إن كنت تنظر لردة فعل الناس في كل قرار تتخذه، أو تجعل تصرفاتك واتجاهاتك رهينة ما يمليه عليك شخص أو حزب أو فئة، فإنك تابع أينما تحركت الريح تتحرك، غير قادر على إعمال عقلك الذي يخصك وحدك؛ وبالتالي تجنح لاستعارة عقول الآخرين، الذين يصبحون أوصياء عليك من حيث لا تدري. ومع الوقت تتبرمج على هذا المنوال وتفقد ثقتك بقدراتك العقلية، فتسير كالأعمى خلف قواده، حتى تثق بشكل مطلق بمن تتبعه، وترى فيه كل مواصفات الكمال. أما إن كنت تعرض قراراتك على عقلك وتحللها بشكل منطقي، وتستفيد من آراء أصحاب العلم والمعرفة مع محافظتك على مسارك بعيدا عنهم، فأنت في هذه الحالة مستقل معتمد على الله ثم على ما آتاك من قدرات. متى ما همش الفرد أفكاره وذاته وبات يتوجس خيفة حيال مصيره وما يهمه من شأن أصبح عالة على المجتمع يراقب تحركات وسكنات الغير ويحرص على أن يحذو حذوهم في أمور حياته؛ خوفا من النقد ومما سوف يقال عنه. وبالمناسبة ثمة من يمشي هكذا، لا يملك بوصلة تحدد له اتجاهاً، بل كما قيل: «مع الخيل يا شقراء» والحقيقة أن قصة هذا المثل تختصر لنا الكثير من الشرح حيث أن منشأ العبارة ينسب لفلاح كان يملك مجموعة من الخيول الأصيلة التي كان يحرص على تدريبها بشكل يومي، وكان لهذا الفلاح بقرة شقراء عزيزة على قلبه، وكلما غارت الخيول في أشواطها التدريبية انطلقت البقرة خلفها رافعة ذيلها تركض بأقصى سرعتها والفلاح مندهش من فعلتها هذه، لا يملك سوى ترديد «مع الخيل يا شقراء». إن نتائج التقليد من غير هدى تنتج مجتمعا لا يملك التنوع الفكري والآراء المختلفة، كل أفراده يسيرون على نمط واحد وربما تحكمهم عادات وتقاليد بالية ليس لها بالدين الصحيح علاقة ولا بالتطور والرقي نصيب. والأخطر من ذلك أن إتباع بعض الأشخاص وتقديسهم قد يكون سبباً لانحرافات سلوكية وعقدية، وأفعال لا يقبلها المنطق السليم. إذا، العقل نعمة عظيمة وميزة فريدة يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات؛ لذا حري بنا أن نستعمله أفضل استعمال في سبيل معرفة الحق والصواب، وربنا قد دعانا إلى التفكر والتدبر في كتابه العزيز. وأخيراً، الحق ليس بالضرورة أن يكون مع الأكثرية؛ فلا يغرنكم كثرة الأتباع لمنهج أو لفكر. فالشيء الثمين وذو القيمة نادر في هذه الحياة. م.عايض الميلبي-ينبع صحيفة المدينة