كتبت - سحر معن: تباينت آراء المواطنين حول الإكراميات "البقشيش" الذي يتم دفعه في المطاعم والمقاهي والفنادق ومحطات الوقود ومحلات الحلاقة وغيرها من الأماكن التي تقدّم خدمات للجمهور، فبينما يراه البعض صورة حضارية ونوعًا من الذوق الراقي والإحساس بأصحاب المهن البسيطة الذين يتقاضون الرواتب القليلة، يراه آخرون صورة من التباهي والتفاخر ويعتبره غيرهم صورة من صور الرشاوى أو الابتزاز والاستغلال، خاصة في المحلات أو الأماكن التي ينظر العامل الى البقشيش على أنه شيء إجباري على الزبون وليس تفضلاً منه .. وعلى الرغم من أن هناك من يرفض مبدأ إعطاء أجر لقاء الخدمة على اعتبار أن ما يتقاضاه العامل أو الموظف في مكان عمله كافٍ وأنه يتقاضى الأجر من مكان عمله، إلا أنه في أوقات كثيرة قد يكون الأجر أقل بكثير من المتوقع لدرجة يكون فيها البقشيش هو سبب بقاء العامل في المكان والقيام بالخدمة، حيث أصبح البقشيش في بعض المهن جزءًا أصيلاً من الراتب الشهري بسبب استغلال أصحاب العمل للعاملين، حتى أن بعضهم يأخذ جزءًا من البقشيش الذي يحصل عليه العمّال. فمن جانبها، قالت صالحة المالكي: ذات مرة ذهبت مع عائلتي إلى أحد المطاعم، وكان هناك "جرسون" يأتي على طاولتنا كل دقائق للاطمئان إذ كان ينقصنا شيء ولاحظت أن اهتمامه ليس لمجرد أنه يعمل وإنما يريد إكرامية، وعندما أنهينا الطعام طلبنا الحساب ووضع أبي المبلغ نفسه مع إكرامية بسيطة، ووجدت تعبيرات وجه الجرسون بدتت تتغير وكأن هذه الإكرامية لم تعجبه، فتأكدت حينها أنه قام بكل هذا ليس لأن هذا عمله وإنما من أجل الإكرامية. وأضافت: هنالك من يؤيد إعطاء البقشيش وبشدة ويعتبره وسيلة تعبير جيدة للامتنان والرضا عن الخدمة المقدّمة، وهنالك من يراه صورة من صور الوجاهة والاعتزاز، وعلى النقيض من ذلك تجد من يراه وسيلة للابتزاز بل وربما يرفضه كمبدأ. أما علي السويدي فقال: عندما كنت أدرس بالولايات المتحدة وجدت لافتات صغيرة توضع في معظم المطاعم وتجبر الشخص على دفع البقشيش قبل الفاتورة وهذا يكفي ليعلمك بأن البقشيش إجباري، وبما أنني طالب فأنا لست مجبرًا على دفع بقشيش ولكن كان الشيء إجباريًا .. من الأمور التي استكشفتها ولاحظتها أثناء سفري في ذلك الوقت، أن الأمر أصبح يصل إلى حدود اللامعقول والمضحك أحياناً، وفي مواقف كنا نعتقد أنها لم ولن تتعدى حدود الشاشة الفضائية في مسلسل أو مسلسلين .. وأنا من الفئة التي لا تعترف بالبقشيش وترى السؤال عنه وقاحة بلغت مبلغًا عظيمًا، خصوصًا إذا كانت تأتي بعد خدمة واجبة لا اختيارية، قد يختلف الناس في قياسهم لهذا الأمر. ويرى محمد المسند أن طريقة التعامل مع البقشيش تكون في بعض الأحيان مُحرجة، ففي بعض البلدان يعتبر البقشيش نوعًا من أنواع التحقير لكرامة العامل، وفي بلدان أخرى يجب عليك دفع مبلغ من المال للنادل أو العامل في الفندق أو حتى في سيارة التاكسي، والبعض يراه صورة حضارية ونوعًا من الذوق الراقي و"البريستيج" وآخرون ينظرون إليه على أنه صورة من التباهي والتفاخر، في حين يجده آخرون نوعًا من الرشوى. وأضاف أنا أشعر بالحرج ولا أريد إحراج أي شخص لأن الكرامة كل شيء .. مشيرًا إلى أنه ذات يوم اشترى من أحد الباعة شوكولا وأعطاه بقشيشًا فسالت دموع البائع فسأله عن سبب البكاء، فأجابه أنه شعر بأنه شحاد وهو لا يحتاج للبقشيش لأنه يعمل، ما أصابه بخيبة أمل ولم يعد يكرّر مثل هذا العمل كي لا يُحرج أحدًا. وقال: إن العديد من الأشخاص يرون أن البقشيش مذلة وتحقير للعامل، وهذا الشعور يؤدي إلى الطبقية، غير أن البقشيش انتصر في نهاية المطاف على النظريات الأخلاقية وتابع مشواره، لا بل أصبح اليوم من ضمن الإتيكيت في المطاعم والفنادق الراقية، وقد تصل نسبة البقشيش إلى ربع قيمة الفاتورة. بدوره، قال إبراهيم الكعبي: ثقافة البقشيش أخذت في التوسّع في العالم وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الفاتورة الأصلية في بلدان