حقق المتمردون في مالي تقدماً غير مسبوق باستيلائهم على مناطق شاسعة في الشمال. وتقول التقارير الواردة من الخطوط الأمامية، إن أعداد النازحين يتزايد في اتجاه الجنوب، وأصبحت مدينة موبتي شبه خالية من السكان خوفاً من تقدم المسلحين المتشددين. ويقول أحد زعماء ميلشيا «أبناء الأرض» ويدعى عبده ديالو أن أهالي موبتي مستعدون للقتال من أجل أرضهم، ويقال إن تعداد هذه المليشيا يفوق 1000 رجل، إلا أن هذه الجماعة تفتقد للسلاح وتطلب المساعدة. ويرى المراقبون أن انهيار مالي، الواقعة في قلب الساحل الإفريقي، سيكون كابوساً حقيقياً للقارة السمراء. ويتمكن بذلك مسلحو تنظيم «القاعدة» من الاستحواذ على مساحة تضاهي ولاية تكساس الأميركية، ينطلقون من خلالها إلى أماكن أخرى. ويقول شهود عيان إن المنطقة باتت تخضع لقوانين أكثر تشدداً، وربما ستكون ملاذاً لكثير من المتشددين وحتى تجار المخدرات، إذ تعتبر مالي إحدى محطات التهريب إلى الشمال. وقبل إن تتخذ الأسرة الدولية قرارات سريعة وإجراءات حاسمة لوقف التدهور الأمني في منطقة الساحل، قوبلت الأحداث الأخيرة بشيء من الحيرة والارتباك على المستويين الإقليمي والدولي. لم يكن الكثير يسمع عن مالي قبل الحرب في ليبيا التي انتهت بسقوط نظام معمر القذافي، وانتشار ظاهرة تهريب السلاح في منطقة الساحل. وتوصل الغربيون إلى أن استعادة شمال مالي من المتمردين لن يتم إلا بالقوة. ويقول ضابط في الاستخبارات الفرنسية، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن «الأمر ليس بهذه السهولة، وليس بمقدور أي طرف أن يقوم بالمهمة بسرعة». ويرجع ذلك إلى عدم وجود قوات عسكرية جاهزة لتنفيذ هذه المهمة، في الوقت الذي تقول فيه دول غرب إفريقيا إنها على استعداد لإرسال نحو 3000 جندي إلى منطقة النزاع، وفي حال تم إرسال القوات، فإنها بحاجة إلى تدريبات مكثفة قبل البدء في المهمة، إلا أن وجود قوات أجنبية في مالي سيكون مصدر إزعاج للمؤسسة العسكرية في مالي، التي تهيمن على مقاليد السلطة، في حين يفضل مسؤولون هناك أن يكون الحل داخلياً، وأن تتولى القوات المالية تحرير الشمال بمساعدة لوجستية خارجية. ويذكر في هذا السياق أن الدول الغربية كانت قد حظرت تصدير السلاح إلى بماكو بعد الانقلاب العسكري الأخير. ومهما يكن فإن التدخل العسكري لن يكون وشيكاً، حسب المسؤولين الأميركيين، في حين يبقى الأوروبيين مترددون. وتخشى فرنسا، على وجه الخصوص، من تداعيات التدخل على أمنها الداخلي، إذ يعيش آلاف الماليين في فرنسا، ويقول خبراء فرنسيون إن المتشددين في شمال مالي يسعون إلى تجنيد من استطاعوا من الماليين. وقد تم القبض على إبراهيم وتارا، وهو مواطن مزدوج الجنسية (فرنسي-مالي)، وهو متجه إلى مدينة موبتي في شمال مالي، وكان يحمل جواز سفر سينغالي مزور. وتقول السلطات الفرنسية إن وتارا شخصية متشددة أدين في فرنسا بسبب علاقته بتنظيمات متشددة. ويقول خبير فرنسي في مكافحة الإرهاب، لم يكشف عن اسمه، «في الغالب تقوم الجماعات المتشددة بتجنيد شباب في مقتبل العمل، ويشعر هؤلاء المجندون بأنهم بحاجة إلى تدريبات خاصة وخوض معارك حقيقية». ويوضح الخبير «ولفعل ذلك يذهبون إلى مناطق اكتسب فيها إخوانهم زخماً مثل سورية وغرب إفريقيا الآن». والولايات المتحدة لا تحرك ساكنا لحل الأزمة في مالي، فواشنطن تتمهل قبل أن تخوض تجربة في منطقة صحراوية قاسية، عرفت في التاريخ أنها لا ترحب بالزوار غير المرغوب فيهم. والقوانين الأميركية لا تسمح بتزويد مالي بالسلاح إلا بعودة الديمقراطية، كما تمنع تقديم أي مساعدة لوجستية، بما في ذلك التدريب العسكري، ولا تستثني تلك القوانين حالات استثنائية مثل الأزمة الحالية في مالي. ويقول الاتحاد الأوروبي أنه على استعداد لإرسال مدربين في الوقت الذي يأمل فيه البيت الأبيض أن يبتعد بعض أمراء الحرب في شمال مالي عن تنظيم «القاعدة» دون حاجة لقتالهم. يشار إلى أن الحركة الوطنية لتحرير الازواد وحركة «أنصار الدين»، بدعم من تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، قد استفادتا من انقلاب عسكري في 22 مارس الماضي، وانشغال السلطة الجديدة، لتسريع هجومها والسيطرة على منطقة شاسعة في شمال مالي. وأطاح الانقلاب العسكري بحكم الرئيس أمادو توماني توريه، بعد اتهامه بالفشل في صد هجوم المتمردين الطوارق الذي بدأ في يناير في شمال مالي. ويأمل المتمردون في نيل الاعتراف بدولة «أزواد» التي أعلنوها شمال البلاد. ويقول عمدة مدينة غاو، سادو ديالو، المطاح به من قبل المتمردين، ان الشمال أصبح وجهة مفضلة لكثير من الماليين والأجانب، «وإذا استمر الوضع على حاله فسيأتي المزيد». وأضاف ديالو «هذا الإعلان نقطة تحول رئيسة لشمال مالي، فمنذ انقلاب مارس ، انزلقت هذه المدينة من سيطرة الحكومة، والآن هي في مرحلة اللاعودة، فليس للناس هنا خيار سوى قبول قرار المتمردين والمتشددين». من جهة أخرى، حذّر الصليب الأحمر من أن أي عملية عسكرية سيكون لها آثار كارثية على الوضع الإنساني، إذ يجد أهالي الشمال حالياً صعوبة بالغة في الحصول على الغذاء والخدمات الأساسية. وترفض كل من الجزائر وموريتانيا المشاركة في أي حل عسكري للنزاع، وتخشى بلدان المنطقة من انتقال الصراع إلى حدودها، ويبدو أن مصير شمال مالي لم يتحدد بعد في غياب نظرة شاملة لعمق الأزمة في هذا البلد الفقير، الذي تمر على أراضيه أطنان من المخدرات والسلع المهربة سنوياً، وفي انتظار الحل يبقى أهالي الشمال متذبذبين بين الأمل والخوف من ضياع أرضهم إلى الأبد.