من البنطلون إلى البطون الجائعة: حين تختل أولويات المجتمع في ظل الظلم والفساد    الأجهزة الأمنية بمأرب تضبط عصابة ابتزت واختطفت امرأة من محافظة أبين    مسير وتطبيق قتالي لخريجي دورات "طوفان الأقصى" في الشاهل بحجة    قبائل مذيخرة في إب تؤكد الثبات على الموقف والجاهزية لمواجهة الأعداء    الرئيس الزُبيدي يترأس اجتماعاً موسعاً لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي والأمانة العامة    بعد ان علمهم القراءة والكتابة، زعموا انه كان لايقرأ ولا يكتب:    تعيين سالم الخنبشي محافظاً لحضرموت خلفاً لبن ماضي    ارتفاع عدد قتلى حريق هونغ كونغ إلى 83    لحج تحتفي بعودة بطلها يونس حسين ناصر... وتتوج إنجازات صالح الخضر في المحافل الخارجية    أمريكا تمدد إعفاء سلع صينية من رسوم جمركية    رابطة علماء اليمن تنعي العالم والداعية الشيخ محمد المقري    رحيل الشيخ المقرمي.. صوت التدبر الذي صاغته العزلة وأحياه القرآن    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    البكري يشهد تتويج منتخب صنعاء "رجال وسيدات" بلقب البطولة الوطنية الأولى لكرة السلة للكراسي المتحركة    بدء صرف نصف معاش .. وفق الالية الاستثنائية    اليمن يدعو المجتمع الدولي للتحرك الفعال ضد الأعمال الحوثية التخريبية وتهديدات إيران للملاحة    قصتي مع الشيخ المقرمي    منتخب الناشئين يستكمل تحضيراته لموقعة باكستان غدا الجمعة    العثور على مسؤول أمني مقتولا داخل سيارته بعدن    ممثلية المجلس الانتقالي الجنوبي في روسيا تقيم ندوة حوارية بمشاركة باحثين روس    رئيس الهيئة السياسية: دعم دولة الإمارات لشعبنا يعكس عمق العلاقات الأخوية    الذهب يستقر قرب قمة أسبوعين.. والأنظار تتجه لتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    في وداع مهندس التدبّر    الشيخ المقرمي.. وداعا    هندسة التجويع.. كيف يعمل الحوثيون على استنزاف رأس المال الوطني سعيًا لإفلاسه؟    "أرض الصومال"... صعود كيان بلا اعتراف في قلب تنافس دولي    القطاع النفطي الأهم رقم 5 بشبوة أكل تفاح عليمي    الإخوان يبدأون سحب أرصدتهم في أمريكا قبل قرار ترامب المرتقب بتصنيفهم تنظيماً إرهابياً    منافسات مثيرة في النصف النهائي لبطولة كأس الشهداء لتنس الميدان    موجة برد جديدة متوقعة يرافقها انخفاض في الرطوبة    ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا بعد سوبر هاتريك مبابي مباراة ريال مدريد وأولمبياكوس    عودة 48 صياداً إلى الخوبة اختطفوا وعُذّبوا في إريتريا    الإصلاح يعلن وقوفه مع بن حبريش لتأديب الإمارات    الجنوب العربي والطارئون على السياسة بعد 1967    تقرير أممي: انخفاض ملحوظ لواردات الوقود والغذاء عبر موانئ الحديدة    هزة أرضية في محافظة ذمار    الاغذية العالمي يستبعد قرابة مليوني يمني من سجلات المساعدات الغذائية    سعد لمجرد يمثل أمام القضاء الفرنسي مجددا بتهمة "الاغتصاب المشدد"    قراءة تحليلية لنص" بعد الخطوبة وقبل القران" ل"أحمد سيف حاشد"    ألمانيا تُعلّق على قرارات الاعدام التي أصدرتها سلطات صنعاء بحق 17 مواطنًا    قائد المنتخب اليمني يعتذر للجماهير بعد خسارة مؤلمة بركلات الترجيح أمام جزر القمر    الصحفي الكبير والمناضل القدير محمد قاسم نعمان    صنعاء.. مقتل مواطنين بانفجار عبوة ناسفة بمديرية نهم    عاشق الحياة وصديق الموت    مسام يُتلف 7175 لغماً وذخيرة حوثية في وادي دوفس بأبين    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    منحة مليار دولار: الشيخ بن زايد يكسر الحصار الأسود لإظلام مدن الجنوب    منتخب الناشئين يفوز على كمبوديا بثلاثية نظيفة في تصفيات آسيا    رحيل مفجع للداعية البارز محمد المقري في مكة المكرمة    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    قراءة تحليلية لنص "خطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخامسة لوفاته .. نجم العَيَاسَى الذي لا يُنسى.. الشيخ عمر قاسم العيسائي
نشر في الجنوب ميديا يوم 07 - 01 - 2014

المرء, لا تحسب قيمتها بعدد السنين التي قضاها حياً, مهما طال عليه الأَبَد, بل بما تمثله من قيم ومَدَد في مضمار النجاح والبذل والعطاء وفي حب الناس وفعل الخير. فقد يعيش البعض عمرا مديداً, لا يبلغه غيرهم, لكنهم عاشوها على هامش الحياة, فلم يسمع بهم أحد في حياتهم, ولا بعد مماتهم.. وعلى العكس من ذلك هناك قلة من الرجال العظماء ممن تركوا بصمات متميزة في حياتهم وفي ثمار أعمالهم الجليلة التي تذكرنا بهم, بعد رحيلهم, وتجعلهم أكثر حضورا بيننا وتخلد أسماءهم في صفحات التاريخ بأحرف من نور.. وإلى هؤلاء ينتمي رجل متميز, بدأ من الصفر، لكنه استطاع أن يجعل من اسمه شيئاً مذكوراً، في عالم المال والأعمال وفي فعل الخير والبر والإحسان, فبنى امبراطورية تجارية ضخمة, والأهم من ذلك أنه امتلك حب الناس كرجل باذل للخير والعطاء وسبّاق في أعمال الخير وتنمية المجتمع.
إنه الراحل الكبير العصامي الشيخ عمر قاسم العيسائي, طيّب الله ثراه, الذي غادرنا في 6 يناير عام 2008م, واليوم في ذكرى رحيله الخامسة, وكما في كل يوم وحين, نتذكره بكل فخز واعتزاز, ففيه يحق قول أبى فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
بدأ نشاطه التجاري من الصفر, ممتطياً صهوة جواد الحظ في العام 1945م، في مدينة عدن, التي كانت حينها أهم المراكز التجارية على مستوى الجزيرة العربية ومن أهم الموانئ العالمية, وفيها فُتحت له أول أبواب النجاح, وكانت بدايته بتجارة الأقمشة والمنسوجات في حافة الشيخ عبد الله بكريتر بعدن، وفي محل مجاور لرفيق دربه التاجر علي عبد الله العيسائي, حفظه الله, الذي أصبح شريكاً له فيما بعد، ثم تحول مباشرة إلى تجارة السيارات وحصل على وكالة سيارات «ميتسوبيشي» اليابانية ووكالة «كرايسلر» الاميركية.
ومنذ مطلع الستينات الميلادية من القرن الماضي بدأ الفصل الهام في مشوار حياته وفي قصة نجاحه المتواصل منذ انتقاله حينها إلى السعودية واستقراره الدائم فيها, بمدينة جدة، فغدت وطنه الأثير, ومسرح نشاطه ونجاحه المثير ومثواه الأخير. وبكفاحه وعمله الدؤوب ونظرته الثاقبة للأمور تدرّج في مراقي النجاح بتُؤَدَة وتمهُّل, واثق الخطوة يمشي ملكاً, حتى وصل إلى ذرى النجاح والمجد, وكوَّن مجموعته التجارية التي تضم 61 شركة وفرعا في كل مجال من تجارة سيارات ومواد غذائية ونشاط عقاري, وكان نجاحه التجاري وبصيرته الثاقبة في مجال الاستثمارات حافزاً قوياً للعديد من رجال الأعمال والتجار والصناعيين الذين دخلوا معه في شراكات ناجحة غالباً، وباعثاً لشركات أخرى عالمية ناجحة قررت أن تمنحه صفة الوكيل والممثل في السوق السعودي من أقصى شرق اليابان إلى أميركا وأوروبا, حتى أضحى, رحمه الله, من أهم رجال المال والأعمال ممن يُشار إليهم بالبنان في السعودية, بل ومدرسة في العمل التجاري وترك إرثا لا ينضب في مجال الإبداع الاقتصادي المقرون بأعمال الخير والبذل والعطاء.
