يصاحب مهرجان مزاين الإبل شعر كثير، صحيح أنه شعر شعبي ولكنه جدير بالتأمل من المثقفين على الأقل لمعرفة تجربة شعرية نوعية مختلفة، هذه التجربة لفت نظري لها أحد الأصدقاء حينما كنت أحدثه عن معاني الأغاني، وقلت إن الأغاني المعاصرة ضعيفة جدًا على مستوى المعاني الشعرية والمضامين العاطفية، ولهذا يلجأ المخرج إلى تقديم الصور واللقطات والمشاهد المؤثرة والمثيرة لتعويض ذلك، قال لي تريد المعاني القوية المدهشة واللغة الشعرية المستفزة، والتعبئة الانفعالية المكثفة، قلت نعم، أين هذا كله أو بعضه، قال: ثمة فن جديد في هذا العصر هو نشيد الإبل، حيث يقدم عدد من الشعراء مجموعة من القصائد تعرض لأوصاف الإبل وجمالياتها وتمتدح أصحابها، ويقدمها منشدون محترفون على القنوات الفضائية، وتباع أشرطتها في الأستريوهات وموجودة على الإنترنت ويمكنك الاستماع إليها، قلت سمعت بعضها عرضًا ولم أتوقف عنده، قال بل يجب عليك أن تتوقف طويلاً وتتأمل عميقًا ولا تكن مثل غيرك ممن يقفون موقف المعارض دون معرفة التفاصيل، بعدها عدت إلى تلك الأناشيد واستعرضت جملة منها، وقد أصبت بدهشة كبيرة، فرغم أن الموضوعات محدودة فإن الكم الهائل من القصائد أذهلني، وكذلك طرق تأتي الشعراء للمعنى الواحد وتصويره، وتوقفت عند قصائد نادرة لبعض الشعراء والتي قدمت بألحان رائعة، صحيح أن بعض تلك القصائد لا تخلو من ملاحظات وبخاصة في تعميق روح القبلية، ولكنها على المستوى الشعري وما تحمله من روح الفن والتأثير تبقى قصائد نوعية تشق طريقًا مختلفًا، من يتأمله يعرف من أين أتت عظمة الشعر العربي في الصيد والطرد ومقاطع وصف الرحلة والراحلة في شعرنا العربي القديم.