دفعت الرياضة في دول الربيع العربي ثمن الحرية غاليا، فلئن تحررت الأفواه والعقول التي ظلت مكممة لعقود، فإن الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا أصيبت بسهم في القلب، بل باتت تعيش حالة موت سريري. فقد ظلت الأندية في حالة بطالة كروية لأشهر بل لمواسم، توقف النشاط نهائيا وتأجلت المنافسات قبل أن تعود في فترات متباينة حسب الظروف الأمنية لكل بلد من تونس ومصر وليبيا واليمن. كان في الحسبان أن تعرف كرة القدم في دول الربيع العربي طفرة لكنها تعيش اليوم وبعد 3 أعوام من الثورات خريفا بائسا وحزينا. توقف النشاط في الغالب أو استئنافه أحيانا في غياب الجماهير حرم الأندية من عائدات النقل التلفزي وبطلت عقود الرعاية وتجمدت مداخيل الملاعب فكان السير بخطى متسارعة نحو الإفلاس. والأزمة المالية لم تستثن الكبار فمركب الرعب يكاد يغرق بكل الأندية مهما كان تاريخها وسجلها. فديون النجم الساحلي فاقت 16 مليون دولار في تونس والأهلي القاهري باع أبوتريكة بعد الثورة لبني ياس وجدو لهال سيتي من أجل حفنة مال تنقذه من الزوال. والسواعد تجاهد هذه الأيام من أجل الإنعاش بعودة باهتة للدوري في مصر ودعم مالي حكومي في تونس وليبيا. الكتاب الأسود ولا يكفي الرياضة في تونس ما تعيشه من مصاعب وأزمات خانقة حتى فاجأ الرئيس التونسي محمد منصف المرزوقي الجميع منذ أيام بإصدار كتاب سماه (الكتاب الأسود) أورد فيه قوائم بأسماء المناشدين والمطبلين للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وكانت الصدمة كبيرة حينما اكتشف الجمهور التونسي ورود اسم البطل الأولمبي محمد علي القمودي الذي أهدى قرطاج ميدالية ذهبية سباق 5000 متر في أولمبياد مكسيكو 1968 في زمن كانت فيه الميداليات مستحيلة على العرب لضعف الإمكانيات وانعدام التكوين. ولم يكتف رئيس تونس بحشر البطل الأولمبي القمودي في كتابه الأسود، بل أدرج اسم كابتن نسور قرطاج والنادي الافريقي سابقا محمد الهادي البياري المعروف بخجله وعزلته ويشهد له الجميع بأنه لم يقترب يوما من السياسة ولا من القصر الرئاسي. ولم يخل الكتاب من اسم فريق الترجي التونسي الذي كان يترأسه سليم شيبوب صهر الرئيس المخلوع، وهو تسبب في إحداث أزمة كبيرة لاتحاد الكرة الذي اضطر لتأجيل مباراة الترجي والنادي الصفاقسي باعتبار أن جماهير الأحمر والأصفر هددت على تويتر وفيسبوك بأعمال شغب دامية في ملعب رادس. جلسة انتخابية في الشارع وما يؤكد أن كرة القدم في تونس تعيش الخريف الحزين ما طفا من من ظواهر غريبة في المشهد الرياضي خلال الفترة الأخيرة والمتمثلة في المعارك الانتخابية الساخنة التي ميزت الجلسات العامة، سواء للاتحادات أو الأندية تحت غطاء الديمقراطية والحرية. وبلغ وجه الغرابة ذروته منذ أسبوعين عندما عقد الملعب التونسي جلسة انتخابية في الشارع وفي الظلام الدامس قبل أن يتم الاستعانة بأضواء سيارة !!. كل هذا والفريق يملك رئيساً ومجلس إدارة قار وقائم الذات إلا أن مجموعة من المعارضين للإدارة الحالية أقاموا جلسة انتخابية للإطاحة به بعنوان