مقالات متى يستقر العراق؟ ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 29/12/2013 يواجه العراق حرباً ممنهجة، تستهدف حاضره ومستقبله، وتذهب فيها كل يوم أرواح الأبرياء العزل، من النساء والأطفال والشيوخ، وعامة المواطنين . إن مسلسل إراقة الدماء قد وضع بلاد الرافدين على مفترق خطير، فإما يجري تطويقه على وجه السرعة، وإما يتسبب في اقتتال أهلي واسع النطاق، يخرج عن سيطرة الجميع، ويهدد المنطقة برمتها، ويغدو المجتمع الدولي عاجزاً عن احتواء تداعياته عميقة الأثر على الأمن والاستقرار الإقليمي، كما على مصالح القوى العالمية المختلفة، التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها من الآن، وقبل فوات الأوان . تشير البيانات الرسمية إلى أن عدد العراقيين الذين قتلوا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قد بلغ نحو 950 شخصاً . ووصل عدد القتلى منذ بداية العام 2013 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني إلى 7640 قتيلاً، في حين بلغ عدد ضحايا العنف طول العام 2012 ما مجموعه 4471 قتيلاً . وكانت وزارة حقوق الإنسان العراقية، قد أعلنت في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول ،2012 عن تسجيل أكثر من 300 ألف ضحية، بين قتيل وجريح، جراء أعمال العنف التي تقوم بها المجموعات المسلحة، وذلك منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين، في إبريل/نيسان من العام 2003 . وقالت بيانات الوزارة إنه جرى تسجيل أكثر من 70 ألف قتيل منذ ذلك العام، فضلاً عن 250 ألف معاق، ونحو 15 ألفاً اعتبروا في عداد المفقودين . وهناك تصنيف آخر لضحايا العنف، جرى اعتماده من قبل بعض مؤسسات البحث الدولية، ويقوم على الجمع بين الضحايا المدنيين والعسكريين، بما في ذلك الجنود والشرطة العراقية، وقوات التحالف الدولي . كما يعتني هذا التصنيف بقياس عدد الهجمات التي جرت في كل عام . وهو يبدو مختلفاً نوعاً ما عن الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية العراقية . ويُمكن الوقوف على جملة عوامل قادت مجتمعة إلى الصعود الجديد لموجة العنف الأعمى في العراق . وهذه العوامل هي: تشظي الحياة السياسية، وسيادة الاستقطاب الرأسي فيها، وغياب الإجماع الوطني على رؤية محددة لمعالجة الملفات العالقة، وضغوط المحيط الإقليمي، وخاصة الأوضاع الدائرة في سوريا . ويقوم التكتيك التقليدي المتبع من قبل جماعات العنف على تلغيم سيارات خاصة، وتفجيرها وسط جموع مدنية حاشدة، بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وإثارة رعب عام في عموم البلاد . وبطبيعة الحال، فإن مواجهة عنف من هذا النوع لا تحتاج فقط إلى تعاظم في القوات، بل أيضاً إلى تطوير أجهزة الرصد والمراقبة، وتعزيز قدرات الاستطلاع والتعقب، من الجو والأرض . على صعيد قدراته الأمنية، تشير البيانات الرسمية المثبتة عام ،2012 إلى أن تعداد الجيش العراقي يبلغ حوالي 300 ألف عنصر، فيما يبلغ إجمالي القوات العسكرية العراقية، بما فيها تلك التابعة لوزارة الداخلية، حوالي المليون . ويزيد تعداد القوات الجوية قليلاً على خمسة آلاف عنصر، والبحرية حوالي 3600 عنصر . وقد ارتفع عدد العناصر الأمنية العاملة في وزارة الداخلية العراقية ليصل إلى 650 ألف عنصر في أواخر العام ،2011 لتغدو هذه الوزارة الأكبر من نوعها في الوطن العربي . وعلى نحو تدريجي، بدأت الوزارة في تسلّم الملف الأمني لغالبية مناطق العراق، بعد أن كان الجيش العراقي ممسكاً بهذا الملف، الذي استلمه