الصراعات على المناصب قاسم مشترك بين سلطات الحرب.. نموذجان من عدن وصنعاء    الحكومة: مليشيا الحوثي تعمق الأزمة الاقتصادية عبر تزوير عملات معدنية    تدمير مستوطنة أثرية جنوب صنعاء وسط صمت رسمي    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (4)    أعطني حرفاً.. أعطك أمة    بدء التعامل بها من أمس الأحد.. البنك المركزي يعلن عن سك عملة معدنية من فئة (50) ريالا    استمراراً في الموقف اليمني الصادق والمساند.. الساحات اليمنية.. غزاوية فلسطينية    الجيش الإيراني: مستعدون لحرب تستمر 10 سنوات    أكدت أن حظر الملاحة البحرية يقتصر على الكيان الصهيوني فقط.. الخارجية: المبعوث الأممي تجاهل الأسباب الجذرية للتصعيد في البحر الأحمر    زار الأكاديمية العليا للقرآن الكريم وعلومه.. الدكتور بن حبتور يطلع على سير العمل في قطاع النظافة بأمانة العاصمة    وزارة العدل وحقوق الإنسان تدشّن الرابط الإلكتروني للدعوى والخدمات الالكترونية    الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة تنظر في قضية خلية "إرهابية" تزعمها مصري الجنسية    مجلس إدارة المعهد العالي للقضاء يقر مشروع تعديل لائحة الاختيار والقبول للدُفع المتقدمة    مرض الفشل الكلوي (12)    صنعاء تستكمل ازالة المطبات نهائيا من 3 خطوط رئيسية ..!    السامعي يعزّي آل العريقي والسامعي    عدن.. البنك المركزي يحذر من التعامل مع العملة الحوثية المزورة    أزمة مياه خانقة في تعز.. غضب شعبي وعجز حكومي    صنعاء.. إنشاء محكمة للزكاة وتعيين رئيس لها    ناشيونال إنترست": حزب الإصلاح بوابة الإرهاب داخل المجلس الرئاسي    رئيس جامعة صنعاء يؤكد أن الاعتماد الدولي لكلية الطب هدف استراتيجي    أكبر 20 انتصارا لبرشلونة بالقرن ال21 وريال مدريد من ضحاياه    سوريا توقع اتفاقا ب800 مليون دولار لدعم البنية التحتية للموانئ    وزارة الشباب تمنح نادي وحدة ذي السُفال باب شهادة الاعتراف النهائي    "فيفا" يصدر قرارات جديدة بشأن صحة وراحة اللاعبين    مع التصعيد الحوثي.. وزير النقل يدعو لحماية خليج عدن من التلوث البحري    علاج حساسية الأنف    مليشيا الحوثي تُصفي شيخا قبليا بارزا في عمران وغليان قبلي يستنفر المنطقة    انطلاق مهرجان أرخبيل سقطرى للتمور بمشاركة واسعة ومنافسات مميزة    وزارة التربية تعلن موعد انطلاق العام الدراسي الجديد 2026/2025م    أعمال إزالة وتسوية ورفع مخلفات الحرب تمهيدا لاعادة فتح طريق رئيسي يربط بين جنوب ووسط اليمن    إب.. العثور على جثة فتاة جرفتها السيول معلّقة في شجرة    سوق الصرف الموازية خلال يومين.. ثبات في صنعاء وتذبذب في عدن    للتخلص من حصوات الكلى... 5 علاجات طبيعية يمكنك اتباعها في المنزل    40.6 مليون نسمة سكان اليمن في 2030    خلايا جذعية لعلاج أمراض الكبد دون جراحة    الانهيار الكارثي للريال اليمني: أزمة تهدد وجود المواطنين    القوة الأسيوية والطموح النازي الغربي    حقيبة "بيركين" الأصلية تسجل أغلى حقيبة يد تباع في التاريخ، فكم بلغت قيمتها؟    