يا قومي.. هذا عصر غريب حقًّا.. هذا زمن عجيب.. مثير للدهشة.. والحيرة.. بالرغم من التقدم الهائل.. غير المسبوق في تاريخ البشرية في تقنية المعلومات والسرعة الرهيبة الخاطفة في نقل الأخبار، إلاَّ أن الهرج والمرج اللذين يسودان هذا العالم، والتخبط، والتيه، والضياع في نشر الأخبار والتضارب والتعارض في نقل الأحداث، والتناقض في إذاعة البيانات أصبح فيه الحليم حيرانًا.. وأصبح الإنسان عاجزًا عن إدراك الصدق من الكذب.. إلاّ أن يبذل جهدًا كبيرًا.. مضنيًا في البحث والتنقيب عن الحقيقة!! وذلك بسبب ما يقوم به أعداء الأمة من تجنيد جيوش من الغلمان والولدان الذين لا يملكون إلاّ هيكلاً عظميًا عضليّاً ممزوجًا بنفثة من إبليس اللعين ونفخة من الشيطان الرجيم تؤجج هذا الهيكل، وتشعله نارًا متقدة تنفث سمومها ولهيبها في كل مكان. هذه جيوشُ إبليس اللعين وأعوانُه من شياطين الإنس والجن يعملون ليلاً ونهارًا بدون توقف وهم يملكون أسطولاً جبارًا هائلاً من وسائل الإعلام الخبيثة، الماكرة، الداهية لكي تنشرَ كلَ الأكاذيب والأضاليل والأساطير والخرافات وهم في الحقيقة يريدون بث الفرقة والاختلاف وإثارة الفتنة والقلاقل بينهم.. وتشكيك بعضهم ببعض بنشر الإشاعات والأراجيف كي يقتتلوا فيما بينهم.. ويكون بأسهم بينهم شديدًا.. ويصفوا بعضهم البعض.. وبالتالي يرتاح عدوهم.. وينتعش فرحًا وسرورًا، وهو يتفرج عليهم ضاحكًا مبتهجًا.. أيّما ابتهاج! يا قومي.. أليس منكم رجل رشيد؟! ألا يمكن أن يتلاقى العقلاء والمسؤولون عن كل فريق ويجلسوا معًا.. ويحلّوا كل الخلافات بينهم.. ويتعاهدوا على توجيه السلاح كله نحو العدو. يا قومي.. والله حرام عليكم أن تشهروا السلاح بوجه بعضكم البعض.. والعدو محيط بكم جميعًا.. ويود قتلكم جميعًا.. وحينما تقتتلون بينكم توفرون عليه جنوده وسلاحه.. وتؤدّون المهمّة أحسن الأداء نيابة عنه!! يا قومي.. ألم يأتكم نبأ من رسولكم صلى الله عليه وسلم: «إذا التَقى المسلمانِ بسيفيْهِما، فالقاتلُ والمقتولُ في النارِ» صحيح مسلم ألا تدّعون كلكم أنكم تقاتلون في سبيل الله.. ولإعلاء كلمة الله.. وتحاربون عدوًّا واحدًا شرسًا.. هو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين؟ ألا تخشون انتكاس الثورة.. واستغلال العصابات الأسدية، ومواليها من الانقضاض عليكم جميعًا.. واسترجاع الأراضي التي حررتموها بدمائكم؟ ألا تستحون من الأيتام والأرامل والعجائز والمشردين والمهجّرين الذين ينتظرونكم على أحر من الجمر كي تخلّصوهم من مأساتهم ومحنتهم. ومعاناتهم؟ يا قومي.. ماذا دهاكم؟ ومن الذي أغراكم ولعب بعقولكم كي تشهروا السلاح -الذي ما حصلتم عليه إلاّ بشق الأنفس، وما اشتريتموه إلاّ بعرق جبينكم، وعرق جبين إخوانكم الذين تبرعوا به لكم من قوت يومهم وعيالهم- بوجه بعضكم البعض.. لتكون الخسارة مضاعفة.. خسارة السلاح.. وخسارة أرواحكم.. والطامة الكبرى خسارة آخرتكم التي تهون عندها كل الخسائر الدنيوية الأخرى. د. موفق مصطفى السباعي - جدة صحيفة المدينة