يشتهر الاقتصاديون بتنبؤاتهم الخاطئة، ففي ديسمبر 2012، تنبأ معظم الاقتصاديين بنهاية عملة اليورو، وبمواجهة الاقتصاد الصيني لصعوبات عويصة، وباستمرار الأداء القوي في الأسواق الناشئة، ولكن على خلاف توقعاتهم، عادت الثقة بعملة اليورو، خلال هذا العام، وتسارع نمو الاقتصاد الصيني مجدداً، وتشهد معظم الأسواق الناشئة أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية، التي واجهتها خلال عقود، ولكن ماذا عن العام القادم؟ وفقاً لتوقعات مجموعة «كيو ان بي»، سيشهد عام 2014 نهاية المحفزات المالية غير المسبوقة التي استثنتها البنوك المركزية حول العالم منذ الكساد العالمي في عام 2009. وهذا سيعني بدوره ارتفاعاً في معدلات الفائدة، وتراجعاً صحياً في أسعار الأصول، والتحول بعيداً عن الأسواق الناشئة الهشة باتجاه اقتصادات متقدمة مختارة. مراجعة وعند إلقاء نظرة إلى الوراء، سنجد أن عام 2013 تميز بثلاثة تطورات هامة في الاقتصاد العالمي. التطور الأول كان هو خروج منطقة اليورو أخيراً من فترة كساد طويلة، واستعادة الثقة بالعملة الموحدة، وقد ساعد ذلك على تمكين إيرلندا من الخروج من برنامج الإنقاذ، الذي دخلت فيه عام 2010، كما أن إيرلندا وإسبانيا (واليونان وإيطاليا والبرتغال، بدرجة أقل) تشهد حالياً المؤشرات الأولى للتعافي الاقتصادي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال عام 2014. ثانياً، تبيّن أن معظم المخاوف، التي كانت تدور حول احتمال مواجهة الاقتصاد الصيني لصعوبات كبيرة، لم يكن لها أساس من الحقيقة، فمنذ عام 2009، ظل الاقتصاد الصيني ينمو بمتوسط نسبة 9.2% في السنة، وأسهم بحوالي نصف الزيادة في النمو العالمي. واتضح أن التباطؤ الذي شهده النصف الأول من عام 2013 كان مؤقتاً، ويتسارع نمو الاقتصادي الصيني الآن مجدداً، مدفوعاً بتمدد الطبقة الوسطى. ثالثاً، الإعلان الذي صدر في 18 مايو 2013 باحتمال خفض برنامج بنك الاحتياط الفيدرالي لشراء الأصول، المعروف باسم "التخفيف الكميّ"، كان سيئ الوقع على معظم الأسواق الناشئة، فقد هربت الرساميل العالمية، تاركة معظم الاقتصادات الناشئة تكابد لتغطية عجوزات ضخمة في الحساب الجاري. وشهدت كل من البرازيل، والهند، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، وتركيا انخفاضاً كبيراً في قيمة عملاتها وتباطؤاً في أنشطتها الاقتصادية. وقد دخلت البرازيل بصفة خاصة في فترة كساد، خلال الربع الثالث من عام 2013، ومن المتوقع أن يستمر هروب الأموال من الأسواق الناشئة مع تنفيذ الخفض في برنامج "التخفيف الكميّ" في السنة المقبلة. وجهة إذاً، إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي في عام 2014؟ الإجابة هي أن ذلك سيتوقف على اتجاه السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة، لقد نفذت البنوك العالمية حول العالم سياسات محفزات مالية غير مسبوقة من أجل إخراج الاقتصاد العالمي من الكساد الكبير لعام 2009، وبذلك فإنها غمرت الاقتصاد العالمية بكميات لا سابق لها من السيولة. وعلى سبيل المثال، فقد ضاعف بنك الاحتياط الفيدرالي ميزانيته العمومية بمقدار خمس مرات إلى 4 تريليونات دولار أمريكي عن طريق شراء ديون الحكومة الأمريكية طويلة الأجل والسندات المدعومة بعقارات/ضمانات. وأدى ذلك إلى تراجع معدلات أسعار الفائدة للمدى الطويل (بما في ذلك معدلات العقار) إلى انخفاضات تاريخية، الأمر الذي دفع بأسعار المساكن ومؤشرات الأسهم إلى أعلى، وخلال ذلك، مازال الاقتصاد الأميركي يصارع من أجل حشد زخم مناسب لتحقيق إمكانات نموه للمدى الطويل. السندات وبحسب مجموعة «كيو ان بي»، يتوقع أن يرتفع عائد السندات الأمريكية ذات العشر سنوات إلى نسبة 3.5% في عام 2014. وسيكون لذلك تأثير سلبي في سوق المساكن الأمريكي ونشاط البناء، كما أنه سيؤدي إلى خفض تأثير الثروة الذي يدفع حالياً بمستوى الاستهلاك المحلي لأعلى. وعلى نفس النحو، يتوقع أن تتأثر أسعار الأسهم بعامل ارتفاع معدلات الفائدة، حيث ستنخفض المكاسب المستقبلية وتتحقق أرباح أقل بسبب النمو الضعيف. وبالنسبة لعام 2014، فإن ذلك قد يعني تراجعاً صحياً في أسعار الأصول بدفعها لأسفل إلى مستويات أكثر تناسباً مع الأساسيات الاقتصادية.