سلطة شبوة تفتقد للوفاء والإنسانية ... مات الدكتور الصالح دون اهتمام    مبعوث أمريكا يهدد لبنان: تسليم سلاح حزب الله أو ضمكم لسوريا    إيجا تُدخل بولندا قوائم أبطال ويمبلدون    تاريخ مواجهات تشلسي وسان جيرمان قبل مواجهتهما بنهائي كأس العالم للأندية    بعد 98 عاما.. بريطانيا تكسب «زوجي» ويمبلدون    عقوبات تنتظر الهلال حال الانسحاب من السوبر    - جريمة مروعة في محافظة إب: طفلة بريئة تتعرض للتعذيب على يد خالتها وزوجة أبيها    خبير انواء جوية يتوقع هطول أمطار غزيرة على المرتفعات وامتدادها إلى اقصى شرق البلاد    مودريتش لريال مدريد: إلى لقاء قريب    خاطرة عن الفضول في ذكراه    وسط تحذيرات من انهيار الوضع الصحي.. تزايد حالات الإصابة بالأوبئة في ساحل حضرموت    الضالع.. عناصر أمنية تعبث بموقع أثري وتطلق النار على فريق من مكتب الآثار بالمحافظة وتمنعه من الدخول    مات كما يموت الطيبون في هذا البلد..!    العثور على نوع جديد من الديناصورات    يهودي من أبوين يهوديين.. من هو الخليفة أبو بكر البغدادي؟    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان .. الاستقلال لا يشيخ - الرياض السعودية - منح الصلح
نشر في الجنوب ميديا يوم 06 - 11 - 2013


منح الصلح
تقنيات صاحبت ولادة الاستقلال اللبناني وأولها حرص الاستقلاليين منذ اليوم الأول على عدم تصوير المشروع الاستقلالي اشتباكا مع حضارة الغرب، فالرفض هو للاستعمار حيثما تجلى وليس للتقدّم، والعداء هو لنزعة التسلّط والهيمنة ليس الا، والتعدد الاجتماعي والسياسي والثقافي موضوع احترام بل ثروة ينبغي الحفاظ عليها
احتفل لبنان بذكرى استقلاله السبعين عن المحتل الفرنسي. والسبعون هي سن الشيخوخة. لبنان لا يشيخ، بل تعصف به أزمات تحفر علامات الهرم على وجهه. وها هي الذكرى العزيزة تأتي، وأجزاء واسعة من أراضيه في البقاع، وعاصمته الثانية طرابلس تحت وطأة تهديد أمني خطير. ولبنان منذ تأسس قام على ثنائية جبل لبنان ومدن الساحل أي طرابلس وبيروت وصيدا.
هذا الثنائي العريق كان قد أقضّ مضجع الانتداب بالممانعة ليصل بلبنان الى رحاب الاستقلال مع قيادة بشارة الخوري ورياض الصلح. ورافق ثنائي الجبل والساحل، بعض ثنائيات شعبية ذات طبيعة رمزية تبسيطية مفهومة عند الناس في زمانها كالبسطة والجميزة والكتائب والنجادة، وكلها مقصود به في زمانها استجماع الذات الوطنية اللبنانية الواحدة لكونها القاعدة والعصب في الصمود الوطني السياسي ضد الانتداب بقيادة رياض الصلح، شاغلا بطربوشه وبحركاته وتحركاته رأس الانتداب الفرنسي، مراهنا على الطلاب في الحكمة والمقاصد والجامعة الأميركية، عارفا ماذا ستكون في الغد عناوين الصحف والطريق التي ستسلكها الجموع وأي مجموعة كشفية مسلمة ومسيحية ستنشط.
لكن رياض الصلح عميق الأغوار والحسابات كان يعرف جيدا، ولو أخفى عن الكثيرين، هذا الاعتقاد أن الشارع السياسي الأهم والأكثر تأثيرا في المفوضية الفرنسية والدول وسورية بالذات، هو الشارع الطرابلسي، بعد البيروتي، لذلك كان شديد الاهتمام بطرابلس بكل قياداتها.
