لا شك أن العصيان المدني ينضج يوما بعد يوم لكنه بحاجة إلى كثير من التنظيم والضبط حتى لا ينقلب السحر على الساحر ويعود المستفيد منه السلطة بدل الشعب. ولعل أهم سمة يمكن ملاحظتها في حركة العصيان المدني هي تنوع حالات العصيان بين مظاهر واقعية مطلوبة، ومظاهر غير واقعية بدأت بوادرها في الظهور مما لا يجب الاستمرار فيه أو استمراءه وإلا تحول الفعل السلمي المنظم إلى فعل مدمر، لاسيما أن العصيان ينفذ في الشارع مباشرة حيث يكون مكشوفا وحساسا وحيث تنشط اتجاهات متعددة بمختلف أنماطها السياسية والأخلاقية وتقاطعات مصالحها، الأمر الذي يستدعي من قيادة العصيان المدني التعامل مع هذه المعادلة الدقيقة والمتداخلة بوعي أكبر يستفيد من خبرات الوجاهات الاجتماعية والدينية والتربوية والشبابية والأمنية والسياسية والحقوقية.. إلخ، وإن كنت أظن أن الفعل الفوضوي الذي يسود تصرفات بعض الشباب من قطع الطرقات بالقوة وفرض الإتاوات على السيارات المارة مسكون بروح الرفض للسلطة والتمرد على بطالتهم وفقرهم وعوزهم فيها، غير أنهم يعبرون بطريقتهم الخاصة، أو حسب وعيهم المتأزم العنيف الذي خلقته ظروفهم الصعبة مما هو بحاجة إلى كثير من التوعية وكثير من الحزم والمنع بحيث لا تستغله أطراف مضادة تعمل على قلب الطاولة، ذلك لأنه على فعل العصيان المدني العام وتطوره أو ارتباكه يتوقف كثير من قراءة اللحظات القادمة. ويبدو لي أن الغلو هو جزء كبير من المشكلة، الغلو في القرار وإخراجه قبل أوانه (المزايدة السياسية) الغلو في القفز على استحقاقات الآخرين، بما يجعل الشارع يبدو كما لو كان منقسما على نفسه، وليس الأمر كذلك بالضرورة، فالعصيان المدني ينمو نموه الداخلي المتناغم بوصفه عصيانا شاملا الدافع إليه ليس الأسباب السياسية فحسب بل إلى ذلك الأسباب الاجتماعية والحقوقية والأخلاقية بحيث تشارك الجماهير فيه من منطلقات مختلفة، فهذه الأسباب هي الحوامل الأساسية الصلبة لفعل العصيان والحراك السلمي الجنوبي عموما، وحتى ما صدر عن حلف قبائل حضرموت كان الدافع إليه حقوقي كما جاء في البيان الأول للحلف غير أنه في ما يبدو يأخذ من خلال الأيام بعدا سياسيا، فالعملية مترابطة، وثمة عدد من المتغيرات ستمر بالحراك لا شك، غير أن المتغيرات شيء وانقسام الصف الجماهيري شيء آخر.. التغيرات حالة تطورية طبيعية، أما انقسام الصف فخط معاكس يتحول إلى تحطيم وتحطيم مضاد، لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث إن شاء الله مادام الوعي السياسي للشارع قد تبلور بصورة جيدة. العصيان مازال نوعيا وإنما تبحث الجماهير عن تنظيم أكثر خصوصية وانضباطا بحيث يمكن تحويل فعل العصيان على مستوى القرار والتنفيذ إلى فعل حضاري منظم ومتناغم بين القيادة والجماهير، ذلك لأن الاختلالات لا تأتي من الجماهير وحدها ولا من الخصوم وحدهم، ولكن من القيادة أيضا إذا لم تحسن قراءة الواقع وفهمه قدر الإمكان ومن ثم التفاعل معه بوعي وبصيرة نافذة تخرج بأقل قدر من الخسائر والانقسامات، مع تقديرنا لإسهاماتها. عن صفحة الكاتب على الفيسبوك حضرموت برس