منذ فترة طويلة مضى عهد السخرية من المهووسين بتكنولوجيا المعلومات وجديدها، بعدما أثبتت ريادة في الحاضر، ويُتوقع أن يكون لها دورها البارز في المستقبل. وبشكل عام غيرت مواقع الإنترنت من أساليب العمل والقراءة واللعب والتسوق، ومعها صار حلم آلاف الشباب حول العالم البرمجة وتأسيس شركتهم الناشئة، والسعي لتحويلها إلى اسم شهير في عالم تكنولوجيا المعلومات، مدفوعين بتجارب شركات صغيرة وصلت قيمتها إلى مليارات الدولارات في غضون سنوات قليلة. ولا مفر من أن يصيب بعض هذا التطور أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات، التي تصاعدت أهميتها ونفقاتها خلال العقود القليلة الماضية، ومنذ نحو 20 عاماً اعُتبرت درجة الرئيس التنفيذي للمعلومات تقل برتبة أو اثنتين من قمة هرم الوظائف في المؤسسات. ومع ذلك، تواجه تحديات جمة يرجع بعضها إلى وصول دور تكنولوجيا المعلومات لمختلف الإدارات، وتغييرات مثل الحوسبة السحابية والهواتف الذكية، ما يُهدد دورها بالكامل حال لم تستطع التكيف مع التطورات الجارية، وفق مقال نشرته مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية. وعلى مدى سنوات، استنفدت مهمة إضفاء الصيغة الرقمية على العمليات التجارية وظيفة هذه الأقسام في كثير من المؤسسات، بحسب المدير التنفيذي للمعلومات في شركة البرمجيات مفتوحة المصدر «ريد هات»، لي كونجدون. وحتى الآن لاتزال بعض الشركات غير التقنية تُسند لأقسام تكنولوجيا المعلومات بعمليات الأتمتة المملة والضرورية في الوقت نفسه، على غرار أتمتة سلاسل التوريد ودفع المرتبات. لكن هذا لا يصد موجات التطور؛ فظهور الحوسبة السحابية يعني أنه يمكن تحديث البرمجيات ودفع ثمنها من خلال الاشتراك، وأن عدداً قليلاً من الشركات سيحتاج إلى مراكز بيانات تخصها. وينبع التغيير الجذري من داخل الشركات نفسها؛ فتتصاعد في الوقت نفسه مطالب مختلف الأقسام كالتسويق والمبيعات للاستعانة بالتكنولوجيا الرقمية، كما يطلب جميع العاملين أجهزة هواتف وتطبيقات حديثة. وتتهافت الشركات لاغتنام الفرص الرقمية، منها شركة «بربري» البريطانية للأزياء الفاخرة التي ارتدت حلة تكنولوجية سابغة؛ ففي المتاجر تعرض الملابس على شاشات ذكية، وداخل الشركة يستخدم الموظفون «بربري تشات» كشبكة اجتماعية داخلية، وربما يُفسر هذا استعانة «أبل» بالرئيسة التنفيذية لشركة «بربري»، أنغيلا أهرندتس، لتدير متاجرها الخارجية. ومن الناحية النظرية، يبدو ذلك في مصلحة أقسام تكنولوجيا المعلومات بمنحها الفرصة لتكون في قلب خطة عمل الشركات، لكن على مستوى التطبيق العملي فإن بقية العاملين في الشركات ليسوا على يقين دائماً بقدرة أقسام تكنولوجيا المعلومات على الاضطلاع بمسؤوليتها، وعادةً ما يُجهزون أنفسهم لشراء ما يحتاجون إليه من أطراف خارجية إذا دعت الحاجة. كما يشك المسؤولون عن تكنولوجيا المعلومات أنفسهم في قدرتهم على مواكبة الوتيرة السريعة للعصر الرقمي، ووفق استطلاع أجرته مؤسسة «جارتنر» للأبحاث للمديرين التنفيذيين للمعلومات حول العالم، أقر ما يزيد قليلاً على نصف المشاركين بأن شركاتهم وأقسامهم في «خطر حقيقي» مما وصفوه بعبارة «تسونامي رقمي». ومما يُثير قلق رؤساء أقسام تكنولوجيا المعلومات شعورهم بالمسؤولية عن الحفاظ على عمل وأمن الأنظمة الأساسية في الشركة في مواجهة محاولات الهجوم؛ ففي حال تعرضت لاختراق أمني فإنهم يتحملون العبء بالكامل، الأمر الذي يدفعهم لمحاولة معرفة الأجهزة المستخدمة وفرض معايير أمنية صارمة. لكن هذا لم يمنع أن بعض المسؤولين عن تكنولوجيا المعلومات قد سلم قبل فترة بترك الموظفين يختارون أجهزتهم وهواتفهم ويستخدمونها في العمل ضمن الاتجاه المعروف باسم «اجلب جهازك الخاص». وتبقى المشكلة في متابعة جميع التطبيقات المستخدمة والتأكد من أمانها، وأيضاً احتمال أن يؤدي الإهمال إلى تعريض معلومات مهمة للخطر، ولاسيما مع استخدام مواقع مشاركة الملفات المعتمدة على الحوسبة السحابية، والإعلام الاجتماعي. ومع ذلك، لا يلتفت العالم الرقمي لمثل هذه المخاوف، ويواصل تقدمه بسرعة تفوق إدارات تكنولوجيا المعلومات، كما أن بعض الأقسام داخل الشركات ليست مستعدة للانتظار؛ فتُشير تقديرات شركة «فورستر» للأبحاث إلى أن إنفاق أقسام التسويق على تكنولوجيا المعلومات يتصاعد بمعدل يزيد مرتين إلى ثلاث مرات عن الإنفاق الكلي للشركات. وعلى جانب مسؤولي تكنولوجيا المعلومات، فإنهم يعتبرون الاستعجال في العمل قد ينطوي على تكاليف خفية، كما يبرز نقص الموارد كعائق إضافي، وكذلك النظرة المستمرة لتكنولوجيا المعلومات ككلفة أكثر من كونها مصدراً لنموذج أعمال جديد وللعائدات، وحتى في حال استبعاد نقص الميزانيات لا يمكن لأقسام تكنولوجيا المعلومات إنجاز كل شيء. ولذلك قررت بعض الشركات التصرف بأسلوب مختلف، وميزت بين المديرين التنفيذيين للتكنولوجيا، المسؤولين عن توفير أحدث المنتجات وأكثرها تقدماً، والمديرين التنفيذيين للمعلومات لمهام الإصلاحات الداخلية. وفي الآونة الأخيرة أضيف مركز جديد، وهو الرئيس التنفيذي الرقمي الذي يبحث عن طرق لدمج التكنولوجيا الرقمية في المنتجات ونماذج العمل، وتعتمد نسبة تراوح بين 5 و6% هذه الوظيفة، بحسب تقديرات مؤسسة «جارتنر» للأبحاث. وأشار ديديه بونيه، من شركة «كابجيميني» للخبراء الاستشاريين، إلى النتيجة الجيدة لتعاون المسؤول عن المعلومات مع الرئيس التنفيذي الرقمي، كالحال في سلسلة مقاهي «ستاربكس». وفي الوقت نفسه، أشار بونيه إلى أمثلة أخرى لحالات تشهد صراعاً بين الطرفين ما يُبطئ من سير العمل؛ فأياً كان ما يتوصل إليه الفريق الرقمي فلايزال بحاجة لملاءمته مع نظم تكنولوجيا المعلومات المستخدمة في الشركة. ويبدو الحل في سماح المسؤولين عن أقسام تكنولوجيا المعلومات لفرق العمل بتطوير أفكار رقمية جديدة، مع ملاحظتهم عن قرب لئلا تحدث مشكلات، أو يحتاجون إلى مساعدة، ففي شركة «ديل» التي تصنع الحواسيب وتتجه نحو البرمجيات والخدمات، تتعاون الرئيسة التنفيذية للمعلومات، أدريانا كارابوتيس، مع قسم التسويق الذي طور تطبيقاً فحصه قسم تكنولوجيا المعلومات قبل اعتماده للاستخدام داخل الشركة، وترى أنه مع مثل هذا التعاون سيتوقف الأشخاص عن اعتبار تكنولوجيا المعلومات شيئاً يمضي، بل شيء تجري الشراكة معه. وفي نهاية الأمر لا يُبالغ مديرو تكنولوجيا المعلومات في خوفهم من تراجع دورهم، كما لن يفيدهم الاكتفاء بالتشبث بمهامهم القديمة وترك العمل بعيداً عن إشرافهم، وهو ما تصفه مؤسسة «فورستر» بالخطأ الهائل، ولا تعتبر أن قسم تكنولوجيا المعلومات يوشك على الموت حتى لو أسُندت جميع مهامه لخدمات الحوسبة السحابية، إلا أن الاضمحلال يتهدد رؤساء الأقسام غير القادرين على التكيف.