شخصيا, لم اتشرف بمعرفته أو مقابلته في حياته, لكنني سمعت عنه الكثير والكثير من سجاياه ومناقبه وكرمه وجوده وحبه لأعمال الخير وتعلقه بها مما جعله يحتل مكانة طيبة في قلوب كل من عرفه أو سمع عنه أو التمس خيره, وهم كثيرون, وأنا واحد منهم فقد كان لدعمه نصيب في شحذ هممي لنشر ما تيسر من الموروث الشعبي الذي شمله بعنايته ودعمه, وهو ما لا أنساه له ولواسطة الخير الأستاذ المثقف محمد بن محمد الرشيدي . وكما كان منهجه في حياته أن جعل في أمواله حق معلوم للسائل والمحروم ولمشاريع وأعمال الخير, فقد أوصى أن يكون جزءا مما خلفه صدقة جارية تُنفق في أوجه الخير, ففاز بالذكر الحسن في حياته وبعد مماته, وأجره عند الله كبيراً.
ولعل خير من يصفه ويحسن الحديث عن مناقبه وشمائله هم أولئك الذين عايشوه وعرفوه عن قرب أو عملوا معه, فبحسب صديقه ورفيق دربه رجل الأعمال الشيخ عبد الحي السيلاني:" كان ذكياً، حسن الحظ، إلى جانب كونه عصامياً بدأ من الصفر، وقد ساعدته الظروف كثيراً, كان مغامراً، ومتفوقاً في مجال العلاقات العامة، وكانت لديه خبرة كبرى بالحياة تعادل أعلى الشهادات العلمية في تحليل الشخصيات وهو ما كان يركن إليه كثيراً، ومن صفاته التي اشتهر بها كونه رجلاً كريما ومرحاً لا يحب أن يظهر غضبه أو همومه للآخرين».
وقال عنه عبد الحكيم السعدي نائب الرئيس لشؤون العلاقات والاتصالات في مجموعة عمر قاسم العيسائي في حديث لصحيفة "عكاظ" عقب وفاته, أن الشيخ عمر يرحمه الله كان يتابع تدفق المساعدات التي يقدمها للمحتاجين ما يدل على أنه يرحمه الله كان إنساناً يحمل في قلبه حب الآخرين والتواضع والتراحم. ويتذكر قصة شخص فُصل من عمله في أحد البنوك فذهب إلى الفقيد في بيته فاستقبله وأدخله المجلس وعندما سمع قصته ساعده وأمن له عملاً على الفور في مجموعته.
ويلخص الأستاذ محمد بن محمد الرشيدي نائب الرئيس المجموعة سبب نجاح الشيخ عمر في عالم الأعمال في عصاميته ومثابرته التي استطاع من خلالها تكوين مجموعته التي يشار إليها بالبنان .
أما صديقه الأستاذ عبد العزيز عبد الرحمن النعيم الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة صادقة على مدى أربعين سنة وعرف عنه, كما يقول, مواقف وأخلاق رفيعة وراقية لا تفيها أي كلمات, وكتب عن الفقيد في جريدة (المدينة) السعودية واصفا إياه بأنه علم من معالم الكرم والإنسانية.. وخير رمز للخير والتقوى والعطاء والمواقف النبيلة، صاحب الأعمال الجليلة التي اكسبته الشهرة في العالم على المستوى الشخصي والتجاري.. وكان بيته مفتوحا دائما لكل سائل ومحروم فكان من دخل عنده خرج مبتسما فرحا ثلج الصدر... وكان إن أعطى أكرم وزاد ولم ينقص, كرس حياته ليكون اليد التي تعطي قبل أن تسأل وبعد أن تعطي لا تذكر مَنْ وكم أعطت، هو سند لكل محتاج غنيا كان أم فقيرا, يمشي بنفسه للبيوت الفقيرة ويدق بابها ويعطي مما أعطاه الله بنفس راضية.
وقال عنه الأستاذ سالم صالح محمد في مرثية يخاطب فيها الفقيد : كنت حاضراً في كل مكان لم تغب أبداً ولن تغيب لأن بساتين أعمالك الخيرة ستظل تذكر بك وتنوب عنك وتتحدث باسمك وتستفيد من خيراتها أجيال ممن عرفت ومن لا تعرف من القادمين من ظهر الغيب، وحتى عابري الطريق الذين يرفعون أيديهم إلى الله ترحماً عليك ودعاء لك.
وكتب الأستاذ الأديب والكاتب الكبير فضل النقيب, رحمه الله, عن الفقيد قائلاً: الشيخ عمر قاسم العيسائي الذي رحل عن الدنيا الفانية بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال، كان لا يغيب ذكره عن مدار الأيام والسنين, وكثيرون ممن لا يعرفونه معرفة شخصية تراهم وتستمع إليهم يتحدثون عنه حديث الذين عايشوه واستمعوا إليه، مصداقاً للأثر « إذا أحب الله عبداً من عباده حببه إلى الناس».
وسنظل نحن في كلية التربية يافع, نذكر له صنيعه الطيب وبصماته التي لا تُنسى في تشييد هذا الصرح الجامعي عام 1998م الذي نقل التعليم الجامعي إلى يافع لأول مرة وأتاح الفرصة لمئات من طلبتنا وطالباتنا الحصول على تعليميهم الجامعي بجانب بيوتهم وبالقرب من أهلهم, وفضلا عن ذلك تكفل بتقديم إعانة مالية للطلاب شهريا ولا زالت مستمرة تساعدهم على مواجهة أعباء الدراسة الجامعية, وتفيض قلوبهم بالدعاء له.
إنه حقاً رجل قدّم من الخير والبذل والتضحيات ما تعجز عن وصفه الكلمات، وله بصمات ملحوظة في بناء المساجد، وأنشأ المدارس وكفالة اليتامى والأرامل والمعوزين، وتعليم مئات الطلبة على نفقته، إلى غير ذلك من المشروعات الكبيرة التي قدمها في سني حياته.
وفي ذكراه العطرة, أقول: إننا بحاجة إلى رجال خير مخلصين، ومضحّين، ينهلون من مدرسة عمر قاسم، ويسيرون على نهجه في حب الخير.. ولن نعدم إن شاء الله تعالى أمثاله من أهل الخير الكرام ممن يرجون ما عند الله والدارة الآخرة والتجارة التي لن تبور, وعزاؤنا أن أولاده الكرام يقتفون سيرة أبيهم ويواصلون السير على خطاه في طريق أعمال الخير ومساعدة الفقراء وفي كل ما أوصى به الشيخ قبل رحيله.
وختاما أدعو إلى دراسة حياته ونجاحاته وحبه للخير.. وتلك فكرة طرحتها عقب وفاته وأكررها في ذكرى رحيله الخامسة.. وأرجو أن تجد صدى لدى أهله ومحبيه, خاصة وأن في سيرته العصامية المكللة بالنجاح لعبرة للطامحين المثابرين وحافزا ومدعاة للساعين إلى الخير, وفي كرمه وبذله في ميادين الخير لقدوة للباذلين بسخاء وطيب نفس ابتغاء الأجر من الله, فقد ارتضع ثُدِيّ الكرم, كما يقال في أمثال العرب, ومثله قمين أن تخلّد سيرته العطرة وتسجّل مواقفه بمداد الفخر, لتكون منهلا تستقي منه الأجيال تلك القيم الي جُبَل عليها, وتبقى زادا لهم في رحلة الحياة تضيء لهم طريق النجاح وحب الخير والفضيلة.
لم يتبق لنا نحن الذين ذرفت أعيننا عند رحيله دموعاً حَرَّى, وتألمنا كثيرا لفراقه وصلينا من أجله صلواتنا بقلوب خاشعة مشفوعة بدعوات تَتْرَى, إلا أن ندعو له في كل حين أن يجزيه الله خير الجزاء ويسكنه مع خير الوَرَى, في فسيح جناته.
حياة عدن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.