نددت المعارضة والصحافة التركية بمحاولات حكومة حزب العدالة والتنمية التدخل في شوؤن القضاء، خاصة بعد أن اقتربت التحقيقات في قضية الفساد الكبرى من نجل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي شن هجوماً شديداً على نواب حزبه المنشقين وخصومه على السواء وجدد الحديث عن مؤامرة تستهدفه شخصياً، وأعاد العمل بالاستراتيجية التي تم تطبيقها قبل ستة أشهر من أجل إنهاء موجة الاحتجاجات في الشارع، حيث حاولت الشرطة قمع المظاهرات الحاشدة المنددة بالفساد التي شهدتها مدن كبرى عدة في تركيا . وأسر رئيس الحكومة أردوغان لمقربين منه أن "الهدف الرئيسي لهذه العملية هو أنا" . وأكدت مصادر متطابقة في المعارضة والإعلام أن التحقيق بدأ يتمحور حول أحد نجلي رئيس الوزراء، بلال أردوغان، الذي يدير المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتعليم والذي يشتبه في أنه استغل نفوذه في عمليات غش تتعلق ببلديات تابعة لحزب العدالة والتنمية . ودافع أردوغان مساء أول أمس الجمعة بقوة عن سياسته وندد في كلمتين ألقاهما في مطار اسطنبول الدولي ثم في حي أوسكودار ب"المؤامرة" التي تستهدفه . وقال في كلمة ألقاها في سكاريا (شمال غرب) إن "هذه المؤامرة هي عملية تهدف إلى منع قيام تركيا الجديدة"، مهاجماً بشدة أداء بعض المحققين والقضاة الذين كشفوا هذه الفضيحة . وانتقد أردوغان أيضاً انسحاب ثلاثة من نواب حزبه العدالة والتنمية الحاكم بينهم وزير سابق كانوا مهددين بالطرد من الحزب بعد إعلان تأييدهم لاستقلال السلطات القضائية . وقال أردوغان متوعداً "لن نستمر بالعمل مع أولئك الذين خانونا، سنرميهم خارجاً" . رغم أنه فقد خمسة نواب في عشرة أيام لا يزال الحزب الحاكم يملك أكثرية واسعة في البرلمان . وكان ثلاثة من نواب الحزب الحاكم أعلنوا الجمعة انسحابهم من هذا الحزب . وقال أحدهم وهو وزير الثقافة السابق ارطغرول غوناي للصحفيين في أنقرة "لم يعد من الممكن إسماع الحزب الحاكم أي شيء" متهماً إياه ب"الغطرسة" . كما انتقد أردوغان من دون أن يسميه بالاسم حركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن متهماً إياها بالوقوف وراء التحقيقات التي جرت لكشف فساد في أوساط أردوغان ما دفع ثلاثة من وزرائه إلى الاستقالة . وقال المقربون من رئيس الحكومة إنه سيواصل جولة التعبئة التي يقوم بها حيث سيتحدث إلى مؤيديه في مانيسا . وتدخلت الشرطة مساء وليل الجمعة في اسطنبولوأنقرة وعشرات المدن التركية الأخرى من أجل تفريق آلاف المتظاهرين المطالبين برحيل الحكومة ورئيسها . وأعادت شعارات المتظاهرين وحوادث العنف مع الشرطة والغاز المسيل للدموع والمتاريس، إلى الذاكرة موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في يونيو/حزيران الماضي في ساحة تقسيم وسط اسطنبول . ووفقاً للشرطة المحلية، ألقي القبض على 70 شخصاً مساء الجمعة على يد الشرطة في اسطنبول التي تعد من أكبر المدن التركية . وقال منظمو المظاهرات إن على الحكومة أن تقدم استقالتها بسبب عمليات السرقة والفساد، وشددوا على أنهم سيدافعون عن حقوق الشعب وسيظلون مرابطين في الشارع . وجرت مواجهات أطلق خلالها بعض المحتجين أسهماً نارية على الشرطة التي ردت باستخدام خراطيم المياه والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع . وقد جرح شخصان على الأقل . وبعد ساعات عاد الهدوء إلى المدينة لكن رجال الأمن بقوا منتشرين فيها . وقامت شرطة مكافحة الشغب بتفريق مئات المتظاهرين في الساحة المركزية في أنقرة . وخلال هذه التظاهرة حمل المحتجون علب أحذية في إشارة إلى صور التقطت لعلب كانت تضم ملايين الدولارات في منزل أحد الموقوفين بشبهة الفساد، رئيس المصرف العام "هالك بنك" . وانتقدت وسائل الإعلام القريبة من المعارضة أمس السبت بشدة الموقف المتحدي لرئيس الوزراء، محملة أردوغان مسؤولية مباشرة عن الأزمة التي تهز رأس الدولة . وكتبت صحيفة "حرييت" اليومية "ليس هناك أدنى شك في أن الفساد هو آفة، ولكن الأجواء السياسية التي سببها رئيس الوزراء منذ بدء هذه الأزمة هي أسوأ وأخطر من الفساد نفسه" . وقالت الصحيفة مخاطبة أردوغان: "من فضلك، تخلّ عن هذا التصرف أنا لا أسلم أقاربي الى العدالة" . وأشارت إلى أن هذا "سوف لن يدمرك وحدك بل سيدمرنا جميعاً" . ورأت الصحافة في اختبار القوة مع القضاء لوقف التحقيقات من الذهاب بعيداً وعميقاً، مساساً فاضحاً باستقلال القضاء، وتدخلاً غير مقبول في السلطة القضائية ومحاولة لهدمها . (وكالات)