يتبخترُ مَزْهوًّا طرِبًا مِنْ صعقةِ نجاحٍ سيق إليه، وينتفخُ صِدْغُه لإنجازٍ فائقٍ أجادَ انتزاعَه منْ حليفٍ مستضعفٍ أو رامٍ مكانةً يشغلها لديه، ويشخصُ بصرُك ذهولاً عندما تتلمَّس حرصَه على أن يُدبَّج اسمُه في كل عنوانٍ كان له فيه فضلٌ أم لم يكن. وينتابك العجبُ وأنت تراه متمايلاً بين كراسي أترابه؛ يستجدي مديحَهم لشخصه، ويستنزف من لَهاتهم عبارات الثناء لفضله، ويبتزّ من أفئدتهم ألحان التقدير لصُنعه. وكم يكون معانقًا السماء لو حظيَ بوليدةِ شجرٍ مسطَّرٍ عليها أحرفَ شكرٍ بثها مسؤول أو نفثها صاحب لواء؛ لتكتظَّ بها الوسائطُ والوسائل قديمُها وجديدُها، وليعلم القاصي والداني بما أنجزت أنامله وما أبدعت سواعده.. وحمدُ الله لا يفارق لسانه أن مكَّنه ربّه من خدمة وطنه والسعي في تحقيق طموحاته.. وقليلٌ من ذلك قد يكون مقبولاً إلى حدٍّ ضيِّقٍ. لكنَّ الغرابة تتقاطرُ والذهول يتخاطرُ عندما ترى ذاكَ المزهوَّ الطَرِب - ذاتَه- وهو يحارب كلَّ نجاحٍ لا تُشدُّ عراه إلى وثيقته، ويُسفِّه كلَّ صاحب فكرٍ أبلجٍ قد يقوده فكره إلى إبداعٍ يخلَّد له دونه، بل قد لا يكفيه ذلك؛ فيسلَّ كل سلاح، ويستمرئ كل وسيلة للقضاء على النجاح ووأدِ الإبداع، فالقضيَّة له مصيريَّة، وباطن الأرض أحبُّ إليه من أن يغيَّب اسمه عن هذه الصحائف الساطعة. فإمَّا ترصيع اسمه وإمَّا على النجاحات أن تندثر وعلى المبدعين المفكِّرين أن يتواروا.. فكيف يجرؤون على التغافل عن استجداء رحيق خبرته، والاستنارة ببركة علمه ومعرفته التي كان حريصًا على أن يمنحهم إياها ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، وحبًّا في الوطن وفداءً لثراه. د. جواهر مهدي - جدة صحيفة المدينة