شعر : حبيب الصايغ سأنسى، أقول، وأنسى الذي قلتُ حتى يلح على جسدي ألف وهم ووهم، فلا أتأبط شرا، ولا أتأبط رأس فتاتي البعيده وفي الليل أمضي إلى الليل عليّ ألاقي ظلال الفتاة التي حرمتني حياة طبيعية منذ كنت، فيأمرني هاجس عابر أن أعود، فكيف؟ الرواية أبعد مما أرى، وحياتي متاخمة لمماتي، مجاورة لحياة سواي، فكيف أبرئ نفسي، ونفسيَ أسوأ مما أظن، وأسوأ مما تظنون، لكنها، في اكتمال الخراب، وجودي، فكيف يعاند كون وجوده ؟ أنا العاشق الواضح، الغامض، المستبد، المهادن منذ الخليقة، كيف أعود وقد تعبت قدماى من الركض في الليل، كيف أحبك يا أنت أكثر، أو أتذوق حزني الجديد، لأقنع جنية مثلاً أنني عاشق، واضح، غامض، مثلا، كيف؟ لا العمر يصفح، لا الفن يسمح، لا القبرات الكفيفات بين يدي نبعهن، ولا كائنات المكيده . أسافر بين الضمائر والشام منحوتة في ضمير المخاطب كالوشم، كالحلم، أو كالشتيمة، لا فرق، بين الضمائر ترسلني الريح حتى كأنيَ طفل الحياة المدلل، حتى كأني سدى أو سديم، وحتى كأني اليتيم الوحيد لهذي الحياة الوحيده . ولدتني الحياة على طرف الأرض، لم أتزحلق، لأن ملائكة في المصادفة المستحيلة كانوا حواليّ، وابتسموا، قهقهوا حين غنيت أول ما ولدتني الحياة، وغنيت . رددت الأرض آيات حريتي حين غنيت، وانتشر الفرح الساحر، الآسر، المستحيل إلى أبد الروح، وانتشر الدم في الروح، روحي وروح القصيده . وغنيت، غنيت، أسكرتُ حولي نجوم الظهيرة، غامرتُ، قامرتُ، أذهلني في مقام النهاوند صوت عميق، فأسرجت ليليَ كالخيل . هل أعبد الشك، أم أختفي في اليقين، وأي يقين وأغنيتي بالعويل الخفي مضرجة كالطريده؟ وغنيت، أثخنت باللحن جرح انتظاري، وطوقت بالنار تمثال حريتي في فضاء القرون، وعدت لأبعث في طرقات المتاهة ما يستقيم وذكرى الضباب الخرافي . ليست يدي لأقطّعها بالسكاكين، ليس غدي لأقلد إمعة الوقت، ليس جنوني لأذهب في الخوف أو في الشجاعة، ليس الشتاء الأخير، وليس اللقاء الأخير على حافة الأبجدية، ليس اختلاف الزهور على نسمات الهواء، وليست سقوف البيوت الخفيضة مثل السماء، وليس جموح الأماني العنيده . ولست أغني لأنسى، ولكن ذاكرتي حرة في اختراع الأباطيل . قلت الغناء مفيد لتقوية القلب والعضلات، فغنيت . قلت الغناء مليء بفاكهة التين والفيتامين، فغنيت . قلت الغناء يعالج ضعف المحبين ثم يخبئ أسرارهم في السرير وتحت السرير، فغنيت . قلت الغناء كفيل بتربيتي من جديد، بعيداً عن الوالدين وحسرة ماض من النصح والصفعات، فغنيت . قلت الغناء اللذيذ يؤدي إليّ، إلى بهجة الروح في مهجة الاشتهاء، فغنيت . قلت الذي قلت، ما لم أقل قلته في مساء الحنين، فعدت إلى صورتي في صباح الفجيعة قبل دخول المسامات في الماء، قبل دخولي المجلجل في جسدي، وقبل غنائي وبعد غنائي .