الديمقراطية وحرية الانتخاب!! إنعاش الكرة المصرية وأخيراً وبعد أشهر مرت بعمر السنين والقرون دخلت الكرة المصرية غرفة الإنعاش باستئناف الدوري لنشاطه ولو دون حضور جمهور. فقد دب الأمل وبدأت الحياة تعود الى الأندية وسرى الدم في جسدها بعد موت سريري طال أكثر من اللازم. فقد تسبب إلغاء المسابقات في مشاكل مالية خانقة وباتت على مشارف الإفلاس خصوصا الكبرى صاحبة الشعبية. وقبل الحديث عن المال وأزمات الموازنات لا بد من التوقف عند كارثة بورسعيد التي توفي خلالها 74 مشجعا للنادي الأهلي (بمناسبة مباراته أمام النادي المصري). وستبقى هذه الحادثة نقطة سوداء على جبين السياسة المصرية، لأن دواعي المأساة كانت أمنية بالأساس، والمصريون الذي اكتووا بفرقة أحبائهم يدركون الحقيقة. أزمة الأهلي لئن كان الأهلي المصري يتباهى في السابق بالفوائض المالية التي تحققها موازنته سنويا، فإنه بعد الثورة انضم الى قافلة الفقراء فقد عجزت إدارته وللمرة الأولى عن تسديد كامل مستحقات نجوم الفريق بسبب إلغاء مسابقة الدوري، وهي أحد أهم روافد الموارد المالية للنادي من عوائد المباريات والبث التلفزيوني. وخسر الأهلي بسبب التوقف بعض العقود الإعلانية التي أبرمها مع الشركات الراعية، كما خفض من مقابل البعض الآخر، واضطر النادي في مرحلة أولى لإعارة نجمه الأشهر محمد أبو تريكة لبني ياس الإماراتي لستة أشهر لتفادي دفع راتبه الكبير والاستفادة من المقابل لدفع رواتب باقي اللاعبين. ثم لجأ الى بيع نجمه ناجي جدو الى هال سيتي الانجليزي ليبقى على قيد الوجود ولا يشهر إفلاسه. وضع صعب للزمالك ولم يختلف الحال كثيرا في الزمالك عن الأهلي، إذ مثلت مسألة أجور مرتبات اللاعبين كابوساً يدمر رأس مجلس إدارة النادي يوميا. ولم يجد من حل إلا في اللجوء الى الدعم الشخصي من رجال الأعمال أو رئيسه ممدوح عباس كحال الغريق الذي يتشبث بقشة في البحر. وعرف الإسماعيلي أزمة مالية خانقة اضطرته لبيع عدد من لاعبيه المؤثرين من توفير رواتب بقية لاعبي الفريق. وأشهر نادي الاتحاد السكندري إفلاسه وعدم قدرته على دفع رواتب اللاعبين والجهاز الفني، وتدخل رئيسه رجل الأعمال عفت السادات لإنقاذه بدعم خاص. مصاعب الكرة الليبية وتعيش الكرة الليبية الخريف الأسود والفترة القاتمة، ولعلها الأسوأ في التاريخ، فالدوري توقف 3 مواسم، مما أغرق الأندية في الديون قبل أن تعود الى الحياة منذ شهرين بإسعاف من الحكومة التي ضخت أموال البترول لتنقذ ما يمكن إنقاذه. واستأنف الدوري الليبي نشاطه بمشاركة 16 فريقا وتقام المباريات دون حضور جمهور ودون هبوط تفاديا للمشاكل العشائرية. وعكر التوتر السياسي المتصاعد في ليبيا ولادة الدوري من جديد، حيث تتأجل بين الأسبوع والآخر المباريات بسبب أحداث العنف والاغتيالات خصوصا في مدينة بنغازي مهد الثورة. وكان عدد من الملاعب الليبية قد تحول الى أعشاش للجماعات الإرهابية وحولته الى مركز للمعسكرات ومخزن للأسلحلة. وبات الإرهاب يتحكم اليوم في جدول مباريات الدوري. نتائج مخيبة وأمام هذا الوضع المتردي كان من الطبيعي أن تكون النتائج كارثية على المستويين القاري والدولي. فمنتخبات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا لم تفلح في تحقيق الحلم المونديالي وخرجت بطرق دراماتيكية. فالفراعنة خسروا أمام غانا بسداسية في الذهاب قضت على آمالهم في الاياب. ونسور قرطاج مروا بجانب الحدث أمام الكاميرون وتعادلوا ذهابا دون أهداف وخسروا بثلاثية في ياوندي ليتبخر الحلم وتتعمق جراح جماهير الكرة في دول (الخريف العربي). والدة الملولي تهاجم الاتحاد استغلت والدة البطل العالمي في السباحة أسامة الملولي تردي الظرف السياسي في تونس إبان الثورة لتهاجم مقر اتحاد اللعبة بصحبة عدد آخر من المدربين المفصولين في العهد السابق. وطالبت بصرف 100 ألف دولار لابنها بعنوان منحة متخلدة بذمة أسامة كان أعلن عنها الرئيس السابق بن علي، ولكن اتحاد السباحة تأخر في منحها للمستحق لعدم توفر المبلغ على حد قوله. 100 تسببت ثورة الحرية في تونس في توقف نشاط شركة التنمية الرياضية التي تمول الرياضة بمبالغ كبيرة قدرت مثلاً عام 2010 بحوالي 100 مليون درهم تصرف عادة في بناء الملاعب والمنشآت الرياضية. 25 يجني اتحاد الكرة التونسي مبلغ 25 مليون درهم من صفقة حقوق بث مباريات الدوري الى القنوات التلفزية، ويوزع هذا المبلغ على الأندية. ولكن الثورة وتوقف المباريات تسببا في عدم انتظام حصول الاتحاد على مستحقاته. 70 ثورة الحرية في مصر أجلت اقتسام أندية دوري كرة القدم كعكة حقوق البث التلفزي التي كان من المتوقع أن تقدر بمبلغ قياسي. وتجدر الإشارة الى أن اتحاد الكرة باع الموسم الماضي مباريات الدوري بمبلغ 70 مليون جنيه (حوالي 50 مليون درهم). الدرس والحل رب ضارة نافعة مثل وجب على المسؤولين عن الكرة في دول الربيع العربي استحضاره والعمل به في هذه اللحظة الحاسمة من الأزمة الكروية. فالبكاء أمام الحكومة أو اللهث وراء رجال الأعمال ليس الحل الجذري ولن ينهي المشكلة الى الأبد، بل هو مجرد مسكن أدمنته أنديتنا العربية منذ عقود. فالواقع يفرض على أسرة كرة القدم العربية أن تجد مصادر دائمة لتمويل الأندية بعيدا عن الإعانات الحكومية. لقد حان الوقت لتحويل الأندية الى شركات تجارية وبعث مشاريع خاصة بالأندية تمولها باستمرار فعندما تتأمل في موازنات ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ يتضح لك أنها أندية تعيش في كوكب آخر. برشلونة مثلاً جنى العام الماضي 398.1 مليون يورو مقسمة إلى : 97.8 كعائدات لتذاكر المباريات، 178.1 لحقوق النقل التلفزي و122.2 للمداخيل التجارية، بينما حصل هذا العام الحالي على 450.7 مليون يورو مقسمة على الشكل الآتي : 110.7 كعائدات لتذاكر المباريات، 183.7 لحقوق النقل التلفزي و156.3 كمداخيل تجارية. شهداء وجرحى الكرة في طي النسيان خفتت نشوة الثورة عند الكثيرين في دول الربيع العربي، ولكن لوعة عائلات الرياضيين الشهداء لم تنته بعد. فالثورة التي استبشر بها الكثيرون كانت ألماً وحزناً بالنسبة لآخرين من عائلة كابتن الترسانة عامر عبد المقصود الذي لقي حتفه. كما ضمت قائمة شهداء الكرة محمود عبد الحليم لاعب مريخ بورسعيد المصري وسامح العدوي لاعب كهرباء الإسماعيلية. وفي تونس أصيب لاعب النادي الافريقي حمدي العكروت بطلق ناري على مستوى الصدر ونجا لاحقاً من الموت. لاعبون ماتوا وآخرون جرحوا ولكن عائلاتهم لم تجن شيئاً. لا تعويضاً مالياً، وإن كان المال لا يعوض النفس عن عزيز رحل، ولا محاكمة عادلة للقتلة. المنشآت الرياضية تعيش الدمار ليست وحدها من يعيش الخريف في دول الربيع العربي، فالمنشآت الرياضية هي الأخرى في الحضيض خصوصا في تونس، إذ تردت حالة الملاعب التي كلفت الدولة الملايين، بل إن أغلبها أقفل أبوابه حالياً وبات غير مؤهل لاحتضان المباريات. والحديث هنا عن ملاعب الدوري الممتاز فملعب المنزه بالعاصمة الذي يحتضن مباريات الافريقي أو ملعب الصفاقسي واستاد سوسة في حالة سيئة جدا بسبب إهمال البلديات وتوقفها بعد الثورة عن القيام بواجبها المتمثل في الصيانة. لقد وصل الحد بإقامة مباريات الدوري الممتاز المحترف بملاعب فرعية (الاتحاد المنستيري- الأولمبي الباجي). من مفارقات دول الثورات أن المنشآت الرياضية نجت من شغب المخربين خلال الانتفاضة، إذ لم تسجل أعمال نهب ودمار استهدفت ملاعب أو قاعات رياضية أو مقار أندية. وربما الحالة السلبية الوحيدة والاستثنائية حصلت في مصر، حيث هاجم البعض من المتعصبين مقر نادي الشمس القاهري. وفي المقابل فإن شارع باب الجديد في تونس تعرضت المحال التجارية والمؤسسات الحكومية الواقعة به الى التخريب والنهب، بينما سلم مقر إدارة النادي الأفريقي من أعمال الشغب ولم يصبه أحد بسوء، وهو ما اعتبره الملاحظون حدثا غريبا ترجم أن الشعب التونسي كان متلاحما وترك الألوان والانتمائية الرياضية جانبا خلال ثورته. سقوط رموز الفساد.. المكسب الوحيد بعد ثلاثة أعوام من الثورات العربية تبين الخيط الأسود من الأبيض، واتضح أن الرياضة لم تكسب شيئا من التغيير السياسي سوى سقوط رموز الفساد وإرساء مبدأ الانتخاب في الاتحادات والأندية. هذا هو المكسب الوحيد أمام بحر من المشاكل والهموم التي نخرت الجسد الرياضي. وعرفت كل الهياكل الرياضية انتخابات حرة وشفافة دون أي إقصاء، رغم أن شقاً من الثوريين يتذمرون من تواصل وجود بعض الوجوه في أسرة التسيير الرياضي مورطة في قضايا فساد وعملت مع منظومة الخراب. في تونس هروب سليم شيبوب رئيس اللجنة الأولمبية طرد الموظفين لوزير الرياضة عبد الحميد سلامة حل مجلس إدارة النادي الافريقي والتخلي عن الموالين لعائلة الطرابلسي اعتقال رئيس نادي السعيدية الرياضية مراد الطرابلسي استقالة علي الحفصي رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم استقالة المدير العام لشركة التنمية الرياضية وهي أكبر شركة داعمة للرياضة في مصر سقوط سمير زاهر من رئاسة اتحاد كرة القدم خروج منير ثابت رئيس اللجنة الأولمبية المصرية رحيل حسن صقر من وزارة الشباب والرياضة مثول حسن حمدي رئيس الأهلي ونائبه أمام القضاء في ليبيا سقوط الساعدي القذافي من عرش حكم الكرة الليبية رحيل محمد القذافي من رئاسة اللجنة الأولمبية الليبية