثر حادث اصطدام بمطار عدن    بطولة عدن الأولى للبولينج تتوج أبطالها    العدو الصهيوني يعترف بمصرع أحد جنوده في بئر السبع    افتتاح مشاريع زراعية وسمكية بأمانة العاصمة بتكلفة 659 مليون ريال    الإعلام الرياضي وكلية الإعلام يبحثان سبل التعاون المشترك    إدارات أمن عدد من مديريات إب تحيي ذكرى الولاية    تكتل قبائل بكيل يدين قصف قاعدة العديد في قطر ويدعو لتجنيب شعوب المنطقة ويلات الحروب والتدخلات    الأرصاد يتوقع أمطار رعدية على أجزاء من المحافظات الجبلية ويحذر قاطني الصحاري والسهول من التعرض المباشر للشمس    تاريخ المنطقة خلال سبعة عقود تم تلخيصه في عامين    الرئيس الزُبيدي يبحث مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي الأوضاع الراهنة في بلادنا وسُبل دعم جهود السلام    بعد وداع المونديال.. الأهلي يريح لاعبيه 18 يوما    الأندية المغادرة والمتأهلة لثمن نهائي كأس العالم للأندية    وفاة امرأة في عدن جراء انقطاع الكهرباء    إصابة 7أشخاص بحادث مروري بذمار    الوزير الزعوري يشيد بمشاريع هيئة الخليج وعدن للتنمية والخدمات الإنسانية وجهودها في دعم الفئات المحتاجة    ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يدين الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الجوية في قطر    وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح    كم كسب الأهلي ماليا من كأس العالم للأندية 2025    الصحة الإيرانية تعلن استشهاد 44 سيدة و13 طفلاً في هجمات الكيان الصهيوني على إيران    استشهاد وإصابة61 مواطنا بنيران العدو السعودي الأمريكي الصهيوني في صعدة    - عنوان ممتاز وواضح. ويمكنك استخدامه كالتالي:\r\n\r\n*الأوراق تكشف: عراقيل تهدد إعادة فتح فندق موفنبيك \r\nعراقيل مفاجئة أمام إعادة افتتاح موفنبيك صنعاء... والأوراق تفتح الملف!\r\n    من يومياتي في أمريكا .. مؤتمر وباحث عن فرصة عمل    "حققنا هدفنا".. الحكومة الإسرائيلية تعلن رسميا سريان وقف إطلاق النار مع إيران    وفاة وكيل وزارة الثقافة عزان    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    المجلس الأعلى للطاقة يقر حلول إسعافية عاجلة لتوفير وقود لكهرباء عدن    موقف غير أخلاقي وإنساني: مشافي شبوة الحكومية ترفض استقبال وعلاج أقدم كادر صحي في المحافظة    اليمن تضع إمكانياتها تحت تصرف قطر وتطلب من المغتربين عدم العودة لسوء أوضاع وطنهم    هلال الإمارات يوزع طرود غذائية على الأسر الأشد فقرا بشبوة    "العليمي" يفرض الجزية على حضرموت ويوجه بتحويل 20 مليار ريال شهريا إلى إمارة مأرب    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    حان وقت الخروج لمحاصرة معاشيق    بوساطة قطرية.. اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    أوساكا.. انتصار أول على العشب    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    - من هو رئيس تحرير صحيفة يمنية يلمّح بالزواج من إيرانية ؟ أقرأ السبب !    تحركات مشبوهة للقوات الأجنبية حول مطار المهرة ..    هيئة الآثار والمتاحف تسلم 75 مخطوطة لدار المخطوطات بإشراف وزير الثقافة    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    إيران تنتصر    مرض الفشل الكلوي (9)    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأساطير المؤسسة للإسلام السياسي - الأهرام المصرية - صلاح سالم
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 12 - 2013


صلاح سالم
يؤسس الإسلام السياسي حضوره التاريخي في مجتمعاتنا العربية, وادعاءه بحق التحكم في مصائرها, علي عدة أقانيم يراها صحيحة وجوهرية ونراها زائفة وهامشية. والأقنوم هنا يعني مفهوما استقر تصديقه لدرجة الإيمان به وربما تقديسه, وتوقفت كل محاولات مناقشته أو مسائلته.
{ أما الأقنوم الأول فهو أن الدولة' الإمامة الكبري' قضية عقدية, لا يصح الدين دون إقامتها. ولأن دولة الإسلام الأولي التي قامت بعد وفاة الرسول الكريم( ص) قامت علي هيئة( الخلافة) فقد ترتب علي ذلك أن صارت الخلافة هي فقط الدولة الإسلامية( الشرعية), وما عداها ليس إلا تنازلا عن الحاكمية الالهية( الربانية) لصالح حاكمية إنسانية( دنيوية).