وكان رياض وهو السياسي المتابع الخبير يعرف منذ تلك الايام أن الثقل السياسي بالنسبة للسياسة الدولية والعربية هو في بيروت وطرابلس ثم غيرهما. فبيروت وطرابلس هما الأساس في عروبة لبنان وهما المدينتان اللتان تقرران اذا كان لبنان سيكون عربيا ام لا، وهما بالاضافة الى الجبل الرمز الدائم والأهم والضمانة الأولى والأخيرة للسياسة الاستقلالية العربية.
ولعل ذلك نفسه ينطبق الى حد كبير على صيدا فاذا كانت بيروت السياسية قوية واذا كانت طرابلس معها وكذلك صيدا يدا بيد فإن لبنان العربي قوي فاعل.
كان رياض يحب صيدا حبه لبناته، يحب بيروت بالدرجة الأولى في لبنان، ولكنه كان يعرف أن لبنان العربي القوي القادر هو في حاجة دائما الى ثنائي بيروت طرابلس.
كان رياض على حبه التاريخي والموروث لصيدا يسأل دائما عن حال السياسة في بيروت وطرابلس فاذا قيل له إنهما بخير دخل السرور الى قلبه، وقال إن لبنان المستقل العربي صخرة لا تتزحزح.
وفي ترشحه عن صيدا والجنوب كان رياض معبرا عن اإسلام سمح واسع الافق، وفي تفكيره الدائم في طرابلس كان يعطي كل ذي حق حقه كرجل دولة عربي له روابط قلب وعقل وروح في كل مكان من أرض العرب، كان كما قال عنه المرحوم الكاتب محمد النقاش في احدى الصحف "ثائر مبطن برجل دولة".
لقد كان للتنسيق الموضوعي والمبدئي بين الزعامتين الوطنيتين البارزتين في بيروت وفي طرابلس أثر كبير في تعزيز العمل الوطني كما كان له أثر في دعم النضال السوري ضد الانتداب وصولا الى الاستقلال، ويروي المرحوم مالك سلام الذي كان يعمل في ذلك الزمن كمستشار في السفارة الأميركية، أنه كان حاضرا في زيارة قام بها الرجلان رياض وعبدالحميد معاً الى المندوب الفرنسي في قصر الصنوبر مطالبين بإسناد رئاسة المجلس الى شيعي للمرة الأولى وكان الرئيس صبري حماده.
بين شهود تلك الفترة وعارفي تطوراتها من كان يعدد الفوائد والأثر الايجابي بل وحقيقة الاستقواء القومي والوطني جراء سياسة التنسيق بين الصلح وكرامي سواء في رص الصف بين متماثلين في السياسة العامة او للصمود في وجه الخارج الدولي أو للتنسيق بين زعامات الساحل كما كانت تسمى في ذلك الوقت زعامة رياض الصلح في بيروت وصيدا وزعامة كرامي في طرابلس التي لم تكن تستطيع التخلي عن بيروت وهي لم تفعل ذلك في الماضي رغم وجود قوى خارجية كانت تغذي عندها نزعة الابتعاد عن بيروت.
يكون أي حاكم في بيروت ضعيف الخيال اذا تصور أنه يستطيع أن يفعل الكثير لنفسه اذا هو أسقط من حسابه أن طرابلس ليست مجرد بلدة عادية بل هي موقع قوة كبيرة اذا أضيف لمدينة بيروت فإن القرار المؤيد من المدينتين يزداد ثقلا ومهابة لا في عين رئيس الحمهورية أيا كان فقط بل في نظر الجميع. بل ان السياسة المدعومة من بيروت وطرابلس تكون من الفعالية والمهابة بحيث يعلو بها كرسي رئاسة الحكومة، ويزداد وزنا ودورا في كل العالم العربي.
هذا وإن طرابلس كانت دائما معتبرة مدينة وطنية وعلم.
وعلاقة طرابلس بالذات كانت دائما قوية مع مصر كبرى الدول العربية، والعلاقات بين القطرين منذ ايام الرافعيين كانت سياسية وغير سياسية دينية وثقافية. وفي دراسة للمرحوم نقولا زيادة عن العلاقة بين مصر وبلاد الشام، روى أن أول شيخ ذهب للدراسة الدينية في الأزهر من بلاد الشام كان شيخا من طرابلس من آل الذوق احدى العائلات الطرابلسية المعروفة. ولكن الرافعيين هم من كانوا الابرز والاكبر دورا في مصر.
بعد هزيمة فلسطين مباشرة، أطلّ لبنان سبّاقا في استشعار الخطر الصهيوني عليه لا نتيجة للهجرة الفلسطينية فقط وهي التي غيّرت من طبيعته، بل من قبل ذلك منذ أصبح الطرابلسي فوزي القاوقجي قائدا في فلسطين للثورة الفلسطينية.
واذا كان لبنان قد استقل عام 1943 والحرب العالمية لما تضع أوزارها بعد، فالفضل في ذلك الى حد بعيد للسلامة الوطنية في شعبه وللمستوى الرفيع لقياداته التي عرفت كيف تعمل على الرهان على عوامل الجمع بين اللبنانيين دون عوامل التفريق، بل كيف تحوّل التغلّب على الصعوبات وعلى خلافات الرأي فخرا للوطن بل نعمة على الأمة.
ليس لبنان وطن المعجزات، ولكنّه كان وما يزال وطناً من نوع خاص أخذ فخره من كونه الاستقلالي في التعدد، كذلك التعددية اللبنانية ظلّت فخورة بأنها كانت أيضا وظلّت استقلالية.
تقنيات صاحبت ولادة الاستقلال اللبناني وأولها حرص الاستقلاليين منذ اليوم الأول على عدم تصوير المشروع الاستقلالي اشتباكا مع حضارة الغرب، فالرفض هو للاستعمار حيثما تجلى وليس للتقدّم، والعداء هو لنزعة التسلّط والهيمنة ليس الا، والتعدد الاجتماعي والسياسي والثقافي موضوع احترام بل ثروة ينبغي الحفاظ عليها، أما العروبة فهي ليست البغضاء الا للاستعمار والاستبداد، في الوقت الذي هي أخوة نزيهة مع سائر العرب وشراكة في الدفاع عن النفس والهوية الجامعة للعرب في وجه الصهيونية وقوى التسلط العالمي حيثما كانت.
ولو تعمقنا في اللغة السياسية للبنان الاستقلالي لرأينا أن مجموعة الثنائيات التي ذكرناها وطرح من خلالها لبنان قضاياه تتأرجح بين نوع الفولكلور السياسي الذي يقدّم به لبنان نفسه على أنه وطن عزيز على أهله عارف لحجمه المادي متمسّك بالعيش المشترك لا يخجل بفولكلورياته سواء بالتعبير أو بالمضمون حين تكون هذه الظواهر صدى لحجمه الجغرافي وتعبيرا لروح الحرية والكرامة عند أهله.
يشعر الباحث حين يستعرض ما كان يقوله الصف الأول من الاستقلاليين قبيل المعركة الاستقلالية وكأنما كان هناك فريق عمل وكتابة مهمته شد اللبنانيين وتوحيدهم بسحر كلمات وعبارات وطروحات مكتوبة بأقلام ماهرة بل استثنائية في جودتها التعبيرية.
محتواها ومهمتها الأولى والأهم النجاح في إعطاء اللبنانيين شعور المرور بلحظة تاريخية لن يشبه ما بعدها ما قبلها. ولعبت الكلمة دورا كبيرا في تصور لبنان لنفسه ودوره ومكانه في محيطه العربي وفي العالم وغالبية الكبار من ساسته ان لم يكونوا من أهل القلم فانّهم كانوا من متذوقي الكلمة المؤمنين بأن المعاني السامية تولد عادة مرتدية أثوابها الكاملة. بل لعل توق لبنان الى أن يسجل نفسه في التاريخ هو وكما كان يقول عمر فاخوري نوع من أخذ الثأر لحجم لبنان الجغرافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.