د. عبد العزيز حسين الصويغ يبدو أن لكل زمن أمثاله التي تعكس تجارب وطبيعة هذا الزمن. ومن الأمثال الحديثة التي استفزتني مثل يقول: «اشتري دماغك» .. وأحيانا «كبر دماغك»، وهي جملة أو كلمة نسمعها كثيراً .. يرددها شباب اليوم، قد تستفز البعض لكنها تعكس فكر الجيل الجديد يقولها الشاب لصاحبه، والفتاة لصديقتها، والأخ لأخته، بل ويقولها أيضاً الزوج لزوجته. هذه المقولة تحمل معنى سلبياً فيه كم من الاستهانة وعدم المبالاة، وهو معنى يُعبّر عنه أحد الشباب المصري بقوله «يبقى بيعمل حاجة غلط وواحد صاحبه ينصحه يرد عليه وبكل وقاحة ويقوله ياعم نفض واشترى دماغك .. مش كده وبس، كمان لما تقول لواحد اشترى دماغك يرد ويقول «ياعم دى متكلفة مين هيقدر عليها»؟! *** وقد رسخت بعض الأعمال الفنية هذه النظرة بين الشباب وكأنها تُكرس مفهوماً جديداً يدعو له تيار خفي. خاصة إذا ما تواكب هذا كله مع إدخال مشاهد في كثير من الأفلام التي تنتج اليوم تُكرس استخدام الشباب للمخدرات بأنواعها، وأقلها تدخين الحشيش والبانجو ... وكلها إسقاطات تحمل ما تحمل من مؤشرات ورسائل لأبناء الجيل الجديد. فأحد الممثلين الشباب خدمته لزمة قالها في أحد الأفلام، ونقلها عنه كثير من الشباب تقول: «كبر الجي و روق الدي»! وال»جي» .. هي الجمجمة، أما ال»دي» .. فهي الدماغ! لذا لم تجد إحدى الفنانات أي حرج في أن تكتب تغريدة في موقعها على تويتر تقول فيها: «أحلى حاجة في الدنيا إنك تشتري دماغك وتقول طظ طظ طظ»!؟ *** وحتى لا نظلم أبناء الجيل الحالي فإن مثل هذه النظرة كانت موجودة على مر الاجيال بوتيرة أو أخرى. الفرق ربما يكون في اللغة والعبارات. وقد يكون أبرز تعبير عن الشبه بين الجيلين هو في عبارة «وأنا مالي»، حيث ينأى أكثر الناس عن الدخول في قضايا، حتى لو كانت تهم مجتمعه أو وطنه، من منطق «إبعد عن الشر وغني له» .. حتى أصبح هناك فلسفة يمكن أن نُطلق عليها «وناماليزم Wanamalizm». هذه الفلسفة عبر عنها الكاتب المُبدع د. يوسف إدريس في روايته (اللحظة الحرجة) التي تُعبر عن فكرة الخوف وحب الأمان، فبينما تشتد المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في مصر، ويتحمس الأبناء للمشاركة، يتحفظ الآباء على مشاركة أبنائهم في مقاومة العدو خوفاً عليهم، وأن هناك من يكفونهم هذه المهمة. وهي نفس فلسفة (جُحا) الذي طرق جاره بابه وحذره من أن حريقاً شب في الشارع، وأن النار وصلت إلى بيته، فأجابه: وأنا مالي، فليحترق البيت طالما رأسي بره؟ *** إنها باختصار فكرة حب الذات والخوف والخنوع .. مبدأ وأنا مالي, وأنا في حالي, ومن يريد أن يحارب فليحارب وحده. بل حتى في الفصل الأخير من رواية يوسف إدريس، عندما يدخل الإنجليز للبيت، يعمد الأب إلى الصلاة وفي اعتقاده أن الجنود الإنجليز لن يؤذوه، بينما الجندي الإنجليزي يشعر أن الرجل يفعل شيئاً مُريباً .. فيضربه وهو يُصلي خوفاً منه، ويموت قبل أن يُدرك أنه أخطأ, وأن ابنه الذي كان يريد مقاومة الإنجليز كان على حق. وهو نفس ما يقود إليه مبدأ «اشتري دماغك» الذي يؤمن به الجيل الجديد. نافذة صغيرة: [[إن اللحظات الصغيرة تصنعنا، وتخلق في مجموعها الطريق والإنسان، والمغني والأغنية، وخطورة هذه اللحظات أنها تبدو في حينها بلا بطولة، وبلا خطورة، مع أنها تشكل وستشكل صلب وجودنا كله، لأننا في كل لحظة من تلك اللحظات العابرة ندافع عن كل ما هو جوهري وغير ملحوظ في حياتنا وحياة الآخرين.]] الناقد أحمد الخميسى [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة