محمد الكسادي في تفسيره للتطرّف الديني الذي يجتاح أمة ما في فترة من تاريخها ،يقول عالم النفس التحليلي سيغموند فرويد: " إن الإحباط الأفقي يولّد ردّة فعل عموديّة " أي إن من يعاني الاحباط في الأرض يتوجّه إلى السماء. نلاحظ أن هنالك شتى الأنواع من الاحباط ، فهو جماعي ينتاب المجتمعات والأقليات مثل الاحباط الذي انجر في العقدين الأخيرين عن الإفلاس الايديولوجي العالمي شرقا وغربا وهذا الاحباط الأفقي أدى بالتالي إلى ردة فعل عمودية أي التعلق بالدين والماورائيات ونظرا لكونه أصلا عمل غالبا ما يكون غير عفوي تلقائي فهو مُبرمج ومنسق من أطرافها مصالح سواء سياسية أو مادية اقتصادية فتسعى إلى تبرير نبذ الآخر و تشجع على الكراهية وينجر عن ذلك العداء سلوكيات التطرف الذي لا يقبل بالآخر وآرائه ومعتقده بل يتعدى هذا الانجراف إلى مرحلة العنف المبرر دينيا بحيث نرى ذلك جليا في النتائج التي يخلفها إرهاب الجماعات مثل القاعدة وغيرهم من المجموعات على المستوى المحلي مثل من يسمون أنفسهم أنصار الشريعة في شمال ماليوتونس و ليبيا، أو من أطلق عليهم نعت " السلفية الجهادية "في اليمنتونس. وسورية وحيث لا بد لمثل هذه المجموعات من إطار شرعي قانوني تتستر به وتعمل بموجبه، فهي تجد ذلك في تحالفها مع طرف آخر يوفر لها الحماية القانونية، ليس حبا في مساعيها هي نفسها بل لأنها تصب في مصلحتها سواء آنيا أو على المدى الطويل لتحقيق مشروعها السياسي ، وهو ما نراه يتجسد في تحالف بعض القوى الغربية وأمريكا مع تنظيمات دينية للأسف عربية اسلامية أو سياسية تؤازرها حسب مخططها السياسي والاقتصادي طالما كان هنالك انسجام في المصالح . أما الاحباط على المستوى الفردي بشتى أنواعه فهو لا يؤدي بالضرورة دائما إلى عمل منفرد لتحقيق غرض شخصي بل نراه غالبا ما يندرج ضمن العمل الاستغلالي الجماعي حيث تكون فئات الشباب المُهمش والمحروم فريسة سهلة للتجنيد، واستقطابها من قبل الجمعيات" الخيرية " والعمل " التطوعي" وما تلك الجمعيات في الواقع إلا غطاء قانونيا يمكن الجماعات الدينية المتطرفة من التنسيق " المشروع" والتغلغل في أعماق المجتمع والحصول على التمويلات القانونية والغير قانونية مثل تبييض الأموال أو كأن تضخ فيها "الدولة الدينية " بطريقة شرعية ظاهريا من الأموال لتوزيعها على أتباعها أو لاستقطاب عناصر جديدة تنتمي إليها لأغراضها السياسية كالانتخابات و غيرها... وهكذا يقع الاستغلال الممنهج من قبل هذه الجماعات الدينية المتطرفة للفئات المحتاجة وشرائح عمرية معينة كالشباب العاطل عن العمل لتجنيدهم ضمنها خدمة لمصالحها وذلك بشتى الوسائل وأخطرها البرمجة العقلية - العصبية السلوكية أو غسل الدماغ. بحيث يؤدي الاحباط الفردي على المستوى العقلي إلى ردّة فعل غرائزي إذ يصبح سلوك الفرد لا فقط مقيدا بإيعاز " الفاعل" المُبرمج (العصى والجزرة أو البافلوفية)بحيث يفقد الفرد كل سيطرة على إرادته ويُبث فيه شعور بأن بقاؤه مشروط بالانتماء لهذه المجموعات الدينية المتطرفة التي توفر له حمايته و معاشه، وينتهي إلى قبول "صورة العدو" الذي يهدد الجماعات الدينية كالعلمانيين واليساريين الذين تقع شيطنتهم اعتمادا على الاسقاط الديني على هؤلاء وعندئذ تتكون لدى الفرد المُجند ضرورة "الانتماء" درأ لكل ما يهدد بقاءه ، ولا يمكنه بعدها رفض أوامرهمهما كانت طبيعتها نظرا لشعوره بالذنب تجاهها ، لذا يصبح القيام بالأعمال الارهابية شيئا " طبيعيا" من جراء البرمجة الدينية التي تجعله لا يفكر إلا من خلال مصلحة الجماعات التي جندته وهو عضو منها و بالتالي يرى كل "عمل " مبررا. لكن ما هي الاسباب الأساسية وكيف يمكن معالجتها؟ اشرنا سابقا إلى الإحباط الفردي جراء الشعور بالفشل في الحياة في غياب الأمل في التشغيل وانعدام الثقة في المجتمع الذي يتحمل المسؤولية الأولى في تهميش الشباب وانحرافه واستمالته من قبل المجموعات الدينية التي تستغل هذا الضعف فيه، وكذلك تتحمل الاسرة جزءا مهما من هذه المسؤولية ولا شك للمدارس ايضا دورها في تنمية الفشل الدراسي وبالتالي تتعاضد كل هذه العوامل لتدفع الشباب الى الجريمة واستهلاك المخدرات ونبذ المجتمع وقيمه كليا كردة فعل تمردية بل حتى كسلوك ثأري لا إرادي و ينتهي بالانصياع لهذه الجماعات الدينية والانصهار ضمنها. ونتساءل ألم يحن الوقت بعد للجمعيات المدنية والمربين للتفطن الى هذه الظاهرة الخطيرة للأخذ بيد هؤلاء الشباب وتأطيرهم التأطير المدني الصحيح في غياب دور الدولة التي تتخلى كل يوم أكثر عن مسؤولياتها الاساسية وما الأمن الا واحد منها