هذا الفهم( الإيديولوجي) إنما يتنكر لحقيقة أن الإمامة لا تندرج في إطار العقائد, التي يبقي معيار الخلاف فيها هو' الإيمان' و'الكفر', بل في إطار' الفروع' التي يبقي معيار الاختلاف حولها' الصواب' و'الخطأ'!. وهو ما تتفق عليه جل المذاهب الكلامية, ولم يخالفه سوي الشيعة الذين قالوا بالوجوب الإلهي للإمامة مع ما يترتب علي ذلك من العصمة والكمال.كما يسكت عن حقيقة أخري وهي أن حاكمية الإنسان علي الأرض هي حاكمية مفوضة إليه, باعتباره الطرف الثاني في عهد الاستخلاف, الذي يمثل الله, جل شأنه, طرفه الأول المانح, ما يمنحه الحق في تأسيس سلطته الزمنية علي اجتماعه البشري, كمجال لفاعليته وحضوره الواعي في التاريخ. ويسكت أخيرا عن حقيقة ثالثة وهي أن الخلافة نفسها, كنمط لبناء الدولة, إنما تشكلت ضمن ملابسات تاريخية, لعبت فيه الصدفة دورا كبيرا, وعبثت بها الأهواء كثيرا حتي استحالت ملكا عضودا, وتحولت من ذروة للعدل والتقدم في البدء إلي وهدة للتخلف والظلم عند المنتهي.
{ والأقنوم الثاني هو أن الإيمان الصحيح/ إيمان الأوائل يظل هو آلية الفعل الأساسية المؤثرة في صناعة التاريخ, كما كان علي زمن الرسالة, بما يبثه في الفرد المسلم من روح التضحية والجهاد وصولا إلي نموذج' الشهيد', بغض النظر عن الوسائل التي يحوزها, أو يمارس جهاده بها والتي تحتل مرتبة تالية في الأهمية طالما توفرت الرغبة العميقة في بذل النفس, عبورا إلي العالم الآخر' الحقيقي' الذي يخلو من الشر والزيف إلي درجة تدفع كل مسلم صالح إلي طلب الموت/ الشهادة, إذ تقول أحد الأدبيات الرائقة لهذا التيار مفاخرة:' نحن طلاب موت'.
في هذا السياق نلمس تحريفا للفهم الإسلامي الرائق لمعني الجهاد يدفعه باتجاه عدمي تختل معه العلاقة الدقيقة المتوازنة بين طرفي الثنائية الوجودية' الشهادة الغيب' أو' الدنيا الآخرة' لصالح عالم الغيب, إذ يستحيل عالم الشهادة الدنيوي/ الواقعي/ الإنساني إلي مجرد لحظة عرضية بلا قيمة أو معني في ذاتها, ولا دور لها سوي بلوغ عالم الغيب/ الآخرة, الذي من أجله يتم إهدار الوجود الإنساني, عندما يندفع المسلم إلي حافة الموت من دون تعقل, وليس إلي الرضا به إيثارا لله عند الضرورة القصوي.
وهنا تتبدي المفارقة الكبري, فالكثير من المسلمين صاروا يعرفون كيف يموتون في سبيل الله, ولكنهم لا يعرفون كيف يحيون في سبيل الإسلام, بعد أن تحول مفهوم الجهاد عن صورته الصحيحة التي تعكس نزوعا مثاليا إلي التضحية, ونزوعا أخلاقيا إلي حياة فاضلة, إذ تبدأ بجهاد النفس لردها عن ضعفها وشهواتها, وتنتهي بجهاد طواغيت البشر لتحرير إرادة الإنسان ومنحه حق الاختيار, إلي صورة عنيفة تربطه بنزعة عدمية تصل ذروتها في سلوك الإرهاب, فهنا نصير أمام شر مستطير يمارس بحرارة الإيمان, وإن بإغواء الشيطان!, يمارس من قبل مسلم يدعي أنه أكثر إسلامية, بوعي كامل وإرادة مسبقة, فيقوم بالقتل والإيذاء وهو يكبر باسم الله, مروعا النفس الإنسانية دون ذنب جنت, ومهدرا الرؤية الإيمانية للوجود دون فهم مثبت.
{ وأما الأقنوم الثالث فهو أن توحد الجماعة المسلمة كفيل وحدة, بإقالة الأمة من عثرتها وتمكينها من زمام التاريخ دونما حاجة إلي النقل عن الآخرين أو الاقتباس منهم, أو حتي التلاقح معهم, فكل معرفة وأي فضيلة موجودة في نصوص الإسلام لا ينال منها الزمان. ومن ثم تصبح الوحدة الإسلامية حول الإيمان الصحيح هو الهدف الأمثل الذي يجب علي مخلصي الأمة التوجه صوبه أما غير ذلك فهو انحراف من كليهما عن القصد والسبيل الصحيح. وهنا يتم تجاهل قيمتي المعرفة, والحرية اللتين صنعتا الحضارة الحديثة, واللذين يبقي الإنسان في غيابهما, مجرد ساكن لكهف عتيق, ولو كان الكهف واسعا وممتدا بطول عالمنا الإسلامي, طالما ظل كهفا, ممتلئا بالظلام والجهل.
هذا التيار, الذي تهيمن عليه أوهام الخلافة, يستعلي علي الوطن فلا يعطيه التقدير الكبير لأنه ليس إلا اختراعا حديثا, محض بدعة, ومن ثم ضلالة, لا تمت إلي الله بصلة. ولأن كل ضلالة في النار فمن المفترض في المؤمن الكيس الإبتعاد عنها طلبا للسلامة. ورغم أن كثيرا من مفردات القرآن الكريم فضلا عن روحه تتحدث عن حب العشيرة, وأهمية الإنتماء لجماعة, من دون نفي حب المؤمنين جميعا, والإنتماء لرسالة الإسلام الكونية, يتجاهل هذا التيار ذاك المغزي وما يرتبة من قيمة للوطن, معيرا كل جهده لشراكة الإيمان وحدها باعتبارها الرابطة الوحيدة( المقطوع بها نصا) لصوغ كيان الجماعة المؤمنة وإن تمددت من الشرق إلي الغرب, ومن الشمال إلي الجنوب, وإن تغير الزمن وتمايزت الأحوال علي نحو يستحيل معه حصرها, والتحكم في تنظيمها, بينما يصير الوطن الذي يظلنا جميعا, إذ نعيش علي أرضه ونتمتع بحمايته, أمرا عابرا, وحتي لو فرضه الواقع كحقيقة راسخة, فأنه يبقي الحقيقة( المرة) التي يقبلونهها علي مضض.
وإذا كان الوطن الغالي عندهم هو( الحقيقة المرة) فليس المواطن العادي لديهم سوي ذلك الكائن الغريب, الذي أجبروا علي التعامل معه وتحمل سوءاته, أما المواطن الحقيقي فليس هو الجار القريب, صديق العمل أو زميل النادي والحزب والنقابة, أو حتي رفيق الدم والحرب ضد الأعداء, بل هو فقط الشريك في العقيدة السلفية أو الإخوانية, الأخ في الله, الذي قد يبتعد كثيرا في الأرض وصولا إلي أقصي الشرق في باكستان وماليزيا وربما الصين والهند, وإلي أقصي الغرب في قلب أمريكا الفاجرة حيث كانت الغزوة الناجحة, وروسيا الملحدة حيث كانت الشيشان الصامدة, وأوروبا الصليبية حيث البوسنة الشامخة, فجميع هئولاء إخوان حقا, مواطنين فعلا, شركاء في وطن متخيل, ولكن حضوره يفوق الوطن الواقعي. إنه الوطن الذي يشتاق إليه فلا يزدري علمه أحد ولا يتجاهل نشيده أحد, ولا يملك أيا من كان أن يقول له' طظ'.. الوطن الذي يضم مواطنين مفترضين ولكنهم أقرب إلي النفس من المواطنين الحقيقيين, أقرب من هذا الليبرالي عن اليمين, وذاك الإشتراكي عن اليسار, وذلك القبطي في الخلف وفي الأمام, والذين هم جميعا فجار وربما كفار, يزاحمونهم بأجسادهم من دون أن يقاربوهم بأرواحهم, ينادون بقيم بالية, ويتمسكون بانتماءات وثنية, منها الإنتماء لذلك الذي يسمونه( وطنا).
لا يحتفي هذا التيار حقيقة بالوطن, كونه من عمل الإنسان وهو لا يحتفي أصلا بالإنسان, وكونه نتاجا للعقل وهو لا يحتفي أصلا بالعقل, وكونه خلاصة للتجربة التاريخية وهو لا يحترم لا التجربة ولا التاريخ باعتبارهما ليس إلا تجسيدا لل( مدنس), فيما لا يقدر هو سوي الإلهي ال( مقدس), متجاهلا حقيقة أن العقل أيضا, وليس فقط النص, وربما قبل النص, يمثل عطاءا إلهيا, وأن اجتهاداتنا عبر التاريخ ليست إلا استثمارا لذلك العطاء واحتفاء به, ولذا كان احترامنا للوطن, محض احترام لجوهرنا العقلاني الذي رسخه الله فينا ومنحه إيانا, قرينا وضمانا لرسالة إستخلافنا علي الأرض, تلك التي لا تكون ولا تقوم من دون بناء الأوطان, مدخلا لترقية الحضارة واعترافا بقيمة الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.