بدوره من القوات الأمريكية على مراحل زمنية، خاصة منذ العام ،2008 عندما انسحبت الألوية الأمريكية المقاتلة، بموجب اتفاقية وضع القوات الموقعة بين البلدين . وكان العراق قد خرج من الحرب العراقية - الإيرانية وهو يمتلك ما يزيد على مليون عسكري، منظمين في 57 فرقة، بين مدرعة وآلية، ومشاة اعتيادي وقوات خاصة . وقد تغيّر وضع القوة العراقية على نحو جذري بعد حرب الخليج الثانية عام ،1991 التي أولدت معادلة أمنية جديدة، بدا فيها العراق وقد فقد دوره الاستراتيجي الموازن . وفي مطلع العام 2003 كان الجيش العراقي قد انخفض إلى 424 ألف جندي . من بين المهام الأكثر إلحاحاً اليوم، هناك حاجة لتطوير منظومات استطلاع مدمجة، إن في العاصمة بغداد، أو على الحدود، أو في بقية المناطق الأكثر عرضة للتهديد . وحيث إن مهمة من هذا القبيل يصعب انجازها، في فترة زمنية قصيرة، لاعتبارات تقنية ومالية، وحيث إن التحديات الأمنية تبدو كبيرة وضاغطة، فإن الخيار الأسرع، والأقل كلفة، أمام العراق يتمثل في اقتناء مجموعة من الطائرات المسيّرة، لتقوم بمهام الاستطلاع والتعقب، والتعامل المباشر مع التهديدات على الأرض . وعندما ينجز العراق هذه الخطوة، فإنه يغدو في متسع من الوقت، لتصميم وتشييد كامل منظومته الخاصة بضبط أمنه الداخلي، التي يجب أن يتصدرها سرب متقدم من المروحيات الهجومية، والمروحيات متعددة الأغراض . في الصورة المقابلة، إذا لم تتم السيطرة على موجة العنف، وخرجت عن نطاق السيطرة، فسوف تُدفع البلاد دفعاً إلى حيث الحرب الأهلية الشاملة . ومثل هذه الحرب، إذا وقعت لا قدر الله، فستكون مدمرة في تداعياتها المباشرة والبعيدة المدى، لأنها قد تقود إلى بروز العراق كدولة ضعيفة أو فاشلة، أو حتى مجزأة . كما ستكون هذه الحرب كارثية على جميع دول المنطقة، وقد تولد حرب أهلية في بلد مجاور، وربما تقود إلى حرب إقليمية على أشلاء العراق . ومن هنا، لا بد للجميع، داخل العراق وخارجه، من تحمل مسؤولياتهم التاريخية دونما لبس أو مواربة . من ناحيتها، رأت الولاياتالمتحدة في عمليات العنف التي يتعرض لها العراق خطراً محدقاً على وحدته الوطنية والترابية، كما على الاستقرار الإقليمي لمنطقة الخليج . وفي الوقت الراهن، فإن المبيعات العسكرية الأمريكية للعراق يجب أن تأخذ مسارين متوازيين: يرتبط الأول بالأسلحة الرئيسية المعتادة، كالطائرات الحربية والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، ويرتبط الثاني بالأسلحة المعنية بالتصدي لموجة الإرهاب المتعاظمة التي تعصف بالشعب العراقي، والتي تشمل خصوصاً المروحيات الهجومية الحديثة، ومنظومات الاستطلاع البري والجوي . وكما الولاياتالمتحدة، فإن المجتمع الدولي عامة معني بتحمل مسؤولياته التاريخية تجاه العراق، ومده بصور الدعم الأمني المختلفة، التي تساعده على الخروج من محنته، وتنهي شلال الدماء الذي يجري في مدنه وبلداته، وتزهق فيه أرواح النساء والأطفال وعامة الناس . وإذا لم يبادر المجتمع الدولي إلى دعم جهود العراق في مواجهة الإرهاب الدموي، الذي يستهدف حياة أبنائه العزل، فلن تكون هناك من قيمة تذكر لأي من المواثيق والقرارات الدولية، التي تتحدث عن تعاضد الأسرة الدولية في محاربة الإرهاب . بل إن مفهوم المجتمع الدولي نفسه يغدو موضع تساؤل، فكل فرد من أبناء العراق سوف يسأل نفسه: هل هناك فعلاً مجتمع دولي؟ . وإذا كان للمجتمع الدولي أولوياته التي يجب أن يحافظ على تراتبيتها، فإن أولى هذه الأولويات تتمثل في صون حياة الإنسان وحمايتها من الفناء .