لم تكن تؤمن بسياسة البقشيش من قبل، حيث إن الكثير من المطاعم بدأت تضع البقشيش كضريبة للفاتورة حتى لا نشعر الجرسون بالحرج، أما بالنسبه لي فلا أجد مانعًا بأن أدفع زيادة من المال إذا توفر لديّ المزيد، حيث أحرجني الجرسون عندما كنت بأحد المطاعم وسألني عن الإكرامية، فبدت على وجهي علامات الإحراج حيث كنت في هذا اليوم لا أملك مزيدًا من المال لأن الفاتورة كانت غير متوقعة. وتقول أسماء الهاجري: السبب في انتشار البقشيش بشكل واسع في مختلف بقاع العالم وبنسبة عالية جدًا يعود إلى رجال الأعمال والمُسافرين الدائمين لا سيما الذين ينتظرون خدمة عالية الجودة مقابل مالهم، حيث في بلداننا العربية، لا يعتبر البقشيش إجباريًا، إنما يعتبر نوعًا من الذوق والمُجاملة .. ففي قطر مثلاً لا توجد قاعدة محدّدة للبقشيش، ويعرفها فقط المسافرون الدائمون وإنما لا يتبعها كل أهل البلد ولا يوجد التزام محدّد بالبقشيش إنما يعتبر نوعًا من أنواع التقدير. وقال خالد العنزي: بمجرد أن يعرف العامل أنك خليجي من الملامح أو الصوت يرتفع سعر الخدمة بنسبه 40% .. أذكر أن صديقًا لي ليس خليجيًا ذهب إلى منطقة سياحية في أحد البلدان، ولم تكلفه السفرة الكثير واستفسرت عن المبالغ ولم تكن مرتفعة، وحينما حضرت بنفسي لأحجز وجدت أن السعر ارتفع في فترة قياسية بسبب الملامح الخليجية. وقالت السيدة فاطمة آل محمود: إنها لا تستطيع أن تذهب إلى مكان إلا وتعطي البقشيش للجميع سواء في المطعم أو الكوافيرة أو أحد الفنادق، وتجبرني عواطفي بالعطف على العمّال الذين يعملون لوقت طويل وبجهد أكبر ومرتباتهم قليلة .. مشيرة إلى أنها تقدّم البقشيش إن تعاملت بلطف أولًا وأنها تلاقي من خلال ذلك ابتسامة الرضا، خصوصًا من العمالة ذات الظروف الصعبة. وأضافت: تقدّم السيدات البقشيش عندما يجدن تعاونًا من العاملين في أي مطعم أو بوفيه أو بقالة، تقديرًا لهذه الخدمات، ولكن بشكل عام المرأة تغلبها العاطفة بكل مكان. أما أحمد عزت، عامل بإحدى محطات الوقود، فيقول: إن محطات الوقود لا تدفع مرتبات عالية للعاملين، خصوصًا أنه لا يملك شهادة جامعية ويعتمد على البقشيش من الزبائن، حيث إن الزبائن لا يدفعون البقشيش دائمًا ويتحمّل مضايقاتهم، لكنه يضطر للابتسامة دائمًا حتى يحصل على بقشيش. وأضاف: إن البقشيش يختلف من منطقة إلى أخرى، فما يمنحه الزبون للعامل بالمناطق الراقية أفضل من ما يُمنح بالمناطق الشعبية. ولا أتضايق من نسبة البقشيش التي أحصل عليها فأنا أعتبرها رزقًا. وتقول الكوافيرة أمنية عطية التي تعمل بأحد الصالونات النسائية: من خبرتي الكثيرة في الصالونات أرى أن البقشيش تسبّب في هجرة الفتيات اللائي يعملن معي لأنه ضعيف بسبب عدم رغبة النساء في دفع مبالغ أكثر وتفضّل بعمل شيء آخر بشكلها أو شعرها ولا تدفعه على البقشيش. وأضافت أن الفتيات اللاتي يعملن معي لا يهمهن سوى البقشيش، ولا يردن تعلم المهنة، ولهذا السبب يتركن المحل، غير المشاكل التي تحدث بينهن عندما تأخذ واحدة أكثر من الأخرى من البقشيش. وقال ثائر نوح (جرسون): لا أقبل البقشيش، مع العلم أنني جرسون وأعمل بكل القواعد المطلوبة مني ولا أفرق بين زبون وآخر، ولا حاجة لي بهذا البقشيش، فهو يمثل ثقافة أناس آخرين.. ففي بعض الدول إن لم تعط العامل بقشيشاً فأنت تخالف الأعراف السائدة، لكن عندنا البقشيش يأتي لذوق الزبون وحسب نوعية الخدمة وأيضًا في بعض الأوقات حسب المزاج وبالنسبة لي لا أريد أن أمشي على مزاج الزبون. وقال سامر ضياء (جرسون) في أحد المقاهي الشعبية: أقبل البقشيش مهما كان بسيطًا، بل وأصر أن ألمح للزبون ببعض المدح والكلمات الجميلة لأحصل على البقشيش، لأنني أشتغل وأدرس في نفس الوقت وراتبي في القهوة لا يكمل لي مستلزماتي. وأضاف أرى كثيرًا ذوق الزبون في إعطاء البقشيش وأحيانًا أتفاجأ بكبر المبلغ وبصراحة عندما يأتي مرة أخرى أعامله معاملة جميلة بل وأشرف على طلباته وأقدّمها بطريقة مميزة .