، المثال الأشهر في وجدان العلماء وفي ميكانيكا الكم، هي تجربة ذهنية هدفها الأساس إيضاح تأثير الوعي الإنساني في عملية الرصد والقياس وحسم الأمور. تقوم فكرتها على تخيل أن ثمة قطة محبوسة في صندوق معدني مغلق، يقبع معها في الصندوق عداد وكمية من مادة مشعة وزجاجة من سم السيانيد، ويكون طبعاً احتمال تحلل ذرة من المادة المشعة بعد ساعة واحدة ممكناً، إن تحللت الذرة فسيقوم العداد بطرق مطرقة تكسر زجاجة سم السيانيد الذي سيندفع ويقتل القطة. بعد ساعة سيكون الصندوق مغلقاً وأنت لا تعرف إن كانت القطة ميتة أم لا، وما لم تفتح الصندوق وتتأكد بنفسك فإن القطة تبقى في حالة مركبة بين الموت والحياة، فهي حية وميتة في ذهنك، هناك حالة شك لن تتلاشى إلا بفتح الصندوق، لا توجد نتيجة للتجربة ما لم تتم ملاحظتها، وما لم تكن أنت فيها. يشبه الأمر عندما يصلك خبر وفاة شخص ما، لكنك في الوقت ذاته تكتشف بأنه توفي منذ عام، فهذا يعني أن ذلك الشخص كان حياً- بالنسبة لك- طوال العام الذي لم تكن تعرف فيه بوفاته، رغم أنه كان ميتاً في الواقع، لكن ما هو الواقع إذا لم تكن أنت فيه؟ قصة عصا سليمان تحمل شيئاً كهذا، فالجموع لم تعرف بوفاة نبيها سليمان وكانت بين شك ويقين حتى أثبتت وفاته العصا المأكولة. كل المسارات تبدو صحيحة في دماغك، خصوصاً لو تساوت الاحتمالات لكنك لا تعرف أياً منها هو الأصح إلا من المكان الذي يقف فيه الملاحظ، فقط أحكم على رؤيتي أنا حسب الجهة التي أقف عندها من التجربة، وغيرها يبقى حالة مركبة لا تصلح لاعتمادها أو جعلها أساساً في حياتنا العامة والعلمية أيضاً ما لم نفحص ونقف ونرصد ونسجل، ويكون الوعي حاضراً فلن نصل لشيء. أي خياراتك في الحياة سيكون هو الصحيح؟ لن يتحقق ذلك إلا باختبار عملي يضيء لك المشهد، لكن البعض لا بأس لديه أن يعيش تلك الحالة المركبة ثم يبني فوقها القرارات ويختار بعشوائية، أو قد يطلق آراء وتصورات وقواعد بناء على أمر غير موجود وغير ملاحظ، إنما يقيمه بنموذج في خياله أو أمانيه، بالرغم من أنه لم يوجد بشكل فعلي وسط الخيار ليتحسسه عن قرب ويعقد المقارنة ويعيش الحالة. لابد من استجماع الوعي وفتح الصندوق وتدوين الملاحظة وقول الكلمة النهائية التي تفكك هذا التركيب لنؤسس لتجارب مُختبرة وموثقة وبالإمكان الاعتماد عليها ووضعها كأساس يخدم في حالات كثيرة، فالقرارات والخيارات والتجارب أمور مهمة تتطلب مثولك فيها وينبغي ألا تُبنى على كف عفريت. The post قطة شرودنغر appeared first on صحيفة الرؤية.