أرقام وإحصائيات ترسم إحداثيات نبض الأمن الناعم في الإمارات شهدت منطقتنا العربية في الآونة الأخيرة هزات كبرى خلفت نزيفا بشريا ضخما وكلفة اقتصادية واجتماعية ونفسية باهظة، كشفت ارتداداتها عن ضعف بنيوي خطير في مجتمعاتنا العربية، أساسه التعاطي الأمني الخشن مع القضايا المطلبية وانقطاع سبل الحوار البناء بين الحاكم والمحكوم. في مقابل هذا القتام، برزت نقطة ضوء مبشرة بمستقبل عربي أقل قلقا وأكثر استقرارا، منبعها دولة الإمارات العربية التي قدمت النموذج باعتمادها " الأمن الناعم" وتعميق العلاقة بين الجمهور والشرطة، وبلورة نوع جديد وغير مألوف عربيا من آليات حفظ الأمن من دون الأساليب التقليدية العنيفة. حرصت الإمارات على صياغة وصفة جديدة قوامها المسؤولية الفردية الملتحمة بالمسؤولية الجماعية، فبات كل مواطن أو مقيم على أرضها رجل شرطة رقيب على نفسه أولا ثم رقيب على مخالفات الآخرين، فللمرة الأولى نجد أشخاصا يبتسمون عند تحرير مخالفة لهم وآخرين يتركون الشرطة يكتب المخالفة ويسارعون إلى التقاط صورة تذكارية لدورية أمنية على طراز "لامبرغيني" أو "فيراري". نجح " الأمن الناعم" في الإمارات في تغيير سلوكيات الشعوب من مختلف الجنسيات والذين قدموا إلى الإمارات للعمل لسنوات معدودة ولم يتمكنوا من مغادرتها طواعية تحت إغراء الأمن والأمان وفرص الرفاه في أرض الخير، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ساهمت الأجهزة الشرطية في تعديل سلوكيات المجرمين من مختلف الجنسيات عبر حسن المعاملة والحماية والنصح والإرشاد لردهم إلى السلوك السوي وهو أمر غاية في الصعوبة لدى النماذج التي تعتمد العنف في ذلك. نحو 200 جنسية تعيش على أرض الإمارات وجميعها لا تشعر بأي اختلاف ولا تفكر في الخلافات، حتى أن شعوبا متصارعة في أوطانها تجاورت في الإمارات من دون أي حساسية تذكر، هو ليس سحرا بقدر ما هو إعلاء للقيم الإنسانية فجميع المقيمين في الإمارات على يقين بأنه لا يوجد ما يعرف بالضرب أو التعذيب أو الصعق بالكهرباء أو أي وسيلة غير إنسانية تم استخدامها في يوم من الأيام ضد حتى أعتى المجرمين، وكانت النتيجة أن أحد المتهمين أبدى ندمه الشديد على ارتكاب جريمته بعدما دخل السجن ووجد معاملة ومكانا لم يكن يتوقعهما في مكان يعرف في بلاده بأنه الأسوأ على الإطلاق. مبادرات حضارية تضمنت ملامح " الأمن الناعم" في الإمارات صورا وفصولا متنوعة تركت بصمتها على مختلف الإمارات، وليس غريبا أن تتصل على الشرطة لطلب المساعدة فتجدهم أمامك في غضون دقائق معدودة، بل وتجد أن أمنك أصبح بلمسة زر ليس فقط داخل الدولة بل خارجها أيضا لحماية وتقديم المساعدة للمواطنين عبر توجيههم ومساعدتهم على مدار الساعة، بل وبات مرضى القلب معروفة أماكن تواجدهم وسهل ذلك التواصل معهم وكم من أرواح أنقذت على أيدى رجال الشرطة وهم ليسوا أطباء. ومن الناحية المرورية أطلقت شرطة دبي العديد من وسائل الضبط المروري بغرض الحفاظ على الأرواح وليس بغرض جباية الأموال كما يعتقد البعض والدليل " النقاط البيضاء" والتي تمنح السائقين المثاليين هدايا قيمة وهي الأولى على مستوى العالم، بل وتم منح السائق الملتزم المحظوظ سيارة مكافأة على التزامه، كما أطلقت شرطة دبي برنامج " كلنا شرطة" والذي يمكن الجمهور من الإبلاغ عن المخالفين على الطرقات، إضافة إلى منح رجال الشرطة أجهزة لتسجيل المخالفات بالصوت والصورة لضمان الشفافية. المدمن مريض وليس مجرماً على الرغم من استغلال البعض للموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات كنقطة التقاء بين الشرق والغرب واقتصادها المفتوح، للقيام بعمليات غير مشروعة مثل تهريب المخدرات إلا أن جهود الدولة في هذا المجال جعتلها تحقق إنجازا تلو الآخر في سقوط العصابات والأفراد وتدمير تجارتهم الغير مشروعة، وهو الأمر الذي لا يقل أهمية عن جهود الدولة ومبادرتها في إدراج العقاقير المخدرة على قوائم المخدرات لحماية الشباب. وفي هذا يشدد المشرع الإماراتي على أن مدمن المخدرات ليس مجرما وإنما مريض تتوجب مساعدته على الشفاء وإعادة دمجه في المجتمع عبر تأهيله والاستفادة من نصوص المادة 43 من قانون مكافحة المخدرات التي تعفي المدمن من العقوبة في حال تقدم أي من أقاربه سواء أكان الأب أو الأم أو الأخ وحتى الأصدقاء للإبلاغ عنه، وليحظوا بالعلاج المجاني الذي توفره الحكومة لهم، ورصدت القيادة العامة لشرطة دبي قيام عشرات الأسر المواطنة بشكل غير مسبوق على الاتصال بالهاتف المجاني 800400400 التابع للإدارة العامة لمكافحة المخدرات في دبي للإبلاغ عن أبنائها المدمنين لإعفائهم من عقوبات قانونية محتملة بحقهم ولتلقيهم علاجا مجانيا مكلفا على نفقة الحكومة، يأخذ بيدهم للتعافي بل وتقوم بتأهيلهم للاندماج في سوق العمل. وتظهر إحصائيات شرطة دبي أن عدد المواطنين الذين تقدموا من تلقاء أنفسهم لتلقي العلاج المناسب من الإدمان في المراكز المتخصصة خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ 190 شخصا، كما عملت على تقديم معونات مالية شهرية بالتعاون مع جمعية بيت الخير عبارة عن قسائم شراء مواد غذائية بشكل شهري لكل متعاف بقيمة مالية تتراوح بين 750 و1500 درهم وذلك لمساعدتهم على أعباء الحياة اليومية، كذلك أسهمت بالتعاون مع برنامج الإمارات لتوظيف الكوادر ومركز الإمارات للصرافة بتوظيف نحو 76 مواطنا مقلعا عن المخدرات فضلاً عن ابتعاثها العشرات من التائبين لأداء مناسك فريضة الحج كل عام. نموذج متفرد لرجل الأمن : جرأة الاعتذار معالي الفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي يرى أن الهم "الأكبر والشغل الشاغل له ابتكار وسائل تحفظ أمن المقيمين والمواطنين والزائرين للدولة بطريقة فريدة ومختلفة عبر العديد من الوسائل المبتكرة"، ويشير إلى أنه كرجل شرطة يشعر بالفخر عندما يرى الجميع يتحرك بحرية وأمان في كل أرجاء الدولة، وأبرزها اعتراف إحدى السيدات الأوروبيات له بأنها تترك ابنها يلعب أمام البيت من دون خوف وأنها لاتستطيع فعل ذلك في وطنها، معتبرا ذلك "نجاحا كبيرا لا يضاهيه آخر". الفريق ضاحي خلفان تميم نموذج فريد من نوعه لرجل الأمن: ليس عصبي المزاج ولا يصرخ في وجه أي موظف، بل على العكس يعامل الجميع حتى المخالفين بأسلوب حضاري نادر، حتى أنه يمتلك جرأة الاعتذار كما حدث لزائر سعودي لم يتمكن من دخول الدولة لخطأ فني فما كان منه إلا الاعتذار واستقباله شخصيا. الكل سواسية أمام القانون اللواء خبير خميس مطر المزينة القائد العام لشرطة دبي يقول من جهته إن دولة الإمارات استطاعت رغم تعدد وتنوع الجنسيات والثقافات على أرضها (أكثر من 200 جنسية)، وزيادة معدل النمو السكاني، واختلاف أنماط الجرائم، أن تتجاوز التحديات وتحتضن الجميع في بوتقتها محققة أعلى نسبة أمن وأمان في المنطقة بخدمات أمنية وفق المعايير العالمية. ويؤكد المزينة على أن قيادة الدولة تميزت في تحويل الرؤى إلى قرارات استراتيجية فاعلة، ومشروعات طموحة وبرامج متميزة مبتكرة، مضيفاً أنها ركزت على بناء القادة لتحقيق المستقبل الواعد لبناء حكومة تقدم أفضل الخدمات إلكترونياً، للمواطنين والمقيمين على أرضها، ولفت إلى أن نسبة الشعور بالأمن والأمان في دبي وصلت إلى 98% وهو ما جعل رضا الجمهور غاية تدرك في الإمارات، منوها إلى أن التحدي الأكبر أمام أجهزة الشرطة في الدولة يكمن في كيفية تطوير جميع القطاعات وفق أفضل الممارسات، وإيجاد التكامل بينها، وهي مازالت تعمل على مدار الساعة لتقديم الخدمات الأمنية من دون أن يكون هناك أي مجال للخطأ. ويشير اللواء المزينة إلى أن دولة الإمارات كفلت حرية العقيدة للجميع دون تفرقة، وأن ما يحكم العلاقات داخل الدولة بين الجنسيات المتعددة هو القانون ولا يوجد شخص فوق القانون مهما كان منصبه، ولا تفرقة بين مواطن ووافد في تطبيق القانون والحصول على الحقوق عبر القنوات الشرعية والتي تتميز هي الأخرى بسرعة البت في القضايا والعمل على تخليص المعاملات في أسرع وقت ممكن. نسب أمان تجاوزت التوقعات دراسة أمنية شاركت في إعدادها اللجنة التنسيقية لمراكز البحوث ودعم القرار بالأجهزة الشرطية على مستوى الدولة في بداية العام الحالي، أظهرت أن درجة الأمن والأمان في الإمارات كافة تفوق ال90%، بينما تصل درجة الشعور بالأمن والأمان في دبي وحدها إلى 6 .98%. وفي هذا يقول اللواء الدكتور جاسم محمد بالرميثة مدير الإدارة العامة للعمليات في شرطة دبي، أن سرعة الاستجابة في الرد على المكالمات في شرطة دبي من أهم معايير شعور الناس بالأمن والأمان، وأن الجمهور أصبح على يقين من أن الشرطة معه في كل مكان على مدار الساعة، كما أنه وفي حالة اتصال أي شخص بالعمليات وأغلق الخط لأي سبب ما يقوم الموظف بالاتصال به والاستفسار منه عن عدم إتمام المكالمة. ويشير هنا إلى تحقيق ما نسبته 100% في سرعة الرد على المكالمات الواردة إلى بدالة القيادة، علما بأن الهدف المنشود لذلك خلال 10 ثوان كان 95%، وبينما كان الهدف المنشود لسرعة الاستجابة لحالات جرس الإنذار خلال العام الماضي 95%، تم تجاوزه وتحقيق ما نسبته 96.3% في هذا المجال، إن هذه الإنجازات المتحققة دفعت الجمهور ليقولوا كلمتهم عبر استطلاع الرأي الذي تم إجراؤه نهاية العام الماضي. نسبة وفيات مرورية مستهدفة ومن جانبه ينوه اللواء المستشار المهندس محمد سيف الزفين مدير الادارة العامة للمرور في شرطة دبي، بأن دولة الإمارات تسعى جاهدة لتقليل نسب الوفيات على الطرقات، حيث تقدم الدولة أعلى معايير الأمن والسلامة للمقيمين على أرضها، وأن وزارة الداخلية تسعى جاهدة إلى تقليل أعداد الوفيات على الطرقات عبر العديد من التدابير الوقائية وعبر شبكة غير محدودة من الطرق الآمنة ودراسات عدة، كذلك تسعى القيادة العامة لشرطة دبي إلى الوصول بأعداد الوفيات على الطرق إلى 0% لكل 100 ألف نسمة بحلول عام 2020 وهو رقم لم تحققه أي دولة أو مدينة على مستوى العالم، حيث تحتل دبي المرتبة الثالثة عالميا في أعداد الوفيات على الطرقات. صفر الجرائم المجهولة في 2013 اللواء خبير خليل إبراهيم المنصوري مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، يؤكد على أن كل أجهزة الشرطة في الدولة تسعى جاهدة إلى تقليل نسبة الجرائم والكشف عن مرتكبيها في أسرع وقت ممكن وأن ينال المجرم عقابه وأن يرجع الحق إلى أصحابه، لافتا إلى أن الإدارة تتسلم بشكل شبه يومي العديد من رسائل الشكر من المقيمين وحتى زائري الدولة على الخدمات التي تقدم لهم والمعاملة والاهتمام الذي يحظون بها. ويلفت اللواء المنصوري إلى أن الادارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي تمكنت من اكتشاف جرائم القتل العمد وجرائم السرقات المشددة بما في ذلك جرائم السطو المسلح حتى وصل المجهول منها خلال هذا العام إلى الصفر، كون الإدارة العامة للتحريات تضم 17 إدارة متخصصة في مجال مكافحة الجريمة والحد منها والقبض على مرتكبيها، بالإضافة إلى 10 مراكز شرطة منتشرة في كافة أرجاء الإمارة. حمد.. قصة إدمان فكفاح فنجاح حملت الإخصائية فاطمة أوراقها وتوجهت إلى منزل أحد المواطنين في منطقة القصيص في دبي، وراحت تبحث عن البيت المستهدف بعدما أبلغت والدة عن إدمان ابنها للمخدرات، وبعد اتصالات عدة وصلت الاخصائية إلى البيت وقرعت الجرس وفتحت لها الأم الباب وطلبت منها الدخول. في صالة البيت جلست الأم ولم تستطع كتم مشاعرها الحزينة على ابنها الوحيد، الذي أغراه رفاق السوء بالمخدرات حتى أصبح مدمنا، وبدأت تروي قصتها وأنها لم تكن تصدق أن الشرطة ستساعدها وتساعد ابنها في الإقلاع عن الإدمان، وأنها طلبت الرقم المجاني لشرطة دبي المخصص للإبلاغ عن حالات الإدمان ويدها ترتعش. بدأت الاخصائية فاطمة بالإصغاء إلى الأم وأمسكت بالقلم لتكتب ملاحظاتها، وما أن انتهت الأم من الفضفضة حتى سمع صوت حمد الابن المدمن أثناء توجهه إلى الصالة، فقامت الأم وبناء على تعليمات الاخصائية بتعريفها على أنها إحدى صديقاتها، وبالفعل وخلال جلسة احترافية واحدة تمكنت الاخصائية من تكوين علاقة حميمة مع حمد. في غضون ساعات قليلة وضعت خطة العلاج، وفي غضون ساعات أخرى لم تزيد عن 24 ساعة بدأ حمد الخضوع إلى العلاج وبالفعل نجح في تخطي أصعب المراحل الأولية لتنظيف جسمه من سموم المخدرات، ومرت الأيام بصعوبة لكنها حملت ولادة إنسان جديد واستعاد حمد عافيته في غضون 6 أشهر. لم تكن رحلة الإقلاع عن الإدمان ممهدة بل شهدت صراعات وانتكاسات ولكن العزيمة التي امتلكتها الاخصائية فاطمة ونقلتها إلى المريض كانت أشد تأثيرا من المخدرات في الدم، ومرت السنوات وحاليا يعمل حمد مديرا لإحدى الشركات الخاصة في دبي ولديه ثلاثة أطفال، ..مثلها قصص أخرى من واقع الحياة وليس السجلات. أمان مجتمعي أكد معالي الفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي أن وزارة الداخلية وشرطة دبي عملتا على تطوير نظم العمل التخصصية والإدارية، وحققت التوازن فيما بينها، وتم وضع الخطط الاستراتيجية والتطويرية وإعادة الهيكلة وفق نظم تتسم بالإبداع والابتكار في الأعمال التخصصية والميدانية، ووضعت نصب عينيها تحقيق أعلى نسب الرضا والشعور بالاستقرار بين الجمهور، وتضمين ذلك إلى أهدافها الاستراتيجية، إذ درست احتياجاته والتعرف إلى توقعاته، وإصدار ميثاق خدمة المتعاملين، وطوّرت أدوات وقنوات ومهارات التواصل، وواكبت التطور العالمي وحولت العديد من الخدمات إلى خدمات إلكترونية وذكية، وجعلت من المساءلة والنتائج آخر محطة